بغداد تطلب مساعدة الأمم المتحدة لوقف الجفاف في الأهوار

مساحات مائية شرع صدام بتجفيفها.. ودول الجوار أكملت مشروعه

صيادا سمك من سكان الأهوار يحصدان نتائج كارثة التجفيف («الشرق الأوسط»)
TT

تعرضت أهوار جنوب العراق لأكثر من عملية لتجفيفها وإلغاء واحدة من أجمل مناطق العراق السياحية من الخرائط الجغرافية. ولعل أقسى تلك العمليات ما قام به النظام السابق من عمليات بدأت بحملات قص وحرق نباتات البردي الذي يعتبر مصدر الغذاء الوحيد لحيوانات الجاموس والذي يعتمد عليه سكان الأهوار لإدامة حياتهم الغذائية والاقتصادية، كما أن هؤلاء السكان يعتمدون على قصب البردي الجاف لبناء بيوتهم وصناعة الحصير الذي ينامون عليه.

ومن الناحية البيئية، فإن نبات البردي كان يعد الملجأ الرئيسي لعشرات الأنواع من الطيور المائية التي تهاجر لآلاف الأميال من أجل أن تتكاثر هناك قبل أن تعود في الشتاء إلى مواطنها الأصلية.

لقد عاشت مناطق الأهوار التي تمتد على مسافة مئات الكيلومترات المربعة جنوب وجنوب شرقي العراق مفارقات غريبة في عهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين، ففي نهاية السبعينات، وقبيل استيلائه على السلطة، قام صدام حسين برحلة طويلة زار خلالها غالبية مناطق الأهوار، أمر خلالها ببناء المدارس والمراكز الصحية ومحطات تصفية المياه وإيصال الطاقة الكهربائية ومد خطوط الهاتف، كما بنى لنفسه مضايف وبيوتا سياحية، وأهدى لكل السكان جهاز تلفزيون وثلاجة كهربائية، أعقب ذلك بناء مدن سياحية من قبل المؤسسة العامة للسياحة في أهوار (أم الشويج) و(الصحين).

وخلال الحرب العراقية الإيرانية تحولت مناطق الأهوار إلى ملجأ للمعارضين للنظام والفارين من الخدمة العسكرية والخارجين عن القانون، من جهة ثانية استغلت القوات الإيرانية المساحات المائية المفتوحة في أهوار ميسان، وأهوار السودة والبيضة خاصة، للتسلل من خلالها لمقاتلة الجيش العراقي، وفي الوقت ذاته كان «فيلق» بدر، الجناح العسكري للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وقتذاك، والذي كان قد تأسس في إيران كما سلحته ودربت أفراده قيادة الحرس الثوري الإيراني، يقوم بتنفيذ عمليات ضد مراكز الشرطة في الأهوار باعتبارها تقوم بعمليات (جهادية) ضد النظام، وهذا ما دفع صدام حسين إلى قيادة حملة «وطنية لقص وإحراق قصب البردي» لجعل المساحات المائية مكشوفة أمام القوات العراقية، إضافة إلى شن عمليات عسكرية في هذه المناطق لملاحقة المتسللين والهاربين من الجيش.

بعد نهاية الحرب العراقية الإيرانية، وفي بداية التسعينات جرت عمليات تجفيف الأهوار وإحالة مياهها إلى المصب العام (نهر صدام) لتفريق وتهجير سكان الأهوار الذين لم تكن علاقتهم طيبة مع النظام السابق، بل لم تكن علاقتهم سوية مع كل الأنظمة الحاكمة في العراق.

وحسب خبير نفطي عراقي فإن عمليات تجفيف الأهوار تستند إلى خبرات غربية وتنفيذا لخطط أميركية وأوروبية قديمة تهدف إلى استثمار بحيرات النفط الكامنة تحت الأهوار، وأن هدف التجفيف ليس سياسيا بالدرجة الأولى بقدر ما هو اقتصادي.

لقد كانت إيران من أكثر الدول اعتراضا على عمليات تجفيف الأهوار، كما كانت الجماعات المعارضة لنظام صدام حسين المقيمة في إيران تعلن يوميا عن احتجاجها على النظام السابق بسبب تجفيفه للأهوار، بينما تضطلع اليوم إيران وتركيا بعمليات التجفيف، حسبما جاء في بيان للحكومة العراقية.

فقد طالبت الخارجية العراقية أول من أمس الأمم المتحدة بالتدخل لمعالجة جفاف الأهوار جراء النقص الحاد بالمياه عبر دعوة دول الجوار إلى وقف «تهديداتها للموارد المائية العراقية»، بحسب بيان رسمي.

ونقل البيان عن مصدر في مجلس الوزراء قوله إن «وزير الخارجية هوشيار زيباري بعث إلى الأمم المتحدة رسالة تسلط الضوء على ظاهرة جفاف الأهوار تضمنت طلبا بالتدخل لإبداء المساعدات الممكنة وحض الدول المتشاطئة مع العراق على وقف تهديداتها للموارد المائية». كما طالبت الخارجية دول الجوار بـ«تغيير سياستها على نحو يضمن حقوق العراق المائية التي يكفلها القانون والعرف الدوليين».

ودعا زيباري الدول المجاورة إلى «تنفيذ التزاماتها والعمل على إطلاق حصة مائية كافية لتغذية الأهوار العراقية». وتشهد الأهوار، خصوصا في محافظتي ذي قار وميسان وكبرى مدنهما؛ العمارة والناصرية، تراجعا شديدا في منسوب المياه مما أدى إلى هجرة آلاف العائلات نتيجة الأضرار التي لحقت بهم جراء ارتفاع نسبة الملوحة. ويشكو سكان أهوار (الحمار) أكبر أهوار العراق، والصحين، والعزير وأهوار الكحلاء من غياب الطيور المائية، وانحسار السمك الذي يعد مصدرا اقتصاديا مهما لهم، ونفوق جاموسهم وانتشار الأمراض المتوطنة بينهم. ويقول عبد الرحيم حسان، موظف صحي وينحدر من أهوار الصحين بأن «المراكز الصحية التي كانت منتشرة في الأهوار اختفى غالبيتها بسبب نزوح السكان من جهة وعدم توفير الأدوية والمستلزمات الطبية والكوادر لها»، وتساءل قائلا «لقد كانت الجهات المعارضة لصدام حسين تستخدمنا كورقة لإدانة ممارسات ذلك النظام لكننا نعاني اليوم من قسوة الحكومة إذ لم ينتبه إلينا أحد، حتى إن مدارس أطفالنا المبنية من الطين والقصب تخلو من المقاعد والحمامات».