تشكيك في قدرة طهران على بناء 10 محطات.. وخلافات داخلية حول «الخطوة المتسرعة»

لاريجاني: الدبلوماسية تبقى خيارا لتسوية الملف * لندن: بحث العقوبات في ديسمبر * موسكو: لا نريد التصعيد مع طهران

لاريجاني في كلمته أمام البرلمان الإيراني أمس (أ.ف.ب)
TT

وسط ارتباك سياسي أكدت إيران أمس أن إعلانها خطط لبناء 10 محطات جديدة لتخصيب اليورانيوم ورفع مستوى التخصيب من 3.5% إلى 20% جاء «رد فعل» على قرار وكالة الطاقة الذرية إدانة إيران بسبب عدم تعاونها والغموض حول نوايا برنامجها النووي. وقالت مصادر إيرانية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن الإعلان الإيراني بإنشاء 10 محطات تخصيب أثار انقساما في أوساط النخبة الحاكمة، إذ أن الكثيرين وسط النخبة يعتقدون أن الإعلان «متسرع» وأن النتائج التي يمكن أن تترتب عليه غير معروفة، كما أنه يضع إيران في وضع صعب إذا لم يفلح أسلوب الضغط والتهديد الذي تسلكه. وجاء الاعتراف الإيراني ليضع الغرب أمام حيرة في التعامل مع طهران وتباين في الدول الغربية حول الرد على الخطوة الإيرانية، ففيما رفعت بريطانيا «سقف العواقب»، موضحة أنها ستبحث عقوبات فورا، مالت روسيا إلى المهادنة داعية بشكل ضمني إلى مواصلة الحوار مع إيران. ورفضت وكالة الطاقة الذرية القول إن الخطوة الإيرانية المحتملة ببناء 10 محطات للتخصيب تشكل «انتهاكا» لالتزامات إيران بموجب معاهدة منع الانتشار النووي. وأوضح مسؤول رفيع في الوكالة لـ«الشرق الأوسط» أن الوكالة ما زالت تدرس الإعلان الإيراني وأنه ليس هناك أي استنتاج محدد بخصوص تأثير الخطوة على التزامات طهران الدولية. فيما أوضح مسؤول آخر في الوكالة أن خطوة طهران تثير التساؤلات، موضحا لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كان الإعلان الإيراني رد فعل على قرار الإدانة من وكالة الطاقة، فهل يعني هذا أنه للضغط وتهديد أجوف؟. أم أنهم جادون في خطط بناء 10 محطات جديدة لتخصيب اليورانيوم، وإذا كانوا جادين هل اتخذوا هذا القرار خلال الـ48 ساعة بعد قرار وكالة الطاقة، أم أنه قرار قديم اتخذ قبل فترة، أم أن هناك بالفعل منشآت سرية أقامتها إيران وتريد استباق الأمور والإعلان عن اعتزامها زيادة عدد محطات التخصيب التي لديها».

وقال دبلوماسي كبير آخر قريب من الوكالة التي تتخذ من فيينا مقرا إن الوكالة لم يكن لديها علم بأحدث خطط لإيران. وكانت وكالة الطاقة الذرية قد طلبت من طهران توضيح ما إذا كان لديها المزيد من المنشآت النووية أو خطط لإقامة المزيد بعد تسليط الضوء على الموقع السري لمحطة التخصيب. وتقول إيران إنها اختارت بالفعل خمسة مواقع للمحطات الجديدة مما يشير إلى أن بعضها على الأقل كان في مرحلة التخطيط منذ فترة. لكن الأمر سيستغرق سنوات قبل أن تتمكن إيران من تشغيل تلك المحطات كما أن حجم النشاط الذي تتحدث عنه طهران يبدو مبالغا في طموحه نظرا للقيود الفنية المفروضة على نشاطها النووي.

