نصر الله: المقاومة خيار أثبت جدواه في لبنان وفلسطين وتمسكنا بولاية الفقيه «ليس موقفا سياسيا خاضعا للمراجعة»

حزب الله يعلن وثيقته السياسية وينفي المشاركة في حرب اليمن

الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله وهو يعلن أمس عبر شاشة ضخمة وثيقة الحزب لاستراتيجيته المقبلة (رويترز)
TT

أعلن حزب الله اللبناني، أمس، «الوثيقة السياسية» التي أقرها مؤتمره العام السابع مؤخرا، التي تطرق فيها إلى مواضيع محلية وإقليمية ودولية، عارضة رؤيته لـ«لبنان الذي نريد المساهمة في بنائه». مشددا على اعتماد خيار المقاومة الذي أثبت نجاحه في لبنان وفلسطين، رافضا منطق التسوية والمفاوضات مع إسرائيل «التي تواجه مأزقا وجوديا».

وأكد الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، في مؤتمر صحافي عقده أمس، عبر شاشة تلفزيونية عملاقة أن إلغاء الطائفية السياسية في لبنان «من أصعب الأمور»، وقال: «الكثير نادى وينادي بإلغاء الطائفية دون أن يكون جادا بل مجرد شعار سياسي، ودعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري لتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء لا تعني إلغائها فورا بل قد يأخذ الموضوع سنوات»، نافيا مشاركة الحزب بأي شكل من الأشكال في حرب اليمن، مبررا عدم عرضه أي وساطة لوقف هذه الحرب «التي نخسر فيها جميعا».

وعرض نصر الله، لوثيقة الحزب، وإذ أشار إلى أن «مسار المقاومة والممانعة في طوره التصاعدي الذي يستند إلى انتصارات عسكرية ونجاحات سياسية، وصولا إلى إمالة موازين القوى في المعادلة الإقليمية لصالح المقاومة وداعميها»، رأى أن «مسار التسلط والاستكبار الأميركي ـ الإسرائيلي بأبعاده المختلفة وتحالفاته وامتداداته المباشرة وغير المباشرة يشهد انكسارات أو انهزامات عسكرية وإخفاقات سياسية أظهرت فشلا متلاحقا للاستراتيجيات الأميركية ومشاريعها واحدا تلو الآخر». وإذ شددت وثيقة الحزب على أنه «لا مجال اليوم لقراءة أي صراع في أي منطقة من مناطق العالم إلا من منظار استراتيجي عالمي»، رأت أن «الخطر الأميركي ليس خطرا محليا أو مختصا بمنطقة دون أخرى، وبالتالي فإن جبهة المواجهة لهذا الخطر الأميركي يجب أن تكون عالمية أيضا».

وفي الشق اللبناني من الوثيقة أشار الحزب إلى أن «لبنان هو وطننا ووطن الآباء والأجداد، كما هو وطن الأبناء والأحفاد وكل الأجيال الآتية. هذا الوطن نريده لكل اللبنانيين على حد سواء، يحتضنهم ويتسع لهم ويشمخ بهم وبعطاءاتهم. ونريده واحدا موحدا، أرضا وشعبا ودولة ومؤسسات، ونرفض أي شكل من أشكال التقسيم أو «الفدرلة» الصريحة أو المقنعة. ونريده سيدا حرا مستقلا عزيزا كريما منيعا قويا قادرا، حاضرا في معادلات المنطقة، ومساهما أساسيا في صنع الحاضر والمستقبل كما كان حاضرا دائما في صنع التاريخ». معتبرا أن «من أهم الشروط لقيام وطن من هذا النوع واستمراره أن تكون له دولة عادلة وقادرة وقوية، ونظام سياسي يمثل بحق إرادة الشعب وتطلعاته إلى العدالة والحرية والأمن والاستقرار والرفاه والكرامة».

