الأسد يحصد نجاحا سياسيا في باريس.. لكن ملف المفاوضات يراوح مكانه

فرنسا تريد لعب ورقة التكامل لا التنافس في جهود السلام في الشرق الأوسط

TT

قالت مصادر فرنسية رسمية ردا على الذين يبدون تشاؤما من النتائج التي يمكن أن يفضي إليها الحراك الدبلوماسي الفرنسي، إن باريس «تعي الطبيعة المعقدة لنزاعات الشرق الأوسط، كما أنها تعرف أنه من الصعب التوصل إلى نتائج سريعة». غير أنها تضيف أن باريس «لا يمكنها أن تقف موقف المتفرج، والأداء الأسوأ هو انتظار ما يمكن أن يقوم به الآخرون أو ما تسفر عنه جهودهم»، في إشارة واضحة إلى الولايات المتحدة الأميركية وإلى جهودها المتعثرة حتى الآن لمعاودة إطلاق مسار السلام في الشرق الأوسط أو حتى إلى غياب خطة واضحة للتحرك.

من هذا المنطلق، تبدو باريس عازمة على استمرار التحرك رغم ضآلة الأوراق التي تملكها وضحالة ما حصلت عليه حتى الآن بنهاية أسبوع كان حافلا بالمشاورات الدبلوماسية عالية المستوى التي قام بها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مع نظيره الروسي ميدفيديف في برلين، ومع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وآخرها استقباله الرئيس السوري بشار الأسد الذي أنهى أمس زيارته لفرنسا، والاتصالات المستمرة مع الولايات المتحدة الأميركية والشركاء الأوروبيين.

ويتابع ساركوزي مشاوراته هذا الأسبوع، فيستقبل غدا الرئيس العراقي الذي يقوم بدءا من الاثنين بزيارة دولة من ثلاثة أيام إلى فرنسا، ويلبي الثلاثاء دعوة خاصة من العاهل السعودي الملك عبد الله الذي يلتقيه في مزرعته في الجنادرية. وتفيد معلومات متطابقة من مصادر متعددة في باريس بأن النجاح الأهم لزيارة الأسد هو سياسي، وتحديدا على صعيد توطيد العلاقات الثنائية مع فرنسا وما يمكن أن يفضي إليه هذا التقارب من تعاون اقتصادي ومشاريع استثمارية فرنسية في الاقتصاد السوري، وزيادة حجم التعامل والمبادلات.

غير أن المساعي الفرنسية في ما يخص الشرق الأوسط، إن على المسار السوري ـ الإسرائيلي أو المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي، تبدو أكثر إشكالية. وتصب المعلومات المتوافرة من أكثر من مصدر على أن الحراك الجاري «لم يفض بعد إلى أي نتيجة، لا بل إنه غير مرشح لتحقيق شيء ما في الوقت الراهن».

ففي المسار السوري ـ الإسرائيلي لا تبدو الصعوبة في تمسك الرئيس السوري بالوساطة التركية، وهو ما شدد عليه في باحة الإليزيه وفي لقاءاته المختلفة، بل خصوصا في المفهوم الإسرائيلي للسلام مع سورية وفي الطريقة الواجب سلوكها لبلوغه. ومن الواضح أن ساركوزي لم يحصل على شيء يذكر حتى الآن لا من نتنياهو ولا من الأسد. فالأول اقترح لقاء مباشرا مع الرئيس السوري «في أي مكان وزمان»، وهو يعرف سلفا أنه لن يحصل، وأبدى استعدادا للتفاوض من غير شروط، فيما الجانب السوري يريد قبل العودة إلى طاولة المفاوضات تأكيدات على استعداد إسرائيل للانسحاب من الجولان، وهو لا يعتبر ذلك شرطا بل «حقا طبيعيا». لذا تبرز أهمية الدور التركي الذي كاد ينجح، وفق وزير خارجية تركيا، في بلورة الاتفاق نهاية العام الماضي قبل أن يتوقف كل شيء مع حرب غزة والانتخابات الإسرائيلية ووصول نتنياهو إلى السلطة. ومن هذا المنظور، يبدو الغرض من «الضجيج» الذي أثارته المصادر الإسرائيلية بالحديث عن رسالة من نتنياهو إلى الأسد، محض إعلامي. وترى مصادر متابعة لأسلوب التفاوض الإسرائيلي أن حديث نتنياهو عن المسار السوري يريح إسرائيل ويغيظ الطرف الفلسطيني وإيران ويصرف الأنظار عن خلافه مع واشنطن وخصوصا أنه لا يكلف نتنياهو شيئا. وبحسب استطلاعات الرأي، فإن أكثرية إسرائيلية ساحقة تعارض الانسحاب من الجولان.

ووفق مصادر سورية، فإن الرئيس السوري سعى إلى إظهار جانب «المناورة» في طرح نتنياهو خلال اجتماعه مع ساركوزي، وتحدث الأسد لاحقا عن «التلاعب بالألفاظ». وتعتبر دمشق أن شروط معاودة التفاوض مع إسرائيل غير متوافرة، ليس فقط لأن الشريك الإسرائيلي غير متوافر، بل أيضا لأنها غير مستعدة للعودة إلى المربع الأول. لكن الصعوبة لا تثني الرئيس الفرنسي عن تحركاته وعن رغبته في لعب دور ما في الشرق الأوسط مستفيدا من كون فرنسا محاورا مقبولا من كل الأطراف. وتعي باريس، بحسب مصادر دبلوماسية في العاصمة الفرنسية، أن هناك «نافذة للتحرك الدبلوماسي» في ملف الشرق الأوسط بسبب الفراغ الناتج عن تعثر واشنطن وغياب الخطة الأميركية.

وتنسحب هذه القراءة على المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي الأكثر تعقيدا بسبب التراجع الأميركي في موضوع الاستيطان والشروط الإسرائيلية والوضع الفلسطيني المعقد. وفي هذا الملف أيضا، لم يحصل ساركوزي بعد على أي نتيجة. وهدف فرنسا الأول اليوم هو ثني أبو مازن عن الاستقالة وإقناعه بعدم التخلي عن الرئاسة. وهدفها الثاني استكشاف «بعض الأفكار» بالتعاون مع واشنطن والأوروبيين وروسيا ومحاولة حشد التأييد بما في ذلك التأييد العربي. والمطروح اليوم مؤتمر مصغر للسلام في موسكو يجمع المبادرتين الفرنسية والروسية ويوفر الحافز السياسي لعملية سلمية في الشرق الأوسط. وتؤكد المصادر الرسمية الفرنسية أن باريس «تعرض خدماتها وجهودها على جميع الأطراف» وأنها «تريد العمل على كل المسارات» مع لعب ورقة «التكامل» وليس التنافس بحثا عن السلام.