ويرى الخبراء النوويون أن إيران التي تعاني من عقوبات وتواجه مشاكل في الحصول على المواد والمكونات من الخارج ربما تحتاج سنوات عديدة لتزويد المحطات العشر الجديدة بالمعدات وتشغيلها. وقالت جاكلين شير كبيرة المحليين في معهد العلوم والأمن الدولي في واشنطن إن إعلان طهران من المنظور السياسي «سيزيد من تفاقم التوترات القائمة». وأوضحت شير لـ«الشرق الأوسط» أن هذا الإعلان أشبه بالتهديد الأجوف وان «إيران ليس لديها ما يكفي من اليورانيوم الخام لتنفيذ برنامج تخصيب بالحجم الذي تتحدث عنه وما أعلنت عنه ليس خطوة جادة». وتابعت: «إعلان إيران بناء 10 محطات لتخصيب اليورانيوم قوبل بالتشكيك. فأميركا نفسها لديها محطة واحدة لتخصيب اليورانيوم.. ما أعلنته إيران لا يمكن أن يؤخذ بجدية من ناحية قدرة إيران على تنفيذه، لكنه من ناحية أخرى يصعد التوتر السياسي مع الغرب». وأوضحت شير انه من الناحية الفنية لا تستطيع طهران بناء 10 محطات للتخصيب، مشيرة إلى أنها أبقت على عدد أجهزة الطرد المركزي التي تعمل في محطة ناتانز للتخصيب كما هي منذ فترة ولم تزد عدد تلك الآلات لأن هناك صعوبة في الحصول على المواد والمكونات من الخارج لبرنامجها النووي بسبب العقوبات الحالية التي تفرضها الأمم المتحدة ومن بين ذلك آلات الطرد المركزي واليورانيوم الخام. وتابعت شير: «لماذا من الناحية الفنية لا تستطيع إيران بناء 10 محطات لتخصيب اليورانيوم؟ لأن إيران لا تملك اليورانيوم الخام أو آلات الطرد المركزي أو القدرة على إنتاج الوقود النووي بالكمية التي تحدث عنها أحمدي نجاد». أضافت : «يمكن لإيران أن تنشئ مبني، لكن هل يمكن أن تحول المبني لمنشأة تخصيب؟ هذه مسألة أخرى أكثر تعقيد.. حاليا تخصيب إيران اليورانيوم في ناتانز، وقد أنتجت على مدار السنوات الثلاث الماضية نحو 1800 كيلوغرام من اليورانيوم منخفض التخصيب، وهي لديها تقريبا 4000 جهاز طرد مركزي.. وحتى الآن أنتجت إيران 366 ألف كيلوغرام فقط من يورانيوم هكسفلوريد وهذه الكمية لا تكفي حتى لتشغيل مفاعلين فكيف تشغل 10 . وبالتالي الإعلان الإيراني يجب وضعه في إطار التجاذب السياسي بعد قرار وكالة الطاقة في فيينا، فهذا ليس بيانا جديا حول خطط نووية». وقللت شير من شأن ما يقال حول حصول إيران على يورانيوم خاما من السوق السوداء بعيدا عن رقابة وكالة الطاقة الذرية، موضحة: «ممكن أن تكون السوق السوداء مفيدة إلى حد ما. لكن هل تكفي السوق السوداء لتزويد إيران بيورانيوم خام لـ500 ألف جهاز طرد مركزي لتشغيل المنشآت الـ10 التي تتحدث عنها؟». إلا أن شير أكدت أن إيران يمكنها تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% كما هدد أحمدي نجاد أول من أمس موضحة: «بالتأكيد يمكن لإيران تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%. هذه ليست مشكلة بالنسبة لها. لكن مع ذلك يمكن لإيران أن تواجه مشكلة في إنتاج الوقود النووي لتلك المفاعلات حتى إذا خصبت اليورانيوم بنسبة 20%. فإنتاج الوقود النووي للاستخدام في مفاعل الأبحاث خطوة فنية معقدة لم تصل إليها إيران بعد. وما علينا إلا أن ننتظر لنرى ما إذا كانت قادرة على تلك الخطوة، فهي قالت إنها يمكن أن تنتج الوقود النووي على أراضيها، لكننا لا نعرف حتى الآن ما إذا كانت قادرة على ذلك أم لا. من المحتمل أنهم قادرون على ذلك، لكن يجب الأخذ في الاعتبار أنهم لم يفعلوا هذا من قبل. ومن هنا ليس واضحا ما إذا كانت إيران قادرة حقا على إنتاج الوقود النووي، أم أنها مضطرة لشرائه». من ناحيته قال ديفيد أولبرايت رئيس معهد العلوم والأمن الدولي في واشنطن حول الإعلان الإيراني «إنها فكرة مجنونة.. لكن علينا النظر إلى الأعماق. لقد جن جنونهم بسبب قرار وكالة الطاقة الذرية.. انه تصرف صبياني نوعا ما». وتابع أولبرايت أن إيران غير قادرة على بناء عشر محطات جديدة لتخصيب اليورانيوم. وأضاف «ليس لديهم المقدرة». وأمام دول 5+1 خياران بعد الاعتراف الإيراني. الأول محاولة الجلوس مع طهران مجددا وربما إجراء تعديلات على مسودة الاتفاق النووي تقبل بها طهران، أو التصعيد وفرض عقوبات بما يهدد بمرحلة مواجهة مفتوحة بين طهران والغرب. وحاولت إيران أمس أن تؤكد أن «باب الحوار» مع الغرب ما زال مفتوحا وان خطوتها هي ضد «الظلم ومحاولة غش إيران» في حقوقها النووية، وليس ضد التعاون مع الغرب. وقال رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني انه «لا يزال بالإمكان تسوية أزمة الملف النووي الإيراني عن طريق الدبلوماسية». وتابع «اعتقد انه لا تزال هناك فرصة دبلوماسية وان من مصلحتهم انتهازها»، داعيا الغربيين إلى قبول البرنامج النووي الإيراني.

