«التصعيد ثم الخروج» نموذج لطريقة أوباما في اتخاذ القرار

بايدن قاد فريق المتشككين ضد إرسال قوات إضافية لأفغانستان وهيلاري كلينتون أكدت مكانتها كلاعب أساسي

الرئيس أوباما بين شواهد مقبرة العسكريين الوطنية في آرلينغتون (نيويورك تايمز)
TT

في ساعات الظهيرة عقد الرئيس الأميركي باراك أوباما الاجتماع الثامن في إطار عملية المراجعة الخاصة التي يقوم بها حول أفغانستان، ووصل الرئيس إلى داخل غرفة العمليات بالبيت الأبيض لدراسة الحرب. كان قد جاء من مقبرة العسكريين الوطنية في آرلينغتون بعد أن تجول بين شواهد بيضاء طباشيرية اللون لهؤلاء الذين سقطوا في الجبال الوعرة بآسيا الوسطى. لم يقل إلى أي مدى كان تأثير تضحياتهم عليه في يوم عيد المحاربين القدماء الشهر الماضي. ولكن يقول مستشاروه إنه كان يفكر دوما في الخسائر البشرية عندما كان يدرس ما يجب عليه القيام به في الحرب القائمة منذ ثمانية أعوام. وقبل شهر، ذكر لهم زياراته للجنود الجرحى داخل المستشفى العسكري في واشنطن. وقال حينئذ: «لا أريد أن أمضي إلى (ولتر ريد) لثمانية أعوام أخرى».

وكانت التكلفة الاقتصادية مصدر قلق بالنسبة له، حيث وصلت إليه مذكرة موازنة خاصة تقول إن الوجود الموسع سوف يتكلف تريليون دولار على مدار 10 أعوام، وهو تقريبا المبلغ نفسه الذي يتوقع أن تتكلفه خطته للرعاية الصحية. وبينما كان مستشاره العسكري الأبرز يطرح عددا من الخيارات، أعرب أوباما عن شعوره بالإحباط. وأمسك برسم بياني يظهر طريقة تدفق التعزيزات صوب أفغانستان على مدار 18 شهرا وفي النهاية كيف سوف ستبدأ عودة القوات، وكان هذا المنحى يعني أن القوات الأميركية سوف تبقى هناك لأعوام مقبلة. وقال لمستشاريه مشيرا إلى المنحى: «أريد دفع هذا إلى اليسار». وبصيغة أخرى، على القوات الذهاب في وقت أقرب والرحيل أيضا في وقت أقرب. عندما يُكتب تاريخ رئاسة أوباما، ربما يكون هذا اليوم الذي درس فيه أوباما الرسم البياني نقطة تحول مهمة، فتلك هي اللحظة التي بدأ فيها شاب في منصب القائد العام للقوات المسلحة رهانا تحفه مخاطر كثيرة بهدف تغيير دفة حرب خاسرة. وقرر أوباما إرسال 30 ألف جندي معظمهم خلال الأشهر الست المقبلة على أن تبدأ عودتهم بعد عام من ذلك، مراهنا على أن الزيادة في القوات سوف ترد العدو على عقبيه وتساعد الأفغان في السيطرة على القتال. وتقدم عملية المراجعة التي استمرت على مدى ثلاثة أشهر والتي أفضت إلى استراتيجية «التصعيد ثم الخروج» نموذجا على عملية اتخاذ القرار داخل البيت الأبيض تحت رئاسة أوباما، حيث تتسم هذه العملية بالمنهجية والدقة والجدية والحدة وفي بعض الأحيان تكون محبطة لكل المشاركين فيها تقريبا. كان هذه بمثابة حلقة نقاشية افتراضية في أفغانستان وباكستان يقودها رئيس وصفه أحد المشاركين بأنه شخص يقف بين «أستاذ جامعي ومحقق لبق».

وأمطر الرئيس أوباما المستشارين بالعديد من الأسئلة وأبدى إقبالا على الحصول على المعلومات، وأرهق المحللين الذين أعدوا نحو 36 تقريرا استخباراتيا والعاملين في البنتاغون الذين صاغوا آلاف الصفحات من الوثائق.

