باريس تكثف جهودها في الشرق الأوسط: لا نريد أن ينزل أبو مازن كلية من على الشجرة

السلطات الفرنسية تبحث في 3 أفكار للخروج من النفق: مؤتمر دولي وقمة متوسطية ومبادرة أوروبية

TT

انعقد في باريس في إطار غداء عمل دعا اليه وزير الخارجية برنار كوشنير اجتماع تشاوري ضم الي كوشنير نظيريه المصري احمد أبو الغيط والإسباني ميغيل انجيل موراتينوس. وخصص الإجتماع كما قالت أوساط الخارجية والوزير المصري للتباحث في موضوعين رئيسيين: ملف المفاوضات الشرق أوسطية وملف الإتحاد من أجل المتوسط. ولم يصدر عن الإجتماع التشاوري أي بيان رسمي. وستتسلم إسبانيا رئاسة الإتحاد الأوروبي بداية من العام 2010 .

ويأتي الإجتماع في إطار الإتصالات المكثفة التي تقوم بها فرنسا مع مختلف الأطراف وتحديدا مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ومع الشركاء الأوروبيين, إضافة إلى الولايات المتحدة والعرب وروسيا، لتلمس مخرج يتيح استئناف مفاوضات السلام في الشرق الأوسط في ظل مأزق صورته رفض فلسطينيي من غير تجميد كامل للاستيطان وعرض إسرائيلي جزئي ومؤقت يقدمه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على أنه «أقصى» ما يمكن أن تقبله حكومته.

ومؤخرا، قام دبلوماسي فرنسي بزيارة مطولة إلى واشنطن لسبر ما وصلت إليه الدبلوماسية الأميركية والتعرف على ما ينوي الجانب الأميركي القيام به عمليا في الشرق الأوسط. والصورة، كما تبدو من باريس وكما شرحتها مصادر رفيعة المستوى، هي أن واشنطن «ليست عازمة على التخلي عن جهودها.. السياسية والدبلوماسية في المنطقة»، رغم الإحباط «الذي ألم بها بسبب (عجزها) عن دفع الأطراف الشرق أوسطية إلى التعامل بخطتها الأولى للسلام التي أعدها ميتشل»، (وقف الاستيطان، ووقف العنف الفلسطيني بكل أشكاله، وتطبيع جزئي عربي، ومساع أميركية لضم دول إسلامية إلى دعم العملية السياسية). ومشكلة واشنطن، كما ترى باريس، هي أن صناع القرار «ليسوا متفقين على أسباب الفشل». وهناك «توجهان»، الأول يرى أن الوضع «ليس ناضجا» للوصول إلى تسوية سلمية، والثاني يعتبر أن واشنطن «لم تستخدم كل الأوراق» التي في حوزتها من أجل إنجاح مشروعها، في إشارة إلى الضغوط التي يمكن اللجوء إليها لحمل الأطراف المعنية على السير في خطتها. ويضيف مصدر آخر أن إدارة أوباما «لم تبلور خطة بديلة»، مما يفسر صورة التخبط الذي يبدو في التعاطي الأميركي.

