باريس تتوعد طهران بعقوبات جديدة.. وواشنطن تبحث حزمة إجراءات للضغط عليها

في حال امتنعت عن الاستجابة لمطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية

TT

بعد إصدار قرار مجلس أمناء الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوم أمس بإدانة إيران ومطالبتها بالتعاون الكامل في ملفها النووي، تكثف الولايات المتحدة جهودها للتنسيق مع شركائها الدوليين لعد حزمة إجراء للضغط على إيران وإحداث تغير في سلوكها في ما يخص هذا الملف الحساس.

وقال مسؤول أميركي رفيع المستوى أمس في حديث مع عدد من الصحافيين إن «مع اقتراب نهاية العام، ننظر إلى حزمة إجراءات تظهر نتائج للتصرفات الإيرانية». ورفض المسؤول تحديد طبيعة تلك الإجراءات أو موعد تطبيقها، لكنه أشار إلى أن الجهود تتكثف مع اقتراب نهاية العام، مما يشير إلى أنها قد تفرض قبل نهاية العام الجاري. وأضاف أنه من الضروري أن تكون الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا متحدة في هذه الجهود. ويذكر أن هناك مناقشات مكثفة في الكونغرس الأميركي لتبني عقوبات أكثر صرامة ضد إيران، وتواصل الإدارة الأميركية مناقشاتها مع أعضاء الكونغرس مثل السناتور كريستوفر دود لبحث تلك القرارات، إلا أنها تفضل في الوقت الراهن اتخاذ خطوات مع دول أخرى من أجل إظهار الإجماع بين الدول الكبرى في هذا المجال. وقال المسؤول الأميركي: «التركيز الآن هو على بناء الضغط الدولي والمتعدد الأطراف على إيران، وذلك سيكون الأكثر كفاءة في إحداث تغيير في تصرفات إيران». وعبر المسؤول الأميركي المطلع على الملف الإيراني عن تأييد واشنطن لتصريح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي بأنه قد «توصلنا إلى طريق مسدود إذا لم تتواصل إيران» مع الوكالة الدولية. وأضاف أن قرار مجلس أمناء الوكالة «إشارة إلى نفاد الصبر الدولي»، معتبرا أن «القرار يكرر التشديد على الرسالة بأننا ملتزمون بالعمل على حزمة من الإجراءات». ولكنه أردف قائلا: «لقد أوضحنا أننا ما زلنا مستعدين للتواصل»، مع إيران، بناء على انصياع إيران بشكل كلي مع متطلبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، محذرا من أن هناك وقتا محدودا متبقيا لإيران لتطبيق هذه المتطلبات. وأكد المسؤول الإبقاء على سياسية «المسارين»، الدبلوماسية والعقوبات، في التعامل مع إيران. وحذر المسؤول من أن في حال قررت إيران التراجع «عن التعاون المتفاوت مع الوكالة الدولية سيشكل ذلك خطأ حقيقيا».

من ناحيتها، هددت باريس السلطات الإيرانية بفرض عقوبات إضافية عليها في حال لم تستجب لمطالب الأسرة الدولية ولمضمون القرار الذي صدر أمس عن الوكالة الدولية للطاقة النووية.

وقالت الخارجية الفرنسية في بيان لها صدر أمس إن قرار وكالة الطاقة «نتيجة للتطورات الخطيرة في الملف النووي الإيراني في الأشهر الأخيرة وللانتهاكات التي ارتكبتها إيران بشكل متكرر لقرارات مجلس الأمن ولالتزاماتها وفق اتفاق الضمانات» مع الوكالة الدولية، مشيرة بذلك إلى بناء طهران لموقع سري لتخصيب اليورانيوم قريبا من مدينة قم ولاستمرار «نشاطاتها النووية الحساسة التي لا غرض مدنيا لها. كذلك اعتبرت فرنسا أن القرار سببه أيضا رفض إيران توضيح النقاط الغامضة في برنامجها النووي للوكالة الدولية وتحديدا الجهود التي بذلها الخبراء لـ«عسكرة» نشاطاتها النووية.