وأضاف أن «احد الخيارات سيكون قبولهم بأن تطور إيران التكنولوجيا النووية بإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. إذا لم يقبلوا بذلك فسيكون على إيران حماية قدراتها النووية».

وأكد لاريجاني أن على الغرب الرد على هذا السؤال. وأضاف أن «البرلمان الإيراني يتوقع أن يتم سلوك الطريق الدبلوماسي ونعتقد أن الطريق الدبلوماسي على المستوى الدولي لم يستنفد نهائيا». وتابع «يمكنهم استخدامه والعثور على حل دبلوماسي. لكنهم (الغربيون) يجب أن لا يحاولوا الغش. ليس من الممكن أن يقولوا أحيانا إنهم يريدون التفاهم مع إيران وبعد ذلك يصوتون على قرار ضدنا».

إلا أن لاريجاني قال أيضا في لهجة لا تخلو من التهديد الضمني بالانسحاب من معاهدة الانتشار النووي انه لا يري «مغزى يذكر للاستمرار في عضوية معاهدة منع الانتشار النووي». وتابع «أعتقد أن خطواتهم تضر بمعاهدة منع الانتشار النووي أشد الضرر.. الآن ليس هناك فرق بين أن تكون عضوا بمعاهدة منع الانتشار النووي أم لا». ثم ألقى الكرة في الملعب الغربي موضحا: «بالطبع لهم حرية اختيار أسلوب آخر وإيران ستتصرف على أساسه». ويسلط التصريح الضوء على تدهور العلاقات بين إيران والقوى العالمية بعد تقارب دبلوماسي استمر لفترة قصيرة قبل شهرين كان يهدف إلى الوصول لحل سلمي للمواجهة المستمرة منذ فترة طويلة بشأن برنامج إيران النووي المثير للخلافات.

في حين اعتبر وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي أن قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي يدين إيران يستند إلى «شريعة الغاب». وقال متقي الذي ترجمت تصريحاته إلى الانجليزية على شبكة التلفزيون الإيراني (برس تي في) «إن القرار ضد إيران ليس منطقيا.. انه عمل ظالم. إنها شريعة الغاب». ورأى أن «مثل هذه الإجراءات تعرقل أسس مجلس الأمن الدولي والوكالة الدولية للطاقة الذرية». وأضاف «لا يمكننا قبول التمييز في العلاقات الدولية. فإما أن تكون هناك حقوق أو لا تكون»، مشددا على أن من حق إيران تخصيب اليورانيوم طبقا لبنود معاهدة حظر الانتشار النووي.

فيما قال رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية علي أكبر صالحي إن قرار إنشاء 10 محطات للتخصيب يشكل «ردا حازما على الإجراء ـ الفضيحة لمجموعة 5+1 (القوى الست الكبرى) في الاجتماع الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية»، موضحا «هذا القرار، مواقع التخصيب الجديدة، نتيجة قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأخير وحكومة إيران بعثت برسالة قوية». إلا انه قال إن بلاده لا تعتزم الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي. وأضاف صالحي «زعيمنا الروحي يقول إن امتلاك سلاح نووي خطيئة.. وإذا أردنا الحصول على أسلحة نووية فسننسحب من معاهدة حظر الانتشار النووي». لكن رئيس تحرير صحيفة «كيهان» المحافظة حسين شريعتمداري تساءل في افتتاحية عما إذا كان الوقت قد حان لتنسحب طهران من معاهدة منع الانتشار النووي. وكتب شريعتمداري «بعد سبع سنوات من السلوك المتسرع من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية والقوى العالمية الست المشاركة في الجهود الدبلوماسية لحل الخلاف ألم يحن الوقت لتنسحب إيران من معاهدة منع الانتشار النووي». ويعتقد محللون استراتيجيون أن إيران ستفكر مرتين قبل الانسحاب من معاهدة منع الانتشار النووي لأن هذه الخطوة ستكشف عن طموحاتها بامتلاك أسلحة نووية ويمكن أن تؤدي إلى شن إسرائيل وربما الولايات المتحدة هجوما وقائيا. ونددت الولايات المتحدة بإعلان إيران وقالت إن طهران تنتهك التزاماتها الدولية، وقالت سوزان رايس سفيرة أميركا لدى الأمم المتحدة أمس أن خطط إيران بناء عشر محطات نووية جديدة للتخصيب أمر غير مقبول وقد يفضي إلى أن يكثف المجتمع الدولي ضغوطه على طهران كي تفي بالتزاماتها.

وقالت رايس للصحافيين في نيويورك: «نعتبر الإعلان الإيراني ـ لو كان في حقيقة الأمر دقيقا وتم تنفيذه بأنهم يعتزمون بناء عشر محطات إضافية ـ أمرا غير مقبول بالمرة ويزيد من عزلة إيران في المجتمع الدولي». أما روسيا التي ترفض حتى الآن أن تدعم علنا الدعوات الأميركية التي تهدد بفرض عقوبات اقتصادية أوسع نطاقا ضد إيران فقالت «إنها قلقة للغاية من التصريحات الأخيرة للقيادة الإيرانية». الا أن وزير الطاقة الروسي سيرغي شماتكو قال أن بلاده تأمل في تجنب تصعيد مع طهران بشأن برنامجها النووي، مبديا «أمله بأن تتواصل المفاوضات» بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقال شماتكو خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي إن «التوصل إلى اتفاق بناء بين طهران ومجموعة 5+1 (الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وألمانيا المعنية بالمفاوضات مع طهران) ينطوي على أهمية كبرى بالنسبة إلى المصالح الروسية، ولا نريد تصعيدا». وتابع مبديا أمله الكبير بأن «تتواصل المفاوضات» بين طهران والدول الكبرى. ويبدو أن الموقف الروسي أثار ارتياحا في إيران، إذ أن رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية قال أمس إن روسيا ستكون لها الأولوية في مشاريع توليد الكهرباء في المستقبل.

وتواصلت ردود الأفعال المنتقدة في أوروبا، فقد أعلن المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون أن بريطانيا قد تفكر مع نهاية العام بفرض عقوبات جديدة على طهران. وقال المتحدث في مؤتمره الصحافي اليومي إن «الأولوية» لا تزال للعمل في شكل تؤتي المباحثات ثمارها. لكنه تدارك أن الحكومة البريطانية قد تفكر عندما يحين الوقت، «وربما سيحصل ذلك بحلول نهاية العام»، عبر اتباع توجه ثنائي يقضي بربط سلسلة جديدة من العقوبات بالحوار. وأضاف المتحدث «لكن من الأهمية بمكان أن نواصل المباحثات لأنها ستكون الطريقة الأفضل للتوصل إلى التغييرات الضرورية».

فيما اعتبر الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي والمفاوض في الملف النووي الإيراني خافيير سولانا أن قرار طهران بناء محطات جديدة لتخصيب اليورانيوم هو «قرار سيئ».

وقال سولانا خلال مؤتمر صحافي في بروكسل «اعتقد أن هذا قرار سيئ، وآمل أن يكون لا يزال هناك إمكانية ليبدل الإيرانيون رأيهم».

إلى ذلك وفي خطوة يمكن أن تزيد التوتر أكثر بين طهران ولندن أعلنت وزارة الخارجية البريطانية أن إيران تحتجز خمسة بريطانيين بعدما اعترضتهم البحرية الإيرانية في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) على متن زورقهم الشراعي فيما كانوا متجهين من البحرين إلى دبي. وقالت الخارجية البريطانية في بيان إن «الزورق كان متجها من البحرين إلى دبي ويمكن أن يكون دخل خطأ المياه الإقليمية الإيرانية». وأضاف البيان أن «أفراد الطاقم الخمسة لا يزالون في إيران» وهم في صحة جيدة. ووقع في مارس (آذار) 2007 حادث مماثل أثار أزمة دبلوماسية بين لندن وطهران. وكانت البحرية الإيرانية قبضت على مجموعة من 15 بحارا بريطانيا واحتجزتهم لنحو شهر قبل أن تفرج عنهم.