زيارة عباس لبيروت تكتسي أهمية خاصة على خلفية السعي لانتزاع الاعتراف بالدولة الفلسطينية

عشية تسلم لبنان مقعده في مجلس الأمن الدولي

TT

ملفات كثيرة تنتظر زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى لبنان اليوم. ذلك أن «الهموم اللبنانية» المرتبطة بالملف الفلسطيني لا يمكن تجاهلها. والكثير من المراقبين المحليين والإقليميين والدوليين يرددون أن «الاستقرار في لبنان سيبقى هشا ما لم يحل الاستقرار في المنطقة انطلاقا من القضية الفلسطينية». وإذا اعتبرنا أن هذا المعطى ليس جديدا، فلا يمكن تجاهل الأهمية التي يكتسبها لجهة تسلم الدولة اللبنانية مقعدها غير الدائم في مجلس الأمن بحلول يناير (كانون الثاني) 2010، مع الجهود الفلسطينية لنزع اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية، والمقرونة بالجهود الدولية، تحديدا الأميركية منها، والأوروبية التي تنشط على هذا الخط.

إلا أن هذه الحيثيات لا تلغي أن الملفات الشائكة والعالقة بين لبنان والسلطة الفلسطينية هي أكثر من أن تحصى، لجهة وجود اللاجئين الفلسطينيين بعدد كبير قياسا إلى عدد اللبنانيين. وهذا الوجود الذي تخضع أرقامه إلى حسابات سياسية وليست فعلية، يشوبه الكثير من علامات الاستفهام، خاصة لجهة التوطين الذي تعتبره إسرائيل حلا لا بد منه لإنهاء القضية الفلسطينية والذي يعتبره لبنان والفلسطينيين قنبلة موقوتة يجب نزع فتائلها مع تكريس حق العودة.

كل هذه الأمور ستكون على طاولة البحث بين عباس والمسؤولين اللبنانيين. ويقول مستشار لجنة الحوار اللبناني ـ الفلسطيني زياد الصايغ لـ«الشرق الأوسط»: «تكتسب الزيارة طابعا مختلفا مع تسلم لبنان مقعده غير الدائم في مجلس الأمن. والمطلوب من الدبلوماسية الفلسطينية أن تأخذ بالاعتبار الهواجس اللبنانية وجهود المسؤولين اللبنانيين لمنع توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ودعم حق العودة، مما يستوجب في المرحلة المقبلة تنسيق العمل اللبناني ـ الفلسطيني ليكون مشتركا على هذا الصعيد، لا سيما أن لبنان كان دائما رافعة للقضية الفلسطينية في الأمم المتحدة، وقد دفع ثمنا باهظا من استقراره بسبب ذلك. واليوم يستعيد دوره. يجب أن يكون لبنان رأس حربة ورافعة للمعركة الدبلوماسية التي بدأت الأجواء العالمية تتحضر لها».

وفي الإطار ذاته، يقول المستشار الإعلامي لسفارة فلسطين في لبنان هشام دبسي عن زيارة محمود عباس إلى بيروت «في البداية المطلب الرئيسي للزيارة هو استصدار قرار من مجلس الأمن بالاعتراف بالدولة الفلسطينية ضمن حدود 1967 والقدس عاصمة لها. هذه هي القضية قبل أي أمر آخر على قاعدة أن الدعم اللبناني من خلال موقعه الجديد كعضو غير دائم في مجلس الأمن، هو دعم حقيقي للبنان أولا. فإقامة دولة فلسطينية تؤدي إلى حل معظم القضايا العالقة منذ ستين عاما حتى تاريخه لجهة إنهاء مشكلة اللاجئين في لبنان، كما تمهد لإنهاء الصراع بين لبنان وإسرائيل وتفتح أبواب الحلول السلمية». ويضيف «من هنا فإن العمل السياسي والدبلوماسي اللبناني من موقعه في مجلس الأمن والتوجه الفلسطيني باتجاه المجتمع الدولي يسهمان مجتمعين في دعم قضية إعلان الدولة الفلسطينية. ولبنان هو صاحب الدور الأساسي في هذا التوجه، ولا ننسى أن رئيس الجمهورية اللبنانية الراحل سليمان فرنجية كان قد حمل هذه القضية إلى مجلس الأمن عام 1974. واليوم يستعيد دوره ليعيد هذه القضية إلى المحافل الدولية».