وطالبت باريس السلطات الإيرانية بالاستجابة الفورية و«القيام بالبادرات الملموسة التي من شأنها طمأنة (الأسرة الدولية) بشأن المخاوف التي يثيرها برنامجها النووي». ودعتها أيضا للاستجابة لمضمون قرار الوكالة الدولية الأخير واختيار طريق التعاون معها في إشارة إلى مقترح مدير عام الوكالة محمد البرادعي الخاص بتخصيب القسم الأكبر من اليورانيوم الإيراني ضعيف التخصيب خارج الأراضي الإيرانية وإعادته إلى طهران بشكل وقود نووي يستخدم في مفاعلها التجريبي لإنتاج النظائر الطبية. أما إذا لم تتجاوب إيران فإن الأسرة الدولية «لن يكون أمامها خيار آخر سوى استخلاص النتائج» من الرفض الإيراني ما يعني فرض عقوبات إضافية.

وترى باريس أن «الأكثرية الكبيرة» التي أيدت القرار «مؤشر مهم يعكس القلق العالمي» من طريقة تعاطي طهران بخصوص ملفها النووي. وتؤكد فرنسا أن ما تحقق في فيينا أمس هو «إبراز وحدة الدول الست وتشددها مع طهران التي لا يمكنها أن تلعب على حبل التناقضات بينها» كما فعلت في الماضي. وتثمن باريس على الأخص موقف روسيا والصين اللتين ساهمتا في إعداد مشروع القرار وصوتتا لصالحه ما «أثر» على دول عديدة من دول العالم الثالث التي انضمت إليهما.

ويرى محللون في العاصمة الفرنسية، وفق ما نقلته صحيفة «لوموند» في طبعتها أمس أن تصويت الصين لصالح القرار يعود للمساعي الأميركية. فقد أقنع مبعوثون أميركيون بكين أن التشدد مع طهران لحملها على التعاون هو أفضل طريق لمنع إسرائيل من شن ضربات عسكرية ضد المواقع النووية الإيرانية ما من شأنه أن يؤثر على وصول النفط الإيراني إلى الصين التي تحتاج إليه من أجل تشغيل اقتصادها.

أما بخصوص التصويت الروسي لصالح القرار فيعود لـ«نفاد صبر» موسكو من المماطلة الإيرانية. غير أن هذا «الإجماع» الشكلي لا يعني، كما تقول المصادر الفرنسية، أن روسيا والصين «مستعدتان غدا» للتصويت لصالح قرار في مجلس الأمن الدولي يفرض عقوبات اقتصادية ومالية وتجارية جديدة على إيران.

وقال الناطق باسم الخارجية الفرنسية برنار فاليرو أمس إن المدراء السياسيين لوزارات الخارجية في الدول الست سيجتمعون قريبا «لتقرير الخطوات اللاحقة». وبحسب المصادر الفرنسية، فإن الاستحقاق اللاحق سيكون بالعودة إلى مجلس الأمن الدولي «إلا إذا قررت إيران، أخيرا، التعامل بإيجابية، مع القرار الجديد».

وتنتظر باريس، كما تقول مصادر دبلوماسية أوروبية، أن «تحسم واشنطن موقفها» من الملف الإيراني وهو الأمر الذي لن يحصل قبل نهاية العام الجاري وفق ما وعد به الرئيس باراك أوباما. وتلفت هذه المصادر النظر إلى أن مسؤولي الدول الست الذين اجتمعوا في بروكسل الأسبوع الماضي «أجلوا» النظر في فرض عقوبات جديدة باعتبار أن «الوقت ليس ملائما بعد». وتجرى حاليا مشاورات بعيدة عن الأضواء للنظر في طبيعة العقوبات الجديدة ومدى تأثيرها على الاقتصاد الإيراني في إطار «المقاربة المزدوجة» أي الحوافز من جهة والعقوبات الاقتصادية من جهة أخرى.