ويعتمد هذا الرصد للطريقة التي يصل بها الرئيس إلى قراره على العشرات من المقابلات التي أجريت مع مشاركين ومراجعة للملاحظات التي كتبها البعض منهم خلال 10 اجتماعات عقدها الرئيس أوباما مع فريق الأمن القومي التابع له. وتحدث معظم من أجريت معهم مقابلات شريطة عدم ذكر أسمائهم لأنهم يتحدثون عن مداولات داخلية، ولكن كان يتم مقارنة تقاريرهم مع مشاركين آخرين كلما كان ذلك ممكنا. لقد خصص الرئيس أوباما الكثير من الوقت للقضية الأفغانية؛ قرابة 11 ساعة في اليوم الذي يلي عيد الشكر وحده. ودعا أصواتا متباينة كي تتناقش أمامه بينما حافظ هو على أفكاره الخاصة. ولم يكن أحد يعرف، حتى ديفيد أكسلرود، الذي يُقال إنه أقرب المستشارين إليه، أن الرئيس أوباما سوف ينتهي من الأمر قبل وقت قريب من عيد الشكر. ولأن النتائج كان فيها شك، تبارت الشخصيات الكبيرة في فريقه من أجله، وفي بعض الأحيان كان يحدث خلاف حاد بينما كانت تعرض الآراء. وشك البيت الأبيض في أن الجيش قام بتسريب تفاصيل خاصة بعملية المراجعة للضغط على الرئيس. وشك الجيش ومعه وزارة الخارجية في أن البيت الأبيض قام بتسريب تفاصيل لتقويض الرأي الذي يدعو إلى إرسال المزيد من القوات. وثار الرئيس بسبب التسريبات وهو غاضب بصورة يندر أن يراه المستشارون عليها، لكنه بذل القليل لإنهاء الخلاف العلني داخل حكومته. وقالت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون: «رحب الرئيس بعدد كبير من الآراء ودعا وجهات نظر متباينة. وأعتقد أنها كانت تجربة جيدة جدا لأن الناس قبلوا عرضه. ومن الأشياء التي لم نرغب فيها أن نأخذ قرارا ثم يأتي شخص ما ويقول (بالمناسبة...)».

ويُمثل القرار تطورا معقدا في طريقة تفكير أوباما، فقد بدأ العملية ولديه شكوك في طلب الجنرال ستانلي ماكريستال إرسال 40 ألف جندي إضافي، ولكن بعد تعرفه على المزيد من عواقب الفشل وبعد شعوره بالضيق بدرجة أكبر من هذه المهمة، مال بدرجة أكبر إلى زيادة في عدد القوات ولو بصورة مؤقتة يديرها وزير الدفاع روبرت غيتس تحديدا. ولكن، حتى في الوقت الحالي يبدو أن لديه ازدواجية إزاء ما يسميه البعض بـ«حرب أوباما». وقبل تحذير الجنرال ماكريستال من الفشل في نهاية أغسطس (آب) بأسبوعين فقط، وصف الرئيس أوباما أفغانستان على أنها «حرب ضرورة». وعندما أعلن استراتيجيته الأسبوع الماضي، لم يكن هناك مكان لهذه الكلمات. وبدلا من ذلك، على الرغم من إعادة الالتزام بالحرب على «القاعدة»، أوضح أن النضال الأكبر من أجل أفغانستان ملزم مقارنة بالتكلفة في الدماء والثروة ويجب تحديد نهاية له. ومع ذلك، يقول مساعدون إن عملية المراجعة القاسية أعطت أوباما فرصة كي يتمكن من التوصل إلى أفضل نهج يمكنه الوصول إليه. ويقول الجنرال جيمس جونز، مستشار الأمن القومي للرئيس: «كانت العملية شاملة، ولكن عندما تجد رئيس الولايات المتحدة يخصص 25 ساعة لموضوع ما، عندما تجد مثل هذا النوع من الالتزام، فاعلم أنه عمل خطير. منذ أول اجتماع كان لدى كل شخص مجموعة من الآراء، ولكن لم تكن هي الآراء نفسها في نهاية العملية».