وفي «المقلب» الشرق أوسطي، ترى باريس أن نتنياهو «كسب معركته الأولى» مع أوباما فأظهر «تصلبا» في التعامل مع واشنطن في موضوع الاستيطان وأعطاها «الحد الأدنى» مما تطلبه، وأبرز بشكل خاص «براعة دبلوماسية»، إذ أظهر أن «التعطيل سببه الفلسطينيون» الذين «يفرضون شروطا ولا يريدون السلام». وفي المقابل، فإن السلطة الفلسطينية «ضعيفة ومشتتة ولا تعرف أي طريق تسلكه»، بينما يبدو أبو مازن أنه «عازم فعلا على الانسحاب»، ما يعني في نظر باريس «مزيدا من التمزق وابتعاد أفق العودة إلى المفاوضات وبالتالي السلام». وجاءت زيارة الوزير كوشنير الأخيرة إلى المنطقة من المنظور الفرنسي لتحقيق غرضين: الأول، شد عزيمة أبو مازن، و«توفير مساحة سياسية أكبر»، و«إعادة التأكيد على شرعيته»، وأن السلام «لا يمكن أن يمر إلا عبره»، والثاني «تقديم النصح له بحيث لا يعطي صورة المعطل لفرص السلام» والتعاطي «ببراعة تكتيكية» مع نتنياهو. وتعي باريس أن رئيس السلطة الفلسطينية «لا يستطيع بسهولة أن يتخلى عن شرطه الأساسي» الذي هو الوقف الكامل للاستيطان، بما في ذلك القدس الشرقية، ولذا فإن البحث يجب أن يكون على الطريقة التي يمكن بلورتها «لمساعدة أبو مازن على النزول عن الغصن الأعلى في الشجرة التي تسلقها»، بمعنى إيجاد مخرج وضمانات لتليين موقفه ما يسهل استئناف مفاوضات السلام. وتؤكد المصادر الفرنسية لـ«الشرق الأوسط» أن الغرض الأهم في الوقت الحاضر هو «إيجاد دينامية سلام» تقوم على «البناء على التقدم الجزئي» الذي تحقق مع إعلان نتنياهو تجميدا محدودا للاستيطان في الزمان والمكان، مع التأكيد على المواقف الأساسية الثابتة حول الضفة الغربية والقدس، والتأكيد على «الهدف النهائي من المفاوضات»، أي الوصول إلى إقامة الدولة الفلسطينية وطبيعتها ومواصفاتها. ومن هذه الزاوية، فإن الأساس يكمن في التفاوض على المسائل الخاصة بهذه الدولة والمواضيع الشائكة والخلافية، ما يعني التفاوض على القضايا النهائية. وبحسب باريس، فإن واشنطن لها رؤيتها وهي متضمنة في خطابات أوباما الذي يريد دولة فلسطينية ديمقراطية قابلة للحياة في حدود عام 1967.

وتتقاطع المقاربة الفرنسية مع «التفكير» الأميركي الجديد حيث تتجه واشنطن، بعد تخليها عن خطتها الأولى، إلى حصر وتحديد «أسس» السلام وأشكاله، مع رغبة في «لعب دور حقيقي» بين الجانبين في حال قبلا العودة إلى التفاوض. ولكن ما هي أسس «السلم» التي يمكن مدها لأبو مازن لـ«النزول قليلا من على الشجرة»؟ تبحث باريس حاليا، كما تقول مصادرها، في عدة مخارج. لكن الواضح أن الوضع بحاجة إلى مشاورات إضافية يقوم بها قصر الإليزيه ووزارة الخارجية. وثمة الآن ثلاث أفكار مطروحة يجري تلمس فاعليتها ومدى إمكانية تنفيذها، وهي: مؤتمر دولي، وقمة متوسطية بحضور دولي، وأخيرا مبادرة أوروبية رئيسية تتلمس ما يستطيع أن يقدمه الاتحاد الأوروبي من ضمانات لتشجيع العرب والإسرائيليين والفلسطينيين والإسرائيليين على السلام. وسبق للممثل الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية، خافيير سولانا، أن أشار إلى إمكانية الاعتراف الأوروبي بالدولة الفلسطينية. وبحسب باريس، فإنه يتعين التعامل بحذر مع هذه الورقة، إذ إنها «طلقة واحدة ولا يمكن أن تستخدم غير مرة واحدة». كذلك تريد باريس من الفلسطينيين أن يفكروا مليا قبل الإقدام على خطوة أحادية الجانب، إذ إن المهم «ليس إعلان الدولة التي سبق لهم أن أعلنوها»، وإنما «الأفق السياسي» والحل المفترض الوصول إليه.

تبقى فكرة رابعة قد تكون «السلم المطلوب» ومصدرها مجلس الأمن الدولي. غير أن هذه الفكرة في حاجة إلى عمل وبلورة. وقد أشار الفلسطينيون إلى دور ممكن لمجلس الأمن، لكن المشكلة هي في «عدم الوضوح». وبحسب باريس، فإذا كان الغرض من القرار الموعود هو تكريس مبدأ الدولة الفلسطينية إلى جانب إسرائيل والحث باتجاه التفاوض للتوصل إليها وتوفير الدعم الدولي لها، فقد يكون مفيدا بحيث يرى فيه الفلسطينيون مبررا للعودة إلى طاولة المفاوضات وإيجاد «الدينامية» التي تسعى إليها باريس ومعها عواصم كثيرة في العالم.