ويعتبر دبسي أن «المسألة لا تقتصر على الدعم للموضوع الفلسطيني وإنما تعكس مصلحة لبنانية وطنية ينجم عنها حل الكثير من المشكلات العالقة».

ويوضح أن «جولة أبو مازن إلى دول أميركا اللاتينية كانت لتحقيق هذا الهدف السياسي الكبير، وهي محور العمل السياسي الفلسطيني راهنا، مع الإشارة إلى ضرورة تفعيل العمل الرسمي العربي لتحقيق هذا الهدف، ولبنان جزء من هذا العمل ولديه دور رئيسي يستطيع القيام به من خلال حضوره السياسي والدبلوماسي ضمن المجموعة العربية».

وفي إطار ما يمكن أن يطرحه المسؤولون اللبنانيون على عباس يقول الصايغ «من الملح جدا أن تبين السلطة الفلسطينية انتماء اللاجئين في لبنان إليها بأرقام وطنية. وهذا لا يعني إعطاءهم جوازات سفر، إنما منحهم ما يسهل لهم وللدولة اللبنانية وضعهم الوطني، مع الإبقاء على وضعهم القانوني كلاجئين في لبنان. حينها يكون اللاجئون الفلسطينيون مرتبطين ارتباطا قانونيا بدولة قائمة بالقوة بموجب القرار رقم 181 الصادر عن الأمم المتحدة والذي يعد مقدمة لتطبيق القرار رقم 194».

كما يشير الصايغ إلى أن «المفترض أن تطلب الدولة اللبنانية من السلطة الفلسطينية توحيد مرجعيتها في لبنان بمعزل عن صراعاتها الداخلية. كما يمكن للدولة اللبنانية أن تطلب من عباس أن تقدم السلطة الفلسطينية ملفا متكاملا لتأكيد وجود سفارة لدولة فلسطين في لبنان على المستوى الدبلوماسي، ما يعني تشكيل مرجعية فلسطينية موحدة. ومن ثم القبول بما ينتج عن طاولة الحوار الوطني في للبنان بشأن نزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وتنظيمه وضبطه داخل المخيمات مقابل التعهد اللبناني الذي يقضي بتحسين أوضاع اللاجئين الاجتماعية والاقتصادية».

وعن الملفات الأخرى التي قد يطرحها عباس والمرتبطة بالعلاقات الثنائية بين السلطة الفلسطينية ولبنان، يقول دبسي «أما الملفات التفصيلية المتعلقة بالوضع الفلسطيني في لبنان وتطوير العلاقات اللبنانية ـ الفلسطينية، فقد وصل الجانبان إلى منتصف الطريق من حيث قبول لبنان تطوير المكتب التمثيلي للسلطة الفلسطينية إلى إعلان سفارة فلسطينية لديه، كما طرح مجلس الوزراء السابق عندما طلب رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي، فأقر الأمر من حيث المبدأ مع تأجيل الإجراءات. وبالتالي لا بد أن تسهم هذه الزيارة في تنفيذ الإجراءات اللازمة لرفع مستوى التمثيل إلى سفارة». ويضيف «كذلك لا بد من الاتفاق على جملة من الملفات العالقة حتى حينه والتي تخص أوضاع الفلسطينيين في لبنان. وهذا الاتفاق لا يمكن الوصول إليه بمعزل عن مناقشات بين الطرفين بحيث يستطيع كل طرف منهما تفهم معاناة الآخر ومشكلاته لتأتي الحلول مرضية لهما ولا تتعارض مع أي مصلحة وطنية لبنانية أو فلسطينية».

وكان المجلس الدنماركي للاجئين قد أصدر بيانا حول الفلسطينيين فاقدي الأوراق الثبوتية في لبنان، بناء على مسح ميداني أجراه مع عدد من الشركاء المحليين منذ عام 2005، أشار فيه إلى أن عدد العائلات الفلسطينية التي لا تحمل أوراقا ثبوتية هو 462 عائلة، تضم 2122 فردا. من هؤلاء الأفراد يبلغ عدد فاقدي الأوراق الثبوتية 1798 فردا، أما الـ324 الباقون فهم زوجات لهؤلاء الأفراد، وهن إما لاجئات فلسطينيات في لبنان أو لبنانيات.