استمرار الغموض حول المشاركة الأميركية في مؤتمر العنصرية

TT

قبل اسبوع من افتتاح المؤتمر العالمي حول العنصرية في ديربان بجنوب افريقيا، لا تزال الولايات المتحدة تحيط قرار مشاركتها فيه بالغموض في محاولة لانتزاع الضمانات بانه لن يتحول الى منبر معاد لاسرائيل. وكان من المفترض ان يصدر قرار واشنطن النهائي مطلع الاسبوع الماضي لكن حتى امس لم يكن وزير الخارجية الاميركي كولن باول قد اعلن بعد ما اذا كانت الولايات المتحدة ستشارك في المؤتمر، وعلى اي مستوى في حال قررت المشاركة.

وقال مسؤول في وزارة الخارجية طلب عدم الكشف عن اسمه حول اسباب عدم صدور القرار حتى الان «اعتقد ان الرسالة واضحة». واضاف «نريد الذهاب الى ديربان ونأمل في ان يكون ذلك ممكنا، لكننا لن نشارك الا في حال تطورت الامور، ونعتقد ان ذلك لا يزال واردا». وهذه ليست المرة الاولى التي تستخدم فيها الولايات المتحدة بنجاح مثل هذا النوع من الضغوط بهدف المماطلة. وقد ذكر الدبلوماسي نفسه انه في يونيو (حزيران) الماضي انتظرت الولايات المتحدة حتى اللحظة الاخيرة لكي تعلن مشاركتها في مؤتمر الدول المانحة لاعادة اعمار يوغوسلافيا. ولم تعلن واشنطن مشاركتها الا عشية المؤتمر بعد ان حصلت على موافقة من حكومة بلغراد على تسليم الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوشيفيتش اخيرا الى محكمة الجزاء الدولية في لاهاي.

واضاف المصدر نفسه ان «الضغط اعطى نتائجه آنذاك ونود فعلا الحصول على نتيجة مماثلة الان»، موضحا ان المفاوضات غير الرسمية تتواصل وراء الكواليس حول المواضيع المثيرة للجدل المدرجة على جدول اعمال مؤتمر ديربان. واكد مسؤول اميركي آخر ان قرار المقاطعة او المشاركة في مؤتمر ديربان يطرح مشكلة شخصية حساسة بالنسبة لباول، اعلى مسؤول حكومي اسود في تاريخ اميركا، وانه يعتزم اخذ وقته قبل البت في المسألة. واضاف ان «وزير الخارجية يرغب كثيرا في المشاركة في المؤتمر. ان العنصرية موضوع يمسه في الصميم». ولا تخفي الولايات المتحدة انها مترددة بين المقاطعة والمشاركة المحدودة. وكان باول قد اعلن في يونيو (حزيران) الماضي امام الكونغرس «لا نريد ان نرى هذا المؤتمر يفشل. لكن هذه المشاكل تحمل مخاطر بافشاله وتجعل مشاركتنا صعبة ما لم يتم حل هذه المسألة».

من جهته، قال الناطق باسم وزارة الخارجية ريتشارد باوتشر «نحن نرغب في مؤتمر ايجابي وموجه نحو المستقبل». وتعارض الولايات المتحدة مدعومة من اسرائيل والاتحاد الاوروبي ان يتبنى المؤتمر مشروع قرار عربي يشبه الصهيونية بالعنصرية. لكن وزراء الخارجية العرب عبروا مساء الاربعاء اثر اجتماعهم في القاهرة عن رغبتهم في المضي في عرض هذا المشروع. من جهة اخرى تعارض واشنطن ودول الاتحاد الاوروبي المطالب الافريقية بتعويضات مالية لاحفاد ضحايا الرق والاستعمار. وقال الناطق باسم البيت الابيض آري فلايشر الشهر الماضي ان «المؤتمر يجب ان لا يقارن الصهيونية بالعنصرية وان لا يتخذ قرارا حول مسألة التعويضات المالية لضحايا العبودية»، محذرا من انه في حال تم تجاهل هذه الدعوة فان واشنطن ستتغيب عن ديربان.

وتمارس الجمعيات اليهودية الاميركية ضغوطا قوية من اجل المقاطعة في حال ابقت الدول العربية على قرارها عرض مشروع قرار مناهض لاسرائيل. وفي تطور ذي صلة، اعلن كبير حاخامات بريطانيا جوناثان ساكس انسحابه من مؤتمر ديربان. وقالت صحيفة «الانديبندنت» البريطانية ان ساكس كان ضمن مجموعة من الشخصيات البارزة التي ارادت اعطاء نفوذ معنوي للمؤتمر، غير انه قرر مقاطعته احتجاجا على البيان الختامي «لأنه يهون من شأن معاناة اليهود في محارق النازية ويساوي الصهيونية بالعنصرية». لكن من المحتمل ان تقرر الولايات المتحدة في النهاية المشاركة لكن ليس على المستوى الوزاري حتى وان لم تكن راضية بالكامل على مضمون المباحثات. وقد اعلن المدير التنفيذي للجنة اليهودية الاميركية ديفيد هاريس الثلاثاء الماضي ان مسؤولين من وزارة الخارجية ابلغوه بمشاركة الولايات المتحدة على الارجح في المؤتمر وان السؤال يبقى «على اي مستوى؟».

الى ذلك، تطالب نحو 40 منظمة غير حكومية افريقية، اعضاء في ائتلاف مناهض للعنصرية، مؤتمر ديربان بالاعتراف بالرق كجريمة ضد الانسانية وبتعويضات للضحايا. ويرى اليوني تيني المسؤول التنسيقي للمنظمات الافريقية غير الحكومية للمؤتمر انه «لا يمكن تصور مجتمع دولي مبني على العدالة والمساواة وشمولية حقوق الانسان بدون ان تطلب الدول التي مارست تجارة الرقيق الصفح بشكل صريح وواضح». وشكلت المنظمات غير الحكومية حركة «مبادرة غوريه» باسم الجزيرة الواقعة قبالة دكار والتي كانت مركزا للنخاسة. وتعتبر هذه المنظمات ان «تجارة الرقيق والاستعمار لعبت دورا حاسما في ترسيخ التمييز ضد الشعوب الافريقية». ويقول الامين العام السابق لمنظمة العفو الدولية السنغالي بيار ساني ان اصدار «شيك لا يمكن ان يعوض عن الدم المراق». ويعمل ساني من اجل «توصيف الوقائع الجرمية»، اي الرق والاستعمار، قبل اقرار مبدأ اي تعويض. وشدد على «وجوب تضمين هذه المرحلة من تاريخ افريقيا في الكتب وتدريسها لتلامذة العالم اجمع».