المتهم الزهراني كان نشطا في نشر بحوث علمية.. والبروفسور القتيل من أصل لبناني

أستاذ بالجامعة: يعتصرنا الألم للطرفين.. والطالب السعودي جاء لنا برسالة ماجستير وكان يبلي بلاء حسنا

TT

بينما رفضت شرطة مقاطعة بلوم (في ولاية نيويورك) تقديم تفاصيل عن جريمة قتل ريتشارد أنطون، الأستاذ في جامعة بنغهامتون، في المقاطعة نفسها، والمتهم فيها طالبه السعودي عبد السلام. س. الزهراني، تجرى استعدادات لدفن أنطون، وسط أخبار وتعليقات عن وجود أسباب أو خلفيات دينية للجريمة. وقالت صحيفة «برس آند صن» التي تصدر في بنغهامتون (في ولاية نيويورك) حيث جامعة بنغهامتون أمس، إن صلاة تذكارية على روح أنطون سوف تقام يوم الجمعة في كنيسة «يونيتيريان يونيفيرسالت» (الموحدون الكونيّون) في المدينة نفسها، وإن التبرعات ستذهب إلى برنامج الكنيسة للحوار بين الأديان. وكانت أخبار قالت إن أنطون ليس يهوديا، وإنه يتبع هذه الكنيسة، لكن أنطون نفسه في مقدمة كتابه الأخير قال إنه انتقل من المسيحية إلى اليهودية، دين زوجته.

وأمس، نقل تلفزيون «فوكس» مشاهد من الجامعة توضح رفع الحظر عن قاعة العلوم التي قتل فيها أنطون يوم الجمعة الماضي، ومناظر عن عودة الطلبة والطالبات والأساتذة والعاملين فيها إليها. واستمر التعبير عن الحزن والدهشة في حرم الجامعة. قالت كاديم غيبسون: «هذه هزة كبيرة.» وقالت دانيال ريتشموند: «كان كل واحد يقدر على أن يتحدث معه إذا احتاج إلى أي شيء».

وأصدرت لويس ديفلور، رئيسة الجامعة أمس بيانا جديدا، طمأنت فيه الطلبة والطالبات باستتباب الأمن في الجامعة. وقالت: «جامعة بنغهامتون مكان آمن، لكننا لسنا محميين من أعمال العنف غير المفهومة». وأضافت: «كان هذا حادثا منفردا، وتمت مواجهته، والآن، لا يوجد خطر في حرم الجامعة». وقالت: «نقدر على أن نواصل جهودنا، في سلام وتفانٍ أكاديمي». ثم نشرت أرقام تليفونات وعناوين لمن يملك معلومات عن الحادث، ولمن يريد استشارات نفسية. وكان الزهراني نشطا، ليس فقط في مجال التحضير للدكتوراه، التي كان يشرف عليها أنطون، الأستاذ المتهم بقتله، ولكن، أيضا، في مجال نشر أبحاث علمية في دوريات أكاديمية أميركية. واختار لرسالة الدكتوراه عنوان: «أصوات مقدسة ومناظر مدنسة: الحواس والكونيّات والمعارف في الثقافة العربية القديمة». وخلال الأشهر القليلة الماضية، نشر بحثا أكاديميا في «جورنال أوف ميتافور آند سيمبول» (دورية الاستعارة والرمز) عنوانه: «استعارات داروين في نظرية التطور». وقدم بحثا للنشر إلى «جورنال أوف ديسكورس ستاديز» (دورية الدراسات الخطابية) عنوانه: «بحار من حبر: تصورات سياسية حديثة في تأويلات وتفسيرات قرآنية». وكتب بحثا ليقدمه إلى مؤتمر التاريخ الأميركي العربي عنوانه: «التعليم في الدول العربية: من علمانية التعليم إلى أسلمة العلوم». وفي مقدمة كتابه عن «الأصولية الدينية في الإسلام والمسيحية واليهودية»، كتب البروفسور أنطون أن أصله لبناني، وأنه تحول من المسيحية إلى اليهودية.

وكتب: «كي أنصف نفسي وأنا أقدم هذا الكتاب، وليعرف القراء موقفي الديني، فلا بد أن أتحدث عن عقيدتي». وقال إن جده من جهة والده هاجر إلى البرازيل من لبنان في نهاية القرن التاسع عشر. ثم إلى الولايات المتحدة، وإن جده كان «متنوعا دينيا». عندما وصل إلى ولاية ماساجوستس، طلب منه القسيس الكاثوليكي في مدينته أن ينضم إلى كنيسته، ورد بأنه لا يرى فرقا «بين أن يصلي في كنيسة أو في مسجد». وقال أنطون إن والدته، بالإضافة إلى والده، تنتمي إلى عائلة لبنانية هاجرت إلى البرازيل في وقت سابق. وقال إنه هو نفسه تحول من الكاثوليكية إلى البروتستانتية. وأضاف: «لكن، في وقت لاحق، دخلت اليهودية، الجناح الإصلاحي، وذلك عن طريق زوجتي (اليهودية)».

وفي جامعة بنغهامتون قال تقرير لـ«نيويورك تايمز» إن كثيرين عانقوا بعضهم بعضا وأجهش البعض بالبكاء لدى مرورهم أمام مكتب البروفسور ريتشارد تي. أنطون، بينما حاول فريق ثالث تشتيت الانتباه بعيدا عن الحزن بالحديث عن الامتحانات والأبحاث