لقد خاض الرئيس أوباما الانتخابات الرئاسية وهو يدعم ما سمّي بـ«الحرب الجيدة» في أفغانستان، ولكنه تحدث عنها في البداية كوسيلة لمهاجمة الجمهوريين بسبب تحويل الموارد إلى العراق، التي قال عنها إنها حرب اختيارية. وبعد توليه مهام منصبه، ومع ازدياد القتلى والإصابات وحصول حركة طالبان على دفعة، بدأ أوباما النظر فيما يجب عليه القيام به إزاء أفغانستان. وحتى قبل استكمال مراجعة الحرب، وجّه أوامر للجيش كي يقوم بإرسال 21 ألف جندي إضافي إلى هناك ليرفع بذلك عدد القوات إلى 68 ألفا. ولكن سرعان ما ظهرت التوترات بين البيت الأبيض والجيش عندما سافر الجنرال جونز، وهو جنرال بحرية متقاعد يحمل أربعة نجوم، إلى أفغانستان في فصل الصيف. وأوضح أنه لن يكون هناك المزيد من القوات في المستقبل القريب. ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأفغانية في أغسطس (آب)، حذر مبعوثا أوباما الجديدان ـ مبعوث الرئيس للمنطقة ريتشارد هولبروك والسفير كارل ايكينبيري الذي كان يعمل قائدا للقوات في أفغانستان ـ من احتمالية حدوث مشكلة، من بينها احتمالية قيام الأفغان الغاضبين بمسيرة صوب السفارة الأميركية أو حدوث حرب أهلية شاملة. وقال مسؤول في الإدارة، ملخصا عرض المبعوثين: «هناك عشر وسائل لإنهاء ذلك، تسع منها تثير الفوضى». ولم يحدث الأسوأ، ولكن شابت الانتخابات عمليات تزوير واسعة صدمت البعض داخل البيت الأبيض بعد أن أدركوا أن شريكهم في كابل الرئيس حميد كرزاي في موقف خطير بصورة مفقود فيها الأمل فيما يتعلق بثقة المواطنين. في الوقت نفسه، حافظت حركة طالبان على تحقيق مكاسب. ووضعت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية خرائط في أغسطس (آب) توضح التقدم المضطرد لعملية استحواذ حركة طالبان على مناطق داخل أفغانستان، وهي الخرائط التي سوف تستخدم بعد ذلك بصورة موسعة في عملية المراجعة التي يقوم بها الرئيس. وقدّم الجنرال ماكريستال تقييمه الخاص للوضع وحذّر من «فشل المهمة» في حال عدم وصول قوات إضافية. وعلى الرغم من أن الجنرال ماكريستال لم يقدم طلبا محددا لزيادة عدد القوات في تلك المرحلة، فإن البيت الأبيض كان يعلم أن ذلك سوف يحدث وأخذ يستعد لتحديد ما سوف يقوم به. ونظّم الجنرال جونز سلسلة من الاجتماعات تصور أنها سوف تستغرق أسابيع قليلة. وقبل كل اجتماع، كان يعقد جلسة لتلخيص ما سبق وكانت تضم نائب الرئيس جوزيف بايدن والوزيرة كلينتون والوزير غيتس ومسؤولين آخرين في المجلس الوزاري. وكان بايدن يقوم بكتابة مذكرة منفصلة خاصة إلى أوباما قبل كل اجتماع ليحدد فيها أفكاره. وكان أول اجتماع مع الرئيس في 13 سبتمبر (أيلول)، وكان يوم أحد، ولم يتم الإعلان عنه في ذلك اليوم. وظل الرئيس أوباما وكبار مستشاريه يدرسون تقارير استخباراتية. ولم يكن الرئيس يشعر بالرضا وطرح سلسلة من التساؤلات: هل تحتاج أميركا لهزيمة حركة طالبان كي تهزم «القاعدة»؟ هل يمكن أن تثمر استراتيجية مكافحة التمرد داخل أفغانستان في ضوء المشكلات التي تعانيها الحكومة هناك؟ وإذا استعادت حركة طالبان السيطرة على أفغانستان؛ هل سيأتي الدور على باكستان التي لديها أسلحة نووية؟

