إيران ترفض نقل اليورانيوم إلى الخارج.. والغرب يبحث «فرصة حوار أخير» قبل العقوبات

طهران تدعو لمفاوضات جديدة > باريس: طهران قدمت ردا سلبيا > واشنطن: الإحباط من إيران يتزايد > إجراءات إيرانية تحسبا لعقوبات

رئيسة الفلبين غلوريا ماغباغال ارويو تصافح طاهرة متقي زوجة وزير الخارجية الايراني منوشهر متقي في القصر الرئاسي بمانيلا أمس (أ.ب)
TT

بعد شد وجذب وردود متباينة من تيارين داخل إيران أحدهما يؤيد اتفاق نقل ثلثي اليورانيوم الإيراني إلى الخارج والآخر يرفضه، أعلن وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي أمس أن بلاده ترفض مسودة الاتفاق النووي ولن تسمح بنقل ثلثي اليورانيوم الذي لديها للتخصيب في الخارج، موضحا أن إيران تقبل فقط تبادل اليورانيوم منخفض التخصيب الذي لديها بوقود نووي «داخل أراضيها» في عملية «تتم بشكل متزامن»، مضيفا: «بالتأكيد لن نرسل الوقود المخصب بنسبة 5.3 بالمائة إلى الخارج ولكن يمكن أن ندرس مبادلته بوقود نووي على أن يتم التسليم والتسلم في وقت واحد داخل إيران». وفيما لم يوضح متقي ماذا سيحدث للوقود المنخفض التخصيب على أراضيها وما ضمانات أن لا يُستخدم في أنشطة عسكرية، دعا إلى مباحثات نووية جديدة بين طهران والغرب حول العرض الإيراني. وكانت السلطات الإيرانية أشارت سابقا إلى أنها تريد أن تخزن اليورانيوم منخفض التخصيب داخل أراضيها تحت إشراف مباشر من وكالة الطاقة الذرية لضمان عدم استخدامه في أنشطة عسكرية. ومتقي هو أول مسؤول إيراني يعلن بشكل لا لبس فيه رفض بلاده للاتفاق النووي بشكله الحالي. وكان مسؤولون إيرانيون من بينهم المرشد الأعلى لإيران آية الله على خامنئي ورئيس البرلمان على لاريجاني قد انتقدا بشدة فكرة نقل نحو 70% من اليورانيوم الإيراني إلى الخارج، إلا أنهما لم يعلنا رسميا رفض الحل الوسط الذي قدمته وكالة الطاقة لتسوية الخلاف النووي بين إيران والغرب. ووصف لاريجاني رئيس البرلمان وكبير المفاوضين السابق في المحادثات النووية الإيرانية وأحد المحافظين البارزين قبل أيام التسوية النووية المقترحة بأنها «إهانة». وبرفض إيران العرض النووي واقتراحها حوارا جديدا حول التعديلات التي تريدها يكون الغرب أمام خياران هما فتح حوار لفترة «محدودة زمنيا» مع الإيرانيين حول التعديلات المقترحة، مع بحث فرض عقوبات جديدة في نفس الوقت على طهران بحسب ما قال مسؤولون غربيون لـ«الشرق الأوسط». وقال المسؤولون الغربيون رفيعو المستوى الذين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بشرط عدم الكشف عن هوياتهم إن الرفض الإيراني كان متوقعا، مشيرين إلى «حالة شديدة من الاستياء» من طهران بسبب إضاعة الوقت وعدم التقدم خطوة في الملف على الرغم من الأهمية الشديدة التي يكتسبها الوقت في هذا الملف الحساس. وقال مسؤول أوروبي رفيع المستوي لـ«الشرق الأوسط»: «يريد الإيرانيون إجراء مزيد من المباحثات حول الخطة ولا ندري حول أي شيء بالضبط يريدون الحوار. جاءتنا إشارات إيجابية من مسؤولين إيرانيين حول مسودة الاتفاق بعد اجتماع جنيف. إذا كان الإيرانيون منذ البداية ضد فكرة إرسال اليورانيوم المنخفض التخصيب إلى الخارج، فلماذا تسلموا مسودة الاتفاق من الوكالة؟ ولماذا نقلوها إلى طهران للتداول؟ إذا كانت من الأصل بلا فائدة، فلماذا قبلوا بها وقالوا سنبحثها. لقد أعطونا الانطباع في جنيف وبعدها أن في قبول المسودة أملا». والآن وفيما تبحث الدول الغربية الخيارات البديلة بعد رفض طهران لعرض نقل اليورانيوم الذي لديها إلى الخارج، يبدو أن موقفَي روسيا والصين سيكونان حاسمين. وفي اللحظة الراهنة أمام الغرب خياران أساسيان: الأول أن تحدد دول «5 + 1» موعدا جديدا للمباحثات مع طهران في أقرب وقت من أجل بحث النقاط الخلافية. وإذا سارت الدول الغربية في هذا التوجه فإنه من المتوقع أن يكون السعي هو لعقد اجتماع قبل نهاية العام الجاري. أما الخيار الثاني فهو أن تبحث الدول الغربية جديا خيار العقوبات على طهران. وفي ما يبدو قد لا تمانع واشنطن ولندن وباريس في فرض عقوبات بنهاية العالم الحالي أو مطلع العام المقبل، إلا أن موسكو وبكين ربما لا تكونان متحمستين بنفس الدرجة، على الأقل الآن. وفي هذا الصدد قال المسؤول الغربي لـ«الشرق الأوسط»: «موسكو وبكين قالتا شفاهية إنهما لن تمانعا فكرة العقوبات إذا تعثرت الجهود الدبلوماسية، إلا أن موسكو في نفس الوقت لا تريد أن تفقد الأمل بسرعة في إمكانية إنجاح المسار الدبلوماسي. وهذا يعني أن أميركا وفرنسا وبريطانيا يمكن أن يبحثوا إمكانية فرض عقوبات جديدة، إلا أنه دون دعم موسكو وبكين لن يصدر قرار عن مجلس الأمن. ولأن واشنطن بالذات قد لا ترغب في عقوبات خارج مجلس الأمن، فإنها قد تُضطر إلى انتظار إقناع موسكو بخطورة الموقف». ويعتقد الكثيرون من المسؤولين الغربيين والدبلوماسيين المطّلعين على تطورات الملف الإيراني أن موسكو بالذات «لن تستسلم بسرعة لفكرة فشل التفاوض. وستسعي بكل الطرق لإنجاح الحوار مع طهران حتى إذا أخذ ذلك ما بين 6 و9 أشهر قبل فرض أي عقوبات دولية». وكان متقي رفض أمس العرض النووي قائلا كما نقلت عنه وكالة الأنباء الطالبية الإيرانية (إسنا): «قمنا بدراسة تقنية واقتصادية، ومن المؤكد أننا لن ننقل إلى الخارج اليورانيوم المخصب بنسبة 3.5%». وأضاف: «هذا يعني أننا مستعدون لبحث تبادل متزامن في إيران ذاتها». وتنهي تصريحات متقي آخر أمل في أن إيران قد توافق على مشروع الاتفاق الذي قدمته الوكالة الذرية في 21 أكتوبر (تشرين الأول) بعد يومين ونصف يوم من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة وروسيا وفرنسا في جنيف على أمل فتح صفحة جديدة بين طهران والغرب. وينص الاتفاق على نقل قسم كبير من اليورانيوم الإيراني الضعيف التخصيب إلى روسيا لتقوم بزيادة تخصيبه قبل أن يتم نقله إلى فرنسا لتحويله وقودا لمفاعل البحث في طهران. واستقبلت طهران العرض في البداية بلهجة أعطت انطباعا أن هناك إمكانية لقبوله، وكان أكثر المتحمسين الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الذي قال إن الاتفاق لا ينتقص من حقوق إيران النووية، ويوفر لها الوقود النووي الذي تحتاجه لتشغيل مفاعل الأبحاث الطبية، بل إن أحمدي نجاد حذر من أن إسرائيل قد تحاول تعكير الاتفاق بين إيران والغرب، إلا أنه بعد ذلك بأيام بدأت تتبلور في طهران لهجة مغايرة تماما، جوهرها أن الاتفاق لا يعطي لإيران شيئا ولا يخدم مصالح طهران. ومن الذين انتقدوا الاتفاق رئيس البرلمان علي لاريجاني الذي قال إن مفاعل الأبحاث في طهران قاربت صلاحياته على الانتهاء وإن طهران لا تحتاج إلى الكثير من الوقود النووي وما تحتاجه يمكن أن تنتجه محليا وهو نفس الكلام الذي ردده أعضاء آخرون بارزون في البرلمان الإيراني، وعدد من رجال الدين. وبعد البرودة التي أظهرتها إيران حيال الاتفاق، تقدمت تركيا بحل وسط آخر يقوم على أن تخزن هي اليورانيوم الإيراني المنخفض التخصيب. وعلى الرغم من أن تركيا لا تمتلك برنامجا نوويا، فإن وكالة الطاقة دعمت المقترح التركي وقالت الوكالة إنها مستعدة للإشراف على العملية ومستعدة لمساعدة تركيا على بناء منشأة يمكن استخدامها لتخزين اليورانيوم الإيراني.

