السودان: الأزمة بين الشريكين إلى انفراج.. وتوقعات باتفاق وشيك

وزراء الحركة الشعبية عادوا إلى عملهم.. والحكومة تفتح الحوار حول تقرير أفريقي بشأن دارفور

TT

توقعت مصادر في الخرطوم أمس انفراج الأزمة بين شريكي الحكم (المؤتمر الوطني بقيادة الرئيس عمر البشير، والحركة الشعبية بزعامة النائب الأول للرئيس سلفا كير)، بعد أن توصل الطرفان إلى توافقات، بضغط أميركي قوي، مشيرة إلى أن اتفاقا سيعلن في «أي لحظة» يطوي الخلافات التي وصلت إلى مرحلة مقاطعة الحركة الشعبية جلسات البرلمان والحكومة معا.

وحضر أمس وزراء الحركة الشعبية الاجتماع الدوري للحكومة، برئاسة الرئيس عمر البشير، بعد أن قاطعوا جلساته السابقة، احتجاجا على ما تسميه الحركة الشعبية رفض حزب المؤتمر الوطني تنفيذ قضايا عالقة في اتفاق السلام الموقع بينهما. وكان وزراء الحركة قد قاطعوا جلسات البرلمان للسبب ذاته، ولم يقدم وزراء الحركة الشعبية مبررات لعودتهم إلى اجتماعات مجلس الوزراء. وعلى الرغم من ذلك لم تخل الأجواء من تراشقات بالتصريحات، حيث أعلن نائب رئيس الحركة الشعبية الدكتور رياك مشار، أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم رفض مقترحا أميركيا تقدم به مبعوثها للسودان سكوت غرايشن لحسم الخلافات حول قانون الاستفتاء لتقرير مصير جنوب السودان، مطلع عام 2011.

ولاحظت مصادر مطلعة تحدثت لـ«الشرق الأوسط» أن المبعوث فتح زيارته إلى الخرطوم لحين التوصل إلى «نقطة تقارب» بين الشريكين، وقالت إن المبعوث يمارس عبر لقاءات ماراثونية ما أسماه «الضغط المموه» على الطرفين الحاكمين في البلاد من أجل التوصل إلى اتفاق حول كل القضايا الخلافية في اتفاق السلام بينهما. وظلت الاجتماعات المغلقة بين نائب الرئيس السوداني علي عثمان محمد طه، ونائب رئيس الحركة الشعبية الدكتور رياك مشار تتلاحق، في محاولة منهما لتجاوز الأزمة، وتتخلل اجتماعات الطرفين لقاءات بين طه ومشار والمبعوث الأميركي غرايشن، كل على حدة.

وكشفت مشار أن غرايشن اقترح على الطرفين التفاهم بشأن الخلافات حول الاستفتاء على نسبة تراوحت بين 62% و66% من جملة المشاركين في عملية الاستفتاء لحسم انفصال الجنوب، في حال صوت الأغلبية للانفصال، وقال: «ولكن حزب المؤتمر الوطني رفض بعناد التنازل إلى ما دون نسبة الـ66% الواردة في المقترح الأميركي».

وتتمحور الخلافات حول قانون الاستفتاء في أن حزب المؤتمر الوطني يرى أن الانفصال يجب أن يحسم بأغلبية كبيرة، واقترح في وقت ما 90%، ثم طرح 70%، فيما ترى الحركة الشعبية أن الاستفتاء يحسم بالأغلبية البسيطة (50+1) من جملة المصوتين. ويرى حزب المؤتمر الوطني أن من شروط حسم الاستفتاء مشاركة ثلثي الناخبين في العملية، وتعتبر الحركة الشعبية هذا الشرط تعجيزيا.

وذكر مشار في تصريحاته الصحافية أن نائب الرئيس طه، وهو الذي مثل الحكومة في مفاوضات نيفاشا التي توصلت إلى اتفاق السلام بين الشمال والجنوب، أبدى الاستعداد لتمديد فترة التصويت للاستفتاء إلى سبعة أيام، بدلا من ثلاثة أيام، وفقا لاقتراح سابق، ليتمكن أكبر عدد ممكن من المستفتين من المشاركة في التصويت.

وتتوقع صحف الخرطوم إعلان الاتفاق بين شريكي «نيفاشا» خلال ساعات، ونسب إلى مصادر أن الطرفين توصلا لاتفاق بسن قانون «المشورة الشعبية» لمنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، لتقرير الشكل الإداري لكل منهما بنهاية اتفاق السلام، وقانون آخر للاستفتاء في منطقة «ابيي»، بعد أن كان حزب المؤتمر الوطني رافضا لهما، فيما كشفت المصادر ذاتها أن التفاوض لا يزال مستمرا لمعالجة الخلاف حول نتيجة التعداد السكاني بترجيح أحد ثلاثة مقترحات سبق أن تقدمت بها الأطراف الثلاثة، من دون أن تخوض في التفاصيل.

وقال وزير رئاسة حكومة الجنوب، لوكا بيونق، في تصريحات إن النقاش بين الشريكين ما زال مستمرا، ونوه بوجود انفتاح في بعض القضايا، من دون تفصيلها. وأضاف أن الطرفين يريدان أن يكون الاتفاق حزمة واحدة في كل القضايا الخلافية، التي تشمل ابيي والقوانين والاستفتاء والانتخابات والتعداد السكاني وغيرها، ومضى أن روح الرغبة في الوصول لحل القضايا العالقة سيطرت على الطرفين، وأن القضايا أصبحت واضحة، إضافة لرؤية الجانبين حولها، وذكر بيونق أن الشريكين طرحا في الاجتماعات المشتركة بعض القضايا التي تتعلق بروح العمل والتي رأوا أنها تثير القلق.

في غضون ذلك، واصل رئيس البرلمان أحمد إبراهيم الطاهر هجومه العنيف على الحركة الشعبية، التي أمرت نوابها بالانسحاب من البرلمان بسبب الخلافات مع حزب المؤتمر الوطني، وقال الطاهر في تصريحات صحافية إن الجنوب الآن يحكم بالحديد والنار ويفتقر للحماية القانونية والدستورية والحكومية للمواطن، واعتبر إجازة قانون الأمن في البرلمان «فرصة للجنوبيين للاحتكام لحكم القانون بدلا من حكم الحركة الشعبية». ولمح الطاهر لعدم رغبة البرلمان في إجازة قانون الأمن في غياب كتلة الحركة الشعبية، على الرغم من استطاعته فعل ذلك، وحمل الحركة الشعبية مسؤولية تعطيل القانون، واعتبر حديث الحركة عن تزوير قانون الأمن مجرد ادعاءات، وأشار إلى أنها كان عليها إثبات التزوير في مضابط البرلمان. وأوضح «أعتقد أن الحركة لا تريد إقرار قانون الأمن»، وقال «كل ما يهم الجنوب في هذا القانون أنه حاول أن يشكل جهاز أمن للجنوب حسب نيفاشا»، وأضاف أن الجنوب سيتضرر من تعطيل القانون، وأن الجنوب الآن «يعيش فوضى شديدة، وفيه تستباح أموال الناس ودماؤهم وحرياتهم، وليست هناك أي حماية قانونية أو دستورية أو حكومية للمواطن الجنوبي».