السودان: مقترحات أميركية لتجاوز «الأزمة» بين شريكي الحكم.. ينقلها موفد أوباما

الحركة الشعبية تخفف من تصريحات سلفا كير بشأن الانفصال: حديثه فُسر خطأ

مستشار الرئيس السوداني غازي صلاح الدين خلال اجتماعه بالخرطوم مع الموفد الأميركي سكوت غرايشن أمس (أ.ف.ب)
TT

بدأ المبعوث الأميركي للسودان سكوت غرايشن مهمة في السودان، وصفت بأنها الأصعب منذ تعيينه في منصبه في النصف الأول من هذا العام، لتزامنها مع أزمة حادة تدور بين شريكي الحكم في البلاد: المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، حول جملة قضايا عالقة في اتفاق السلام بين الشمال والجنوب. وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن المبعوث «هذه المرة سيستخدم لغة الضغط مع الطرفين من أجل تجاوز الأزمة»، ولمّح بأنه سيمدد زيارته «هذه المرة إلى أن يتأكد أن الأمور بين الشريكين ستمضى إلى الأمام» بشأن القضايا الخلافية بينهما. وقال المبعوث إن هدفه هو إيجاد «حزمة من الحلول».

وحمل غرايشن، الذي بدأ مهمته من عاصمة جنوب السودان «جوبا»، إلى الخرطوم أمس حزمة مقترحات لحل القضايا العالقة في اتفاق السلام، وانخرط عاجلا في لقاءات مكوكية مع المسؤولين في الحكومة، شملت حتى عصر أمس مسؤول ملف دارفور في الحكومة الدكتور غازي صلاح الدين، ووكيل وزارة الخارجية الدكتور مطرف صديق.

وفي تصريحات حذرة، بدا المبعوث غرايشن متفائلا بنزع فتيل الأزمة بين الشريكين، وعزمه التوصل إلى حل للقضايا العالقة في الجولة الحالية من الحوار. ووصف غرايشن مباحثاته في الخرطوم أمس بأنها «مثمرة»، وركزت على الأزمة في إقليم دارفور، وتجاوز القضايا العالقة في اتفاق السلام، خاصة قضية الاستفتاء لتقرير مصير جنوب السودان، والإحصاء والانتخابات، وقال إنه متفائل بإحداث تقدم في مباحثاته مع المسؤولين في السودان، قبل أن يقر بأن هناك تحديات كثيرة، تطلب الحوار المستمر المشترك بين الطرفين.

وكشف أن مباحثاته في جوبا تطرقت إلى نقاط الخلاف حول القضايا العالقة في الاستفتاء والانتخابات والتعداد السكاني، وأضاف أن جانب الحركة برئاسة «مالك عقار» نائب رئيس الحركة قدمت مقترحات حول القضايا المختلف عليها مع المؤتمر الوطني، وقال غرايشن إنه استمع إلى مقترحات من الحركة، لم يفصح عنها.

وقال وزير رئاسة حكومة الجنوب لوكا بيونق في تصريحات صحافية، إن اجتماع الحركة مع غرايشن ركز على القضايا المطروحة في الساحة وعلى بعض الأفكار التي لدى الحركة، لا سيما المسائل العالقة المتمثلة في قانون الاستفتاء والخيارات الموجودة للانتخابات والمشورة الشعبية واستفتاء أبيي، إلى جانب القوانين، وأشار إلى أن الحركة قدمت حزمة من المقترحات لمعالجة القضايا كلها كحزمة واحدة وبصورة موحدة، وأكد بيونق أن غرايشن سيجري اتصالات مع المؤتمر الوطني وسيطرح عليهم مقترحات الحركة. ولم يستبعد أن يلتقي غرايشن مرة أخرى بوفد الحركة بعد اجتماعه مع حزب المؤتمر الوطني، لإطلاعه على ردة فعل الأخير ومن ثم يعمل على جمع الطرفين معاً ضمن اجتماع للآلية الثلاثية بالخرطوم، ووصف بيونق الاجتماع بالجيد وأنه اتسم بالصراحة بين الطرفين حول القضايا والأفكار التي طرحتها الحركة.

من ناحية أخرى، تراجعت الحركة الشعبية عن التصريحات التي أدلى بها النائب الأول للرئيس رئيس الحركة الشعبية، حيث حرض الجنوبيين عبرها على التصويت للانفصال، وقال لوكا بيونق إن الرئيس سلفا كير دائما يتحدث في القضايا المصيرية، وحريص على إنفاذ اتفاقية السلام الشامل، ومضى أن سلفا كير دائما يركز في التزامه الشخصي ليمارس شعب جنوب السودان حقه لتقرير المصير في إطار القانون واتفاقية السلام.