وعزز من الشكوك التي عبّر عنها في الجلسة الافتتاحية بايدن الذي هرع ليلا من كاليفورنيا للمشاركة. وأعرب بايدن عن معارضته لاستراتيجية موسعة تدعو إلى زيادة كبيرة في عدد القوات مثلما فعل في فصل الربيع. وفي المقابل، طرح بديلا: بدلا من ذلك التركيز على بناء دولة وحماية شعب، يجب بذل المزيد من أجل إرباك حركة طالبان وتحسين مستوى تدريب القوات الأفغانية وتوسيع جهود المصالحة لجذب بعض مقاتلي حركة طالبان. وسريعا أصبح بايدن أكثر المنتقدين حديثا عن الطلب المتوقع من ماكريستال لزيادة عدد القوات، وقال إن باكستان هي الأولوية الأكبر لأنها هي المكان التي لا يزال فيه تنظيم القاعدة. وكان هناك آخرون يوافقون على بعض مما يقول، ومن بينهم الجنرال جونز ورئيس طاقم البيت الأبيض رام إيمانويل. وتحولت عملية المراجعة الهادئة إلى الساحة العامة مع تسريب تقرير سري للجنرال ماكريستال إلى بوب وودورد بصحيفة «واشنطن بوست» بعد أسبوع من الاجتماع الأول. وتسبب التقييم المروع للجنرال في حالة من الارتباك داخل واشنطن وأضفى مزيدا من الإلحاح على سؤال ما يجب القيام به من أجل تجنب وقوع هزيمة في أفغانستان. وقام الأدميرال مايك مولان، رئيس هيئة الأركان المشتركة، والجنرال ديفيد بترايوس، القائد العام للمنطقة، بالسفر سرا إلى قاعدة أميركية في ألمانيا لعقد اجتماع مدته أربع ساعات مع الجنرال ماكريستال في 25 سبتمبر (أيلول). وقام بتسليهما طلبه لزيادة عدد القوات ورقيا، فلم تكن هناك صور. وحدد الطلب ثلاثة خيارات لمهام مختلفة: إرسال 80 ألف جندي إضافي للقيام بحملة للقضاء على التمرد في مختلف أنحاء البلاد، أو 40 ألف جندي لتعزيز المناطق الشرقية والجنوبية حيث توجد حركة طالبان هناك بقوة، أو 10 آلاف إلى 15 ألفا لتدريب القوات الأفغانية. وأخذ الجنرال بترايوس نسخة، فيما أخذ الأدميرال مولان اثنتين وعاد إلى واشنطن وترك واحدة في مكتب غيتس إلى جوار مجمعه العسكري الصغير في واشنطن. ولكن، لم يرسل أحد الوثيقة إلى البيت الأبيض بهدف مرورها ومراجعتها من قبل البنتاغون أولا. وكان اهتمام أوباما منصبا على تقرير آخر. وفي العاشرة مساء يوم 29 سبتمبر (أيلول) اتصل من مقر إقامته في البيت الأبيض بـ«ويست وينغ» ليطلب نسخة من الاستراتيجية الأولى الخاصة بأفغانستان التي وافق عليها في مارس (آذار). وأحضر له مستشار الأمن القومي دينيس ماك دونو نسخة ليعيد قراءتها خلال الليل. وعندما اجتمع فريق الأمن القومي التابع له خلال اليوم التالي، اشتكى أوباما من أن عناصر هذه الخطة لم يتم تطبيقها حتى الآن. وقامت المجموعة بدراسة تقييم ماكريستال وبحث الهدف الرئيسي الذي يجب أن يكون. ووجه بايدن أسئلة صعبة عما إذا كانت هناك أية معلومات استخباراتية تظهر أن حركة طالبان مثلت تهديدا على الأراضي الأميركية. ولكن أغلق أوباما الباب أمام أي انسحاب. وقال لمستشاريه: «ما أريد أن أقوله الآن هو أنني لا أرغب في طرح فكرة أننا نغادر أفغانستان».