كما أكد متقي أمس أن بلاده تريد عقد اجتماع فني جديد مع الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا برعاية الوكالة الذرية. وقال الوزير الإيراني: «قلنا إن اللجنة التقنية لاجتماع فيينا يجب أن تعقد اجتماعا جديدا وسنطرح اعتباراتنا» حول تبادل يورانيوم إيران القليل التخصيب مقابل الوقود. وأضاف أن الوفد الإيراني الموجود في فيينا لم يعلن يوما موافقته على مشروع الاتفاق كما قدمته الوكالة الذرية.

وأوضح متقي أن ممثلي الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا اقترحوا «تسلم اليورانيوم الإيراني المخصب بنسبة 3.5 في المائة ليعطوا في المقابل وقودا (بنسبة) عشرين في المائة، وكون إيران تحتاج إلى 116 كلغ من الوقود ينبغي تسليمها في المقابل 1160 كلغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.5 في المائة».

وترفض الولايات المتحدة طلب إيران إدخال تعديلات على الاتفاق وإجراء مزيد من المحادثات بشأنه، وقال الرئيس الأميركي باراك أوباما إن الوقت ينفد بالنسبة إلى العمل الدبلوماسي، إلا أن متقي انتقد الولايات المتحدة أمس لممارستها ضغوطا على إيران كي تقبل الاتفاق. وقال: «الدبلوماسية ليست إما أبيض وإما أسود. الضغط على إيران لقبول ما يريدونه هو نهج غير دبلوماسي». ويتيح نقل اليورانيوم الإيراني المخصب إلى الخارج تهدئة المخاوف الدولية حول البرنامج النووي الإيراني عبر ضمان رقابة أكبر على المخزون الإيراني. وبحسب التقرير الأخير للوكالة الذرية، فإن إيران أنتجت حتى الآن 1763 كلغ من اليورانيوم ضعيف التخصيب.

وفي أول رد فعل على الرفض الإيراني، اعتبر وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير أن طهران قدمت «ردا سلبيا للغاية، إلا أننا سنواصل الحوار مع الإيرانيين». وقال كوشنير في مؤتمر صحافي عقده في القدس في إطار زيارته: «هناك رد واضح جدا وسلبي من الإيرانيين». وأضاف: «إن النتيجة في الوقت الحاضر غير مشجعة، هذا أقل ما يمكن قوله، لكن ذلك لا يمنع أننا سنواصل الحوار».

وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما ونظيره الصيني هو جنتاو قد دعوَا إيران أول من أمس إلى «الرد إيجابا على اقتراح» الوكالة الذرية، واعتبرا أن على طهران أن تتحمل «عواقب» وصول المفاوضات إلى طريق مسدود. وفي مقابلة مع شبكة «سي إن إن» الأميركية ليل أول من أمس، حذر أوباما من عقوبات جديدة في حق إيران. وقال: «إذا استمرت إيران في رفض (عروض) المجتمع الدولي، فسيكون أسهل بالنسبة إلينا أن نفرض عقوبات أو إجراءات أخرى تكون بمثابة ضغوط» على طهران. كما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إيان كيلي ليل أول من أمس، قبل رفض إيران العرض النووي، إن «الإحباط يتزايد» من طهران. وقال: «إننا نتردد دائما في إعطاء مهلة رسمية، لكنني سأكتفي بالقول إن الوقت قصير جدا». ولم يحدد كيلي أي إطار زمني يقصد بكلمة «قصير».

