خبراء في ندوة بواشنطن: افتقاد سيادة القانون يعرقل استقرار أفغانستان .. وطالبان تقدم «نظام عدالة في الظل»

الأسئلة تتصاعد حول نظام الحكم في البلاد

TT

عشية إعادة تنصيب الرئيس الأفغاني حميد كرزاي لولاية رئاسة جديدة، تدور تساؤلات حول مستقبل أفغانستان والدور الدولي فيه. وبينما التركيز في واشنطن حاليا هو حول استراتيجية الرئيس الأميركي باراك أوباما العسكرية وإذا كان سيقرر إرسال المزيد من القوات الأميركية إلى البلاد، تبقى الخطة البعيدة الأمد تعتمد على تثبيت الحكومة الأفغانية وقواتها العسكرية، بالإضافة إلى قدرة الحكومة على تطبيق العدالة في بلد عانى 30 عاما من الحروب وعدم محاسبة الجناة.

وحذر مدير مكتب التنسيق لـ«معهد الولايات المتحدة للسلام» مسعود كاروخيل من أن «في أفغانستان الحيرة متصاعدة والعدالة غير مضمونة لغالبية الشعب»، مما يزيد من حظوظ طالبان والمتمردين. واستضاف «معهد الولايات المتحدة للسلام» في واشنطن أمس ندوة حول العدالة وتطبيق القانون في أفغانستان، لبحث الأنظمة الرسمية وغير الرسمية في أفغانستان لتطبيق العدالة والتي تُعتبر عنصرا أساسيا لاستقرار أي بلد وبسط سلطة الدولة في أرجائه كافة. وشارك نائب وزير العدل عبد القادر عدالتخواه في الندوة ضمن إشرافه على مشاريع إصلاح نظام العدالة في البلاد، وعلى رأسها مشروع البنك الدولي الذي بدأ العام الماضي. وعلى الرغم من تأكيد عدالتخواه على التزام كرزاي بأهمية العدالة وسيادة القانون، فإنه رفض الخوض في تفاصيل محاسبة شخصيات متهمة بجرائم حرب مثل المقاتل السابق عبد الرشيد دستم. واكتفى بالقول إنه «بموجب القانون الدستوري الأفغاني والقوانين حول العالم، المتهم ليس مجرما إذا لم تصدر محكمة قانونية حكما بأنه مجرم». وبينما يعمل عدالتخواه على تقوية وزارة العدل، شدد إخصائيون على أهمية «النظام غير الرسمي» للعدالة في أفغانستان، المبني على العشائر والشورى ونظام «الجرغا» التقليدي. وحتى الآن لم تستطيع الحكومة الأفغانية وبدعم الدول المانحة والمنظمات الدولية الاعتماد على ذلك النظام الذي هدده عناصر طالبان والقاعدة سابقا وما زال يهددونه من أجل السيطرة على سير الأمور في أفغانستان. وقال كاروخيل: «الأفغان يبحثون عن العدالة في أماكن أخرى بدلا من الدوائر الحكومية، ومع ضعف الأنظمة التقليدية، بدأ نظام العدالة في الظل يقدمها عناصر التمرد في أفغانستان يتقدم». وقد أنشأت طالبان محاكم خاصة بها تفرض عقوبات صارمة وتصدر الأحكام وتفرضها في مناطق عدة من بينها قندهار التي شهدت تراجعا في دور الشيوخ التقليديين فيها. وشكا كاروخيل الذي يعمل في أفغانستان على قضايا العدالة أن «الحكومة المحلية المرتبطة بالحكومة المركزية لا تفهم المشكلات القائمة على الصعيد المحلي، وترد على التطورات بدلا من أن تتفاعل معها قبل أن تتفاقم المشكلات». وأضاف: «الناس لا يذهبون إلى النظام الرسمي، بل يذهبون إلى الحاكم المحلية وكثيرا ما يرسلهم الحاكم لنظام الجرغا» مما يضعف الدولة وجهود جعلها المصدر الرئيسي للعدالة. وشدد على أهمية الربط بين النظامين الرسمي وغير الرسمي للعدالة في أفغانستان، قائلا: «بعد عام 2001، كان التركيز على بناء السلطة المركزية ولكن دون الانتباه إلى الأنظمة غير الرسمية»، ولكن هناك سياسة جديدة يتم بحثها في هذا السياق، وبخاصة في المناطق الريفية التي يقول كاروخيل: «اعتادت منذ 30 عاما أن تكون معتمدة على نفسها لتنظيم نفسها والآن ما زالت تزود العدالة والنظام، وفي الحالات التي لم تستطع أن تقدم هذه الخدمات، المتمردين هم الذين يقومون بهذا الدور لا الدولة». وأوضح: «اليوم في كل منطقة قادة محليون جدد، لا تقليديون، وعادة حصلوا على السلطة خلال الحرب وفرضوا سلطتهم». وحذر من أنه «في حال لم تدعم الحكومة القيادة التقليدية المحلية، ستزداد ضعفا وتتقوى مراكز سلطة أخرى محلية تطبق النظام بالطريقة التي تريدها». وشدد على أنه «من الممكن أن يتعايش النظامان، الرسمي وغير الرسمي، وهذا أمر مهم. البعض يرى أن نظام الجرغا كان مرحَّبا به في زمن طالبان، ولكن هذا غير صحيح، على العكس كانت هناك مشكلات كثيرة وكانت عناصر طالبان تعمد على تحطيم هذا النظام التقليدي والأساسي في المجتمع الأفغاني».

ومن جهته، قال الاختصاصي في «العدالة التقليدية» نوا كوبرن إن «القضية الأساسية العالقة في الشورى والجرغا هي أنها تختلف بحسب القائد المحلي الذي يسيطر عليها، بالإضافة إلى مشكلة عدم وجود تمثيل للنساء فيها». وشرح أن «هناك معارضة على مستوى مركزي ضد التخلي عن السلطة وإفساح المجال أمام القطاع غير الرسمي»، إذ تريد الحكومة إبقاء السلطة بيدها. وأجاب نائب الوزير الأفغاني على قضية شرعية حكومة كرزاي: «الرئيس كرزاي أعلن أن الحكومة ستكون حكومة وطنية، وأريد أن أضيف أنه بموجب القانون الأفغاني كرزاي قد انتُخب رئيسا للبلاد». وأضاف: «الحكومة الأفغانية تريد إعطاء مناصب للشخصيات التي تتمتع بالقدرات حسب خبرتهم».

ولفت كاروخيل إلى أن الشعب الأفغاني أيضا لا يثق في المؤسسات الدولية، وذلك ينعكس في تصريحات أخيرة لكرزاي بأن الشعب الأفغاني لن يبالي إن لم يعد موظفو الأمم المتحدة إلى أفغانستان. وقال إن تلك التصريحات تُظهِر «مدى عدم الثقة بين حكومة كرزاي والأنظمة الدولية بما فيها الأمم المتحدة، ومهمة الأمم المتحدة على المستوى المحلي لم يكن لها وقع على المستوى المحلي، مع افتقاد التناغم بين الأطراف المختلفة»، مضيفا أنه يتفق مع تصريحات كرزاي.