وكان التوتر مع الجيش يشتعل منذ تسريب تقرير ماكريستال، حيث نظر البعض داخل البيت الأبيض إلى ذلك على أنه محاولة لتقييد الرئيس. وازداد الشقاق في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) عندما سأل الجنرال بعد خطاب في لندن عما إذا كانت عملية أكثر محدودية مثل تلك التي اقترحها بايدن سوف تنجح. ورد على هذا قائلا: «الإجابة المختصرة هي: لا».

وشعر مسؤولون في البيت الأبيض بالغضب، ووبخ غيتس الجنرال على الملأ وقال إن الاستشارات التي تقدم للرئيس يجب أن تكون سرية. وضايقت حالة الغضب الجنرال ماكريستال، وأصيب آخرون داخل الجيش بحالة من الصدمة، حيث أحسوا في البداية «بالحيرة إزاء رد الفعل من البيت الأبيض»، على حد تعبير مسؤول عسكري. وأظهرت هذه المرحلة علاقات مضطربة بين الجيش ورئيس جديد، يقول عنه مساعدون إنه عاقد العزم على ألا يكون مجاملا بالطريقة التي يعتقد أن سلفه جورج دبليو بوش كان تصرف بها على مدار أعوام داخل العراق. واضطر الجيش إلى التكيف مع قائد عام للقوات المسلحة أقل خبرة ولكنه أكثر تشككا. ويقول مسؤول آخر في وزارة الدفاع: «لمدة ثمانية أعوام كنا تحت إدارة أصبحت متمرسة في إدارة الحروب». وعلاوة على ذلك، كان أوباما قد قرأ «دروس من الكارثة»، وهو كتاب لغوردون غولدستين عن حرب فيتنام. وأصبح لا بد من قراءة الكتاب داخل «ويست وينغ» بعد أن تناول إيمانويل عشاء خلال الصيف داخل منزل مستشار آخر للأمن القومي يدعى توماس إي دونيلون وتجول داخل مكتبته ليسأل عما يجب أن يقرأه. من بين النتائج التي استخلصها دونيلون وفريق البيت الأبيض من الكتاب أن كلا الرئيسين جون إف كينيدي وليندون جونسون فشلا في التعامل مع الافتراضات الأساسية بشأن الكتلة الشيوعية ونظرية سقوط قطع الدومينو، التي بدا من الواضح أنها كانت دليلا لمستشاري الرئيس أوباما خلال إعادة التفكير في طبيعة «القاعدة» وطالبان.

في الوقت الذي تركز فيه انتباه الرأي العام الأميركي على أفغانستان، تركزت بعض النقاشات المكثفة على باكستان التي لا يمكن للرئيس أوباما أن يرسل إليها بقوات، حيث قام فريق الرئيس، مدفوعين بصورة خاصة من هيلاري كلينتون، باستكشاف الروابط بين «طالبان أفغانستان» و«طالبان باكستان» و«القاعدة»، وأخبر أوباما مساعديه أن زيادة عدد القوات في أفغانستان لن تعني شيئا إذا ما ظلت باكستان ملاذا آمنا بالنسبة لهؤلاء. وكان كثير من التقارير الاستخباراتية التي طلبها البيت الأبيض خلال المراجعة تتناول الاستقرار في باكستان وما إذا كانت القوات العسكرية والاستخباراتية ملتزمة بالقتال أم إنها لا تزال تدعم فصائل طالبان سرا. وأشار مسؤولون إلى أن دراسة مفصلة أعدت حول إمكانية سقوط الأسلحة النووية في أيدي طالبان وطرحت تساؤلات حول التهديدات الداخلية وإمكانية السيطرة على الرؤوس الحربية إذا ما فشلت الحكومة الباكستانية في التعامل مع الموقف. كما درس الرئيس أوباما ومستشاروه خيارات تسريع ملاحقة المتطرفين في المناطق الحدودية العنيفة، وفي النهاية وافق الرئيس على طلب وكالة الاستخبارات المركزية بتوسيع المناطق التي تشن فيها الطائرات من دون طيار هجماتها والعمليات السرية الأخرى. وستكون المهمة الوحيدة هي الحصول على موافقة باكستان التي لم تحصل عليها الولايات المتحدة بعد.