وأضاف كيلي أن تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية هذا الأسبوع، الذي قال إن تأخر إيران في الكشف عن موقع جديد لتخصيب اليورانيوم فاقم المخاوف بشأن احتمال وجود أسرار نووية أخرى، يؤكد على ضرورة التزام إيران الكامل بتعهداتها الدولية.

وتحسبا لأي عقوبات محتملة، أعلن وزير النفط الإيراني مسعود مير كاظمي أول من أمس عن زيادة فورية لإنتاج البنزين في محاولة للالتفاف على نتائج عقوبات أميركية محتملة على الإيرادات الإيرانية من المحروقات. وسيزداد إنتاج البنزين هكذا 14 مليون لتر يوميا مع تنفيذ فوري وعليه يرتفع الإنتاج اليومي حتى 44.5 مليون لتر. وقال مير كاظمي وهو يعلن عن هذه الخطة الطارئة خلال مؤتمر بالفيديو أن «هذا الإجراء الرمزي يهدف إلى التأكيد للقوى العظمى أنها غير قادرة على استعمال هذا البنزين لممارسة ضغط على الجمهورية الإسلامية». ويمارس نواب أميركيون منذ عدة أشهر ضغوطا لفرض عقوبات على الصادرات الإيرانية من البنزين في حال فشل الدبلوماسية. وأشار مير كاظمي إلى أن إيران «لا تعاني أي مشكلة لشراء البنزين أو التزود به»، مشيرا إلى أن مورّدين جددا أجروا اتصالات مؤخرا مع إيران لبيعها مادة البنزين. وقال إن هذا الإجراء «قد يستمر عدة أيام». وتستورد إيران حاليا نحو 22 مليون لتر يوميا من البنزين لاستهلاكها المحلي. وستنتج إيران الكميات الإضافية من البنزين في مجمعات بندر أمام وبوالي سينا وبورزويه بيتروكيميكال بالقرب من الخليج. يشار إلى أن إيران هي منتج نفطي كبير ولكنها تستورد 40% من البنزين بسبب النقص في كميات التكرير.

وعلى الرغم من تشدد الرئيس الإيراني في الملف النووي خلال ولايته الأولى فإنه ظهر خلال الأسابيع الماضية أكثر براغماتية وربما جاهزا لحلول وسطى، لكن المعضلة أن قرارات الملف النووي ليست في يد أحمدي نجاد، بل في يد المرشد الأعلى لإيران الذي قال مقربون منه آخرهم آية الله جنتي إن البرنامج النووي الإيراني هو لحماية النظام والثورة والإسلام. ويُعتقد أن أحمدي نجاد لا يريد تصعيدا في الملف النووي أو عقوبات جديدة لأن ذلك سيجعل ولايته الثانية صعبة داخليا، فالكثير من الأعمال الإيرانية تأثرت بالعقوبات ونسب التضخم والبطالة وارتفاع الأسعار لا تشهد تحسنا.

ويواجه أحمدي نجاد معارضة قوية من منافسين بين النخبة السياسية ورجال الدين الذين ظلوا يصورون أميركا لمدة 30 عاما على أنها «الشيطان الأكبر». وقال مصدر إيراني مطّلع لـ:«الشرق الأوسط»: «أحمدي نجاد يريد اتفاقا لإنقاذ نفسه لا لأن الاتفاق جيد وهذا ما جعل مسؤولين مثل لاريجاني وموسوي ينتقدون الاتفاق». إلا أن مسؤولا أوروبيا قريبا من الملف الإيراني قال لـ«الشرق الأوسط» إن الاتفاق «جيد بالنسبة إلى الإيرانيين، فهو يفتح أمامهم آفاقا لم تُفتَح لهم منذ 30 عاما. هذه مجرد بداية، وكان يُعتقد أنهم سيلتقطون الخيط. نحن محبطون أن هذا لم يحدث. أما معارضة لاريجاني فأنا أسأل: هل كان سيكون هذا موقف لاريجاني إذا كان ما زال مسؤول الملف النووي الإيراني؟ الكثير من الردود الإيرانية حول العرض النووي مرتبط بالصراع داخل النخبة الإيرانية بعد الانتخابات، أكثر كثيرا مما هو مرتبط بمحتوى الاتفاق».