العالم يسعى لإنقاذ الكوكب من تغيرات المناخ.. وبان متفائل

استطلاع: تراجع القلق العالمي من ظاهرة الاحتباس * الأمم المتحدة تطالب بمليارات «عاجلة» للدول الأكثر تضررا

عامل يعدل صورة بيانية عن موضوع المناخ في إحدى البنايات بكوبنهاغن أمس (رويترز)
TT

تتجه أنظار العالم إلى كوبنهاغن، حيث يلتقي ممثلو 192 دولة اعتبارا من اليوم في محاولة للتوصل إلى اتفاق يسمح بالتصدي لظاهرة الاحتباس الحراري وما تخلفه من كوارث متوقعة. ويسعى مندوبو 192 بلدا بينهم نحو مائة رئيس دولة، إلى التوصل في قمة كوبنهاغن التي تنتهي في 18 من الشهر الحالي لاتفاق يسمح بالحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض وتجنب التقلبات المناخية الكبيرة التي تنعكس سلبا في المقام الأول على الدول الفقيرة.

وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، أنه يعتقد أن قمة كوبنهاغن ستفضي إلى «اتفاق توقع عليه كافة الدول» الأعضاء في الأمم المتحدة. وقال بان في حديث لصحيفة «برلينغسكي تيديندي» الدنماركية: «إني متفائل بشأن كوبنهاغن. سنتوصل إلى اتفاق وأعتقد أنه سيوقع من قبل كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وستكون قمة تاريخية». وأضاف «نتمتع بالروح السياسية المناسبة. اتفق جميع رؤساء الدول والحكومات على هدف مكافحة ظاهرة الاحتباس. الآن علينا أن نتفق على طريقة تطبيقه. ستسير الأمور بشكل جيد». وتابع أن «قمة كوبنهاغن هي الفرصة المناسبة للتفاوض حول ما نعرفه» داعيا إلى «عدم هدر الوقت لأن كافة الحكومات في العالم متفقة على أن متوسط درجات الحرارة يجب ألا تزيد على درجتين مئويتين».

وللضغط على المندوبين، تجري آلاف المنظمات غير الحكومية استعداداتها على قدم وساق في العاصمة الدنماركية، إذ تمركز خبراؤها في مقر المؤتمر وبات ناشطوها مستعدين لتنفيذ بعض التحركات المدهشة. ورست سفينة «اركتيك صنرايز» التابعة لمنظمة «غرينبيس»، أمس، قبالة البرلمان الدنماركي ورفعت يافطة كتب عليها «مناخنا، مستقبلنا، قرارنا».

وفي موازاة القمة سيقام منتدى بديل يشارك فيه نحو 10 آلاف شخص قرب المحطة المركزية، حيث سيقدم ضحايا التقلبات المناخية في بنغلاديش ونيجيريا وغرينلاند شهادات عن معاناتهم بسبب الخلل نتيجة ارتفاع الحرارة 0.8 درجة مئوية خلال قرن. وهذا الحدث التاريخي الذي سيحاط بإجراءات أمنية مشددة مع انتشار أكثر من نصف عدد قوات الشرطة الدنماركية، أي ستة آلاف على الأقل، ويمكن رفع درجة التأهب إلى 85%.

ويبدو أن هدف القمة الحد من ارتفاع معدل درجات الحرارة بدرجتين مئويتين، غير واقعي نظرا إلى التزامات الجهات الرئيسة في المفاوضات. وأكدت دراسة نشرتها منظمة «كلايمت أناليتيكس» الألمانية العلمية غير الحكومية، أول من أمس، أنه في الإطار الحالي للمفاوضات، نتجه إلى زيادة درجة حرارة الأرض بثلاث درجات ونصف درجة بحلول نهاية القرن.

والثمن الذي يتوجب دفعه سيتمثل في تراجع محاصيل الحبوب وانقراض عدد كبير من الأنواع الحية وارتفاع مستوى المحيطات والهجرة القسرية لمئات ملايين الأشخاص الذين يفرون من الفيضانات والجفاف.

وتفاديا لهذا السيناريو يسعى اتفاق كوبنهاغن لتبني خفض كبير لانبعاثات الغازات الدفيئة المرتبطة باستخدام النفط والغاز والفحم الحجري وقسمها إلى النصف بحلول عام 2050 مقارنة مع 1990 بحسب علماء مجموعة الخبراء المفوضين من الأمم المتحدة. ويوصي هؤلاء بالسعي اعتبارا من 2020 إلى خفض ما بين 25 إلى 40% من انبعاثات الدول الصناعية.