وفي 9 أكتوبر (تشرين الأول) استعرض الرئيس أوباما وفريقه مقترحات الجنرال ماكريستال للمرة الأولى، وأعرب البعض في البيت الأبيض عن اندهاشهم من الأرقام التي افترضت أن يكون عدد القوات ما بين 10.000 إلى 40.000. وتساءل أحد كبار المسؤولين في المقابلة: «لماذا لا يوجد رقم 25.000؟» ثم أجاب عن السؤال الذي طرحه بالقول: «إن ذلك لن يكون مغريا إلى حد كبير». وتحدث غيتس والقادة العسكريون الآخرون بشأن حدود القدرات الأميركية لهزيمة طالبان فعليا التي تعتبر أحد مكونات الشعب الأفغاني وجزءا من نسيجه السياسي، وهذه النظرة شاركه فيها من حضروا الاجتماع ومن بينهم ليون بانيتا مدير الاستخبارات المركزية الذي قال إن طالبان لا يمكن هزيمتها بهذه الصورة ومن ثم يجب أن تكون الطريقة المثلى هي محاولة بث الفرقة بين المجموعات التي يمكن أن تتصالح مع الحكومة الأفغانية ومن الرافضين لذلك. ومع قيادة بايدن لفريق المتشككين ساندت هيلاري كلينتون وغيتس والأدميرال مولين زيادة عدد القوات. فقد رغبت كلينتون من وراء ذلك التأكيد على مكانتها كلاعب أساسي في هذه العملية. وقال مستشار بارز في الإدارة: «كانت مصممة أن على تكون المذكرات التي قدمتها شديدة الدقة كتلك التي قدمها مسؤول البنتاغون». وقد طرحت أسئلة قوية حول تدريب القوات، وكانت شجاعة في تناولها قضايا تعتبر من خصوصيات البنتاغون. وبعد الاجتماع الذي قدم فيه البنتاغون طرحا رائعا شمل عرض خرائط ملونة، عادت السيدة كلينتون إلى وزارة الخارجية وأخبرت مساعديها: «نحن بحاجة إلى خرائط». كانت في رحلة خارجية خلال الاجتماع التالي الذي عقد في 14 أكتوبر (تشرين الأول) عندما استخدم مساعدوها الخرائط الجديدة ليظهروا المجهودات المدنية، لكنها شاركت عبر سماعات الرأس من الطائرة الحكومية التي كانت تطير عائدة من روسيا. كان غيتس هو الآخر يد عون في هذه المراجعة، فقد عمل مع ثمانية رؤساء، وكان مثل هيلاري كلينتون يميل إلى تلبية طلب الجنرال ماكريستال، لكنه كان لا يزال متشبثا برأيه بأن زيادة عدد القوات ستزيد من حالة الامتعاض لدى الأفغان بالصورة الكارثية نفسها التي كان عليها أثناء الاحتلال السوفياتي لأفغانستان في الثمانينات. في الثاني والعشرين من أكتوبر أصدر مجلس الأمن القومي ما وصفه مسؤول بـ«مذكرة اتفاق»، بدأ جزء كبير منها داخل مكتب وزير الدفاع، وخلصت المذكرة إلى أنه يجب على الولايات المتحدة الأميركية أن تركز على تقويض تمرد حركة طالبان من دون تدميرها مع بناء وزارات مهمة محددة ونقل السلطة إلى القوات الأمنية الأفغانية. ولكن، لم يكن هناك حتى الآن اتفاق على عدد القوات، ولذا دعا أوباما مجموعة أصغر من المستشارين في 26 أكتوبر للضغط نهائيا على كلينتون وغيتس. وأوضحت كلينتون صراحة أنها مستريحة إلى طلب الجنرال ماكريستال الذي يدعو إلى إرسال 40 ألف جندي أو عدد قريب من ذلك، وكان غيتس يفضل إرسال قوة كبيرة. وكان الرئيس أوباما حذرا، فقد وصلته مذكرة في اليوم الذي سبق من مكتب الإدارة والموازنة تقدر أن طلب الجنرال ماكريستال بإرسال 40 ألف جندي بالإضافة إلى الجنود الموجودين حاليا وجهود إعادة الإعمار سوف يتكلف تريليون دولار في الفترة من 2010 إلى 2020، حسب ما قاله مستشار. وبدت المفاجأة على الرئيس، وهو يشاهد أجندته الداخلية تتلاشى أمامه. وقال: «هذا جهد تكلفته تريليون دولار ويستمر على مدار 10 أعوام ولا يتناسب مع مصالحنا».

ولكن، للمرة الأولى أوضح أنه مستعد لإرسال المزيد من القوات إذا تم التوصل إلى استراتيجية لضمان أن لا تكون هذه الحرب حربا أبدية. وأشار إلى أنه يجب هزيمة حركة طالبان، وطرح سؤالا: «ما الذي نحتاج إلى القيام به لكسر هذا التقدم؟».

وبعد مرور أربعة أيام، وخلال اجتماع مع هيئة الأركان المشتركة في 30 أكتوبر، أكد على الحاجة للإسراع. وقال: «لماذا لا تذهب القوات في وقت أسرع؟ إذا كانت سوف تقوم بذلك، فمن الجيد القيام بذلك سريعا ليكون لذلك أثر ولحماية الحرب من الانزلاق للأبد». وقال: «هذه حرب أميركا، ولكني لا أريد أن أقدم التزاما مفتوحا».

وبعد أن فهم غيتس إلى أين يتجه الرئيس أوباما، بدأ في صياغة خطة تقوم بسد الهوة بين الموافقة المتباينة. وصاغ خيارا يدعو إلى إرسال 30 ألف جندي وهو ما يوفر للجنرال ماكريستال معظم ما طلب، مبررا بأن «الناتو» يمكنه أن يعوض الفارق. وعرضت الخطة التي أطلق عليها «الخيار 2 إيه» على الرئيس في 11 نوفمبر (تشرين الثاني). واشتكى الرئيس من أن المنحى سوف يستغرق 18 شهرا كي تصل القوات. وتحول إلى الجنرال بترايوس وسأله: «ما المدة التي استغرقتها عملية وصول ما يسمى بزيادة عدد القوات التي أدارها في العراق عام 2007؟». فأجاب: «تم ذلك في ستة أشهر». وقال أوباما: «ما أبحث عنه هو زيادة في عدد القوات، ويجب أن تكون كذلك».

وطرح ذلك موقفا مغايرا عما اعترض عليه الرئيس أوباما، عندما كان مرشحا رئاسيا، الزيادة في عدد القوات التي قام بها الرئيس بوش داخل العراق، فعلى عكس ما كان يسعى إليه بوش، كان أوباما يريد التعجيل بالانسحاب أيضا. وطلب من الجيش صياغة خطة لإرسال القوات سريعا وإعادتها إلى أرض الوطن سريعا. من ناحية أخرى، شعر أوباما بالغضب الشديد من تسريب تفاصيل جلسات النقاش. وقال موبخا مستشاريه: «ما لن أتسامح فيه هو الحديث إلى الصحافة خارج هذه الغرفة. إن هذا لا يخدم العملية ولا يخدم البلاد ولا يخدم الرجال والنساء في الجيش».

وجلس مستشاروه في حالة من الصمت غير المريح. وفي اليوم التالي، سرب شخص ما كلمة من برقية أرسلها السفير ايكينبيري من كابل يعرب فيها عن تحفظه إزاء زيادة كبيرة في عدد القوات ما لم يتم تشكيل حكومة كرزاي. وتسبب تسريب برقية السفير ايكينبيري في عاصفة أخرى داخل الإدارة لأن البرقية طلبها البيت الأبيض. وقال مجلس الأمن القومي للسفير أن يكتب آراءه، ولكن قام شخص ما بعد ذلك بتمرير كلمة من البرقية إلى الصحافيين فيما تعامل معه البعض على أنه محاولة مدروسة لتجنب زيادة كبيرة في عدد القوات.

*خدمة «نيويورك تايمز»