أما في بند «المقاومة»، فقد أشارت الوثيقة إلى «أن إسرائيل تمثل تهديدا دائما للبنان ـ الدولة والكيان ـ وخطرا داهما عليه لجهة أطماعها التاريخية في أرضه ومياهه، وبما هو أنموذج لتعايش أتباع الرسالات السماوية، في صيغة فريدة، ووطن نقيض لفكرة الدولة العنصرية التي تتمظهر في الكيان الصهيوني، مشيرا إلى أن اللبنانيين المخلصين لم يجدوا لوطنهم سوى استخدام حقهم، والانطلاق من واجبهم الوطني والأخلاقي والديني في الدفاع عن أرضهم، فكان خيارهم: إطلاق مقاومة شعبية مسلحة لمواجهة الخطر الصهيوني والعدوان الدائم على حياتهم وأرزاقهم ومستقبلهم». وقال إن هذه المقاومة حققت «الإنجاز الوطني للمقاومة بمؤازرة شعب وفي وجيش وطني، وأَحبطت أهداف العدو وأوقعت به هزيمة تاريخية، لتخرج المقاومة بمجاهديها وشهدائها ومعها لبنان بشعبه وجيشه بانتصار عظيم أسس لمرحلة جديدة في المنطقة عنوانها محورية المقاومة دورا ووظيفة في ردع العدو». مشددا على أن «هذا الدور وهذه الوظيفة ضرورة وطنية دائمة دوام التهديد الإسرائيلي».

ورأت الوثيقة أن «المشكلة الأساسية في النظام السياسي اللبناني، التي تمنع إصلاحه وتطويره وتحديثه بشكل مستمر هي الطائفية السياسية». معتبرة أن «الشرط الأساس لتطبيق ديمقراطية حقيقية من هذا النوع هو إلغاء الطائفية السياسية من النظام» مشيرا إلى أنه «وإلى أن يتمكن اللبنانيون، ومن خلال حوارهم الوطني، من تحقيق هذا الإنجاز التاريخي والحساس وطالما أن النظام السياسي يقوم على أسس طائفية فإن الديمقراطية التوافقية تبقى القاعدة الأساس للحكم في لبنان» وعددت الوثيقة مواصفات «الدولة التي نتطلع إلى المشاركة في بنائها مع بقية اللبنانيين». وهي الدولة التي تصون الحريات العامة، والقادرة التي تحمي الأرض والشعب والسيادة والاستقلال، ويكون لها جيش وطني قوي ومقتدر ومجهز، ومؤسسات أمنية فاعلة وحريصة على أمن الناس ومصالحهم».

وتطرقت الوثيقة إلى «العلاقات اللبنانية ـ الفلسطينية».

أما في بند «لبنان والعلاقات العربية» فقد شددت الوثيقة على أنه «ثمة حاجة أكيدة إلى تضافر الجهود لتجاوز حالة الصراعات التي تشق الصف العربي، إذ إن تناقض الاستراتيجيات واختلاف التحالفات، رغم جديتها وحدتها، لا تبرر الانسياق في سياسات الاستهداف أو الانخراط في المشاريع الخارجية القائمة على تعميق الفرقة وإثارة النعرات الطائفية وتحريك عوامل التجزئة والتفتيت».

وإذ شددت الوثيقة على «ضرورة التمسك بالعلاقات المميزة بين لبنان وسورية، دعت إلى «إنهاء كل الأجواء السلبية التي شابت علاقات البلدين في السنوات القليلة الماضية، والعودة بهذه العلاقات إلى وضعها الطبيعي في أسرع وقت ممكن». وأكد الحزب على أهمية التعاون بين الدول الإسلامية في المجالات كافة واعتبر أن «إيران الإسلام دولة مركزية مهمة في العالم الإسلامي». وقالت الوثيقة: إن «سياسة الجمهورية الإسلامية في إيران واضحة وثابتة في دعم القضية المركزية الأولى والأهم للعرب والمسلمين وهي القضية الفلسطينية».

وفي بند «لبنان والعلاقات الدولية» قالت الوثيقة: إن «الالتحاق بالسياسات الأميركية ـ وخاصة في مرحلة إخفاقها التاريخي ـ يشكل خطأ استراتيجيا لن يؤدي إلا إلى مزيد من المشكلات والتعثر والتعقيدات». أما في فصل «فلسطين ومفاوضات التسوية» فقد رأى الحزب أن «النتيجة الطبيعية والحتمية أن يعيش هذا الكيان الغاصب المفتعل مأزقا وجوديا يؤرق قادته وداعميه، لكونه مولودا غير طبيعي وكيانا غير قابل للحياة والاستمرار ومعرضا للزوال. وهنا تقع المسؤولية التاريخية على عاتق الأمة وشعوبها، أن لا تعترف بهذا الكيان مهما كانت الضغوطات والتحديات»، مؤكدا «كان موقفنا ولا يزال وسيبقى تجاه عملية التسوية وتجاه الاتفاقات التي أنتجها مسار مدريد التفاوضي عبر «اتفاق وادي عربة» وملحقاته و«اتفاق أوسلو» وملحقاته ومن قبلهما «اتفاق كامب ديفيد» وملحقاته، موقف الرفض المطلق لأصل ومبدأ خيار التسوية مع الكيان الصهيوني، هذا الموقف هو موقف ثابت ودائم ونهائي، غير خاضع للتراجع أو المساومة، حتى لو اعترف العالم كله بـ«إسرائيل». ودعت المسؤولين العرب إلى أن يلتزموا خيارات شعوبهم عبر إعادة النظر بالخيار التفاوضي وإجراء مراجعة لنتائج الاتفاقات الموقعة مع العدو الصهيوني، والتخلي الحاسم والنهائي عن عملية التسوية الوهمية الظالمة المسماة زورا وبهتانا عملية السلام».

وفي ما يتعلق بموضوع إلغاء الطائفية السياسية، رأى نصر الله، ردا على سؤال إنه «من أصعب الأمور»، وقال: «ولكن في النهاية يجب أن نتنافش في كيفية إلغاء هذه الطائفية، وإذا وصلنا إلى نتائج أننا لا نستطيع أن نلغي هذه الطائفية فلنقم بالإصلاح على الأقل، والخطوة الطبيعية لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية هو تشكيل الهيئة العليا لإلغاء الطائفية السياسية».

وردا على سؤال آخر قال نصر الله، إن موقف الحزب «من ولاية الفقيه موقف فكري وعقائدي وديني ليس موقفا سياسيا خاضعا للمراجعة»، وقال: «أما كيف نجمع بين ولاية الفقيه وانخراطنا بالسياسة، فنحن انخرطنا بالمجلس النيابي ولنا كتلة نيابية فاعلة ودخلنا إلى الحكومة اللبنانية وشاركنا بالحكومات المتعاقبة لكن التوتر السياسي الذي كان قائما منع الجميع من القيام بإنجازات فعلية ولا يوجد أي تعارض بين ولاية الفقيه بالمعنى الذي نعلمه وبمشاركتنا بالحياة السياسية».

ونفى نصر الله، بشدة ضلوع الحزب في أحداث اليمن، مشيرا إلى أنه لم يعرض وساطة «بسبب التعقيد القائم وقد لا تؤدي وساطتنا إلى نتيجة بل قد تعقد»، وسخر من الأخبار التي تتحدث عن أن حزب الله يدرب ويسلح ويقاتل». وقال: «وعندما نصل إلى هذا المستوى من الاتهام فمن يتهمنا لا يتوقع منا أن نعرض وساطة في اليمن، ونحن دعونا إلى وقف القتال والآن أجدد الدعوة ونحن لسنا من دعاة توزيع النزاع بل من دعاة وقف القتال سواء داخل اليمن أو بين السعودية والحوثيين وندعو لوقف القتال الذي قد نخسر به جميعا».