منتدى فاس الدولي يدعو الإعلام إلى تجنب نقل الرسائل السياسية الخاطئة

البيان الختامي طالب بالحد من نشر النظريات المتطرفة والأحقاد

TT

دعا البيان الختامي لمنتدى فاس الدولي حول تحالف الحضارات، إلى الحد من نشر النظريات المتطرفة والأحقاد «من خلال مخاطبة العقول في وسائل الإعلام والاتصال التي يجب الاستفادة القصوى منها لإحلال السلام العالمي من خلال التأصيل لنظام عالمي عادل وعولمة راشدة».

ودعا البيان أيضا إلى «ضرورة تجنب وسائل الإعلام لكل ما يسيء إلى الأنبياء والرسل، مهما كانت الذريعة»، والحرص على التقريب بين الأديان.

وطالب البيان وسائل الإعلام بالتحلي بالموضوعية والشفافية في نقل وتوجيه وتحليل الرسائل السياسية تجنبا لإيصال رسالة خاطئة ومتناقضة تؤدي إلى نتائج سلبية تؤثر على نجاعة الحوار. ودعا المنتدى الذي أنهى أشغاله أول من أمس في فاس إلى توقف إسرائيل «عن إجراءاتها غير الشرعية في تخريبها مدينة القدس، وفرض الأمر الواقع من خلال بناء المستوطنات على أرض فلسطين المحتلة».

وأكد منتدى فاس أن مبادرة السلام العربية، التي تبنتها قمة بيروت عام 2002، من شأنها فتح الباب أمام إقامة السلام الدائم والعادل والشامل بين كل دول المنطقة. ونوّه المشاركون في اللقاء بالأفكار والمبادئ التي جاءت في خطاب الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في القاهرة، والمتعلقة بدعم الحوار مع العالم الإسلامي، ونبذ نظرية صراع الحضارات وحرب الثقافات. وكان المشاركون ناقشوا خلال ثلاثة أيام مجموعة من المحاور، حيث خصص لكل محور طاولة نقاش مفتوحة، والمحاور هي «دور الإعلام في العلاقات الدولية المعاصرة»، و«العلاقة الملتبسة بين وسائل الإعلام»، و«التفاعلات بين وسائل الإعلام الغربية والعربية»، بالإضافة إلى «دور وسائل الإعلام في تحالف الحضارات والتنوع الثقافي»، و«وسائل الإعلام ومختلف التمثلات». وتناولت الجلسة الأولى موضوع دور وسائل الإعلام في العلاقات الدولية المعاصرة تحت إشراف جان مارك سلفستر، المدير المساعد للأخبار في قناة «تي إف إن» الفرنسية.

وقال أحمد الرفاعي، رئيس المنتدى العالمي للحوار: «إننا الآن أمام حالة اختطاف للنظام العالمي، ومن يمسك بزمام الإعلام هم قوى التحكم في العالم». وأضاف أن «الإعلام تعدى السلطة الرابعة وأصبح يتحدث جميع الخطابات، وإن لم يتم توجيهه في اتجاه يحمي الإنسان وحقوقه فإنه سيتحول إلى دمار وألغام في أجساد الأجيال المقبلة»، على حد اعتقاده.

وذكر الرفاعي أن الإعلام اليوم هو «إعلام وسائل لا إعلام ثقافات وحضارات». وزاد قائلا: «يتعين علينا العمل على تحويله من إعلام وسائل إلى فاعل أساسي في التقريب بين الشعوب والثقافات».

من جانبها، قالت لطيفة أخرباش، الوزيرة في وزارة الخارجية: «بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) سقطت مهنية وسائل الإعلام الغربية، وأصبحت تركز على مهاجمة الإسلام، وعززت كل ردود الفعل السلبية تجاه المسلمين»، على حد تعبيرها.

وناقشت كاثرين ديوندن، دور وسائل الإعلام في العلاقات الدولية من خلال موضوع الهجرة تحت عنوان «الحركة والحركية»، فاعتبرت أن الكثير من الحركيات التي يعرفها العالم هي ناتجة عن المعلومة، وأضافت أن التقدم والتمدرس والنمو الحضاري جعلت الكثير من الناس لا يقبلون العيش في دول فقيرة ويطمحون لمستوى عيش أفضل كما يشاهدون في القنوات التلفزيونية. وقالت ديوندن إن التعليم والتربية ضروريان لجعل الهجرة جزءا لا يتجزأ من التنمية البشرية، وزادت قائلة: «كلما علمنا الناس أكثر، صاروا مقبولين أينما ذهبوا».

وقال مصطفى الشريف، وهو وزير جزائري سابق، إن ما نعيشه حاليا هو «تغريب وليس عولمة». وأضاف: «نعاني من خلافات ونزاعات وانقسامات كبيرة، وعندما نتحدث عن حوار الحضارات نجده مفهوما بعيدا جدا».

من جانبه، اعتبر شارل سان بروت، مدير مرصد الدراسات السياسية في باريس، أن الإعلام يلعب في كثير من الأحيان دورا سلبيا، وقال: «لا يمر يوم من دون الحديث عن الإسلام، وغالبا ما يكون تناول هذه الديانة سلبيا ومبنيا على الأفكار النمطية»، خصوصا أن 80 في المائة من المعلومات في العالم ينتجها 15 في المائة من الأشخاص. وتناولت الجلسة الثانية موضوع «العلاقة الملتبسة بين الإعلام والسياسة». وقال عليون بادارا سيسي، مساعد عمدة مدينة سان لوي في السنغال: «صحيح أن الصحافة لها تأثير كبير وتمارس السلطة الرابعة، لكنها تتنازع مع سلطات أخرى وهنا نجد تراتبية إدارية».

أما الكاتب الموريتاني، سيد ولد باه، فقد أشار إلى مسألة «التمويه والتناقض في الرسائل الإعلامية نتيجة لتدخل القوى السياسية»، ودعا إلى مراعاة حقوق الإنسان قبل أي شيء آخر في الرسائل السياسية الإعلامية.

من جهته، اعتبر المفكر المصري، فهمي هويدي، أن التقاطع بين الإعلاميين والسياسيين هو ما يجعل العلاقة بين الإعلام والسياسة ملتبسة، وأضاف أن الازدواجية في الخطاب الإعلامي مردها التدخل السياسي. وزاد قائلا: «السياسة تتلاعب بالصحافة، لذا نجد في هذه الأخيرة خطابين، الأول نقدي يصور كل ما يحدث بعين ناقدة، والثاني يصورها بإيجابية مطلقة».

وناقش المشاركون في الجلسة الثالثة موضوع «التفاعلات بين وسائل الإعلام الغربية والعربية»، وقال سمير عيطة، مدير عام النشرة العربية لصحيفة «لوموند ديبلوماتيك»، إن العمل الاستقصائي عن المرأة والطفل مثلا تطور مؤخرا في الإعلام العربي الذي تأثر في ذلك بالإعلام الغربي. وأضاف: «هذا العمل رغم تطوره يفتقد الاستقلالية». وأوضح عيطة أن العرب أكثر ديمقراطية من الأوروبيين والأميركيين في الإعلام. وأردف قائلا: «العرب لا يصدقون ما تقوله الصحافة بسهولة، بينما الأميركيون يتأثرون بكل ما يتلقونه من معلومات». أما الصحافي المصري سعيد اللاوندي، فقد أثار مسألة «الإسلاموفوبيا»، أي «الخوف المرضي غير مبرر من الإسلام». وقال إن الإعلام هو الذي روّج لهذه الفكرة من الأساس. واقتبس اللاوندي عبارة من أحد محاميي قاتل المصرية مروة الشربيني الذي قال إن المسؤول الرئيسي في هذه الجريمة أولا وقبل كل شيء هو الإعلام الذي يروّج أفكارا خاطئة عن الإسلام.

وتطرقت الجلسة الرابعة لدور وسائل الإعلام في المغرب في تحالف الحضارات، وتمت إثارة مجموعة من النقاط في هذه الجلسة مثل نسبة المقروئية في المغرب، التي تعتبر من النسب الضعيفة جدا على المستوى العربي. وأثير نقاش حول التراتبية بين وسائل الإعلام وتأثير الإنترنت على التلفزيون والصحافة المكتوبة. وقال خالد عزب، وهو مفكر مصري ومدير قسم التواصل في مكتبة الإسكندرية، إن القنوات العربية بصفة عامة لا تلعب دورا في التقريب بين الشعوب. وأضاف: «القنوات العربية تعزز التناحر بين العرب، فـ(الجزيرة) مثلا قناة محطمة للهوية العربية»، وزاد قائلا: «نحن في حاجة إلى قنوات تبث كل ما يتعلق بالهوية العربية لا قنوات تستنسخ وتعرّب ما تبثه القنوات الأميركية»، على حد اعتقاده. وفي موضوع آخر، أعلن خلال المنتدى عن إنشاء جائزة عباس الجراري، مستشار العاهل المغربي، الملك محمد السادس، وعضو أكاديمية المملكة المغربية الذي تم تكريمه، وسيطلق عليها اسم «جائزة الجراري للأبحاث الجامعية في مجال التراث المغربي والموسيقى الأندلسية وموسيقى الملحون».

يشار إلى أن الدورة الثالثة لمنتدى فاس الدولي عقدت بمشاركة نخبة من رجال الإعلام مثلوا أكثر من ستين قناة تلفزيونية، ووزراء وأكاديميين ومفكرين عكفوا على بحث دور وسائل الإعلام في تمتين جسور الحوار والتواصل بين الحضارات، وتعزيز التنوع الثقافي، وتجاوز الخصوصيات الثقافية للشعوب.