وقال إن حديثه جاء في إطار تأمين شعب الجنوب، وأنه سيقف مع خياراتهم سواء كانت مع الوحدة أو الانفصال، وأضاف «إنه قال بالتحديد إذا كنتم تريدون التصويت للوحدة ستكونون من الدرجة الثانية في السودان وهذا واضح جدا المقصود أن اتفاقية السلام استطاعت أن تعالج الأوضاع السياسية لشعب جنوب السودان وفي حالة عدم تطبيق اتفاقية السلام وفقا للاتفاق الذي تم في نيفاشا ستضع الجنوبيين في وضع أقل تفاؤلا من الوضع الذي كانوا يأملون فيه وأن حقوقهم الأساسية لم تتحقق في ظل الاتفاقية وإنفاذها وهذا الخيار تركه لشعب جنوب السودان، ومع ذلك كله قال سلفا إنهم لو اختاروا الوحدة سيقف معهم وبنفس القدر قال إنه لو اختار الجنوبيون الانفصال سيقف معهم، لذلك هذا الحديث لم يأخذ من الواقع الذي قصده وكان يقصد أنه سيقف مع خيار شعب جنوب السودان ولم يخيرهم وربما وصف الخيارات لشعب الجنوب.

من جانبه، وصف القيادي في حزب المؤتمر الوطني، الدكتور محمد مندور المهدي، تصريحات سلفا كير بأنها « مؤسفة»، كما اعتبرها في تصريحات صحافية «نكوصا» عن اتفاقية السلام ومناقضة لبنودها التي تتحدث عن تغليب خيار الوحدة، وهي قمة الفشل في إدارة شأن الجنوب.

وقال المهدي إن ما نسب لسلفا كير حديث لا يليق بمستوى رئاسة الجمهورية، وأضاف أن الجنوبيين كغيرهم من مواطني السودان لهم الحقوق نفسها وعليهم الواجبات ذاتها، ويعاملون بكثير من الاحترام والتقدير حيث يتبوأون أرفع المناصب على مستوى الدولة، وذكر أن الحديث عن تغليب خيار الانفصال هو نكوص عن اتفاقية السلام والعهد والميثاق، مؤكدا موقف حزبه الداعم للوحدة والعمل على تهيئة الأسباب لجعلها جاذبة حتى يصوت أهل الجنوب للوحدة، وأعرب عن أمله بأن يكون ما نسب لسلفا كير حديثا عرضيا قاله في الكنيسة على مستوى الجنوب، وأن لا يكون تغليبا لخيار الانفصاليين داخل الحركة الشعبية الذين ظلوا يسعون لإيجاد الفرقة والشتات بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، وأن لا يكون النائب الأول جزءا من مجموعة الضغط التي تريد أن تقود الجنوب للانفصال.

وأكد المهدي أن ما قيل يناقض اتفاقية السلام الشامل التي تتحدث عن تغليب خيار الوحدة، وقال «نحن نعول على أهل الجنوب جميعا للتصويت لصالح الوحدة، ولا شك أنهم قد علموا ودروا التجربة القاسية والمريرة التي ظل يعيشها الجنوب طوال المرحلة الماضية من انهيار لمؤسسات التنمية المختلفة واشتعال الحروب في كل موقع من المواقع المختلفة»، وأضاف أن حديث سلفا كير يدل على عدم قدرة الحركة الشعبية على إدارة الأمور على مستوى الجنوب، وقال «إن قمة الفشل تتمثل في الدعوة إلى الانفصال»، وأضاف أن أبناء الجنوب هم مواطنون سودانيون كغيرهم من أهل السودان، بدليل أنهم يشاركون في أعلى المناصب على مستوى الدولة، وتتمتع الحركة بنسبة 28% من مقاعد الحكومة القومية و10% من حكومات ولايات الشمال، وجل حكومة الجنوب، وأكد أن الشراكة ستظل بالنسبة لحزبه قضية استراتيجية، وأنه ليس هناك خيار إلا استمرار هذه الشراكة.

من جانبه، عبر الدكتور غازي صلاح الدين، مستشار الرئيس السوداني مسؤول ملف دارفور، عن اعتقاده بأن دعوة سلفا كير الأخيرة للانفصال «تعبير عن الموقف الحقيقي للحركة».