ومنذ تبني معاهدة الأمم المتحدة حول التقلبات المناخية في 1992 في ريو، ازدادت الانبعاثات العالمية بـ 30%. وينتهي العمل ببروتوكول كيوتو في نهاية 2012. وكيوتو هي أول معاهدة دولية لخفض الانبعاثات العالمية التي تم تبنيها في 1997 ودخلت حيز التنفيذ في 2005. ولا بد من إيجاد أداة دولية جديدة لتمديد البروتوكول وخصوصا ترسيخ الجهود لمكافحة الاحتباس.

وحمل الأسبوعان الماضيان بوادر مشجعة خصوصا التزامات بالأرقام من قبل الدول الملوثة الرئيسية بعد عودة الولايات المتحدة إلى دائرة المفاوضات حول المناخ بعد أن قاطعها الرئيس السابق جورج بوش لثماني سنوات وكذلك الصين والهند.

وأعادت مشاركة الرئيس الأميركي باراك أوباما في المفاوضات في 18 من الشهر الحالي إحياء الآمال. واعتبرت الأمم المتحدة أمس أن الأمر سيتطلب عشرة مليارات دولار سنويا، إضافة إلى المساعدة في التنمية خلال السنوات الثلاث المقبلة لتلبية الاحتياجات العاجلة للدول الأكثر عرضة للتأثر بالتغييرات المناخية. وقال إيفو دي بوير، السكرتير التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة، بشأن التغيرات المناخية للصحافيين في كوبنهاغن «على المدى القصير سنكون في حاجة إلى عشرة مليارات دولار عام 2010 وعشرة مليارات في 2011 وأيضا عشرة مليارات في 2012. ويجب أن يصرف هذا التمويل سريعا». وشدد بوير على أن «هذه الأموال يجب أن تكون حقيقية وكبيرة وفورية وإضافية» إلى مبلغ المساعدة على التنمية.

وأظهر استطلاع للرأي نشرت نتائجه أمس أن قلق العالم إزاء التغير المناخي تراجع خلال العامين المنصرمين. وأبرز المسح الذي أجرته مؤسسة «نيلسن» لاستطلاعات الرأي وجامعة أكسفورد أن 37% من أكثر من 27 ألف مستخدم للإنترنت في 54 دولة قالوا إنهم «قلقون جدا» بشأن التغير المناخي انخفاضا من 41% في استطلاع مماثل قبل عامين.

وقالت مؤسسة «نيلسن» عن الاستطلاع الذي أجري في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي «انشغال العالم بالتغير المناخي يفتر». وربطت التراجع بالتباطؤ الاقتصادي العالمي. وفي الولايات المتحدة تراجع عدد من تشغلهم تلك القضية إلى 25% من 34%. وفي الصين، أكبر مصدر للانبعاثات الغازية، ارتفع عدد من يشغل بالهم التغير المناخي إلى 36% من 30%. وأوضح المسح أن القلق بلغ ذروته في أميركا اللاتينية ودول آسيا والمحيط الهادئ وعلى رأسها الفلبين التي ضربها الإعصار كيتسانا في سبتمبر (أيلول) الماضي، حيث بلغت النسبة 78%. ولم يغط الاستطلاع معظم أفريقيا.

وأنحت دول شرق أوروبا، وهي الأقل قلقا بشأن التغير المناخي، باللائمة على النشاط الإنساني في انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري جراء حرق الوقود الأحفوري. وجاءت استونيا في ذيل القائمة إذ قال 10% من سكانها فقط إنهم قلقون بشأن تلك الظاهرة.

وتجري قمة كوبنهاغن وسط إجراءات أمنية مشددة. فقد أغلقت السلطات الطرق المحيطة بمركز «بيلا سنتر» الذي تعقد فيه الاجتماعات ويبعد نحو 7 كيلومترات من وسط العاصمة الدنماركية. وقطعت السلطات بعد ظهر أمس لفترة قصيرة الطرقات المؤدية إلى «بيلا سنتر»، بسبب الاشتباه في حقيبة متروكة حسبما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية. وهذه الحقيبة، التي تبين لاحقا أنها غير مفخخة، دفعت بالأجهزة الأمنية إلى منع الانتقال من وإلى المركز لمدة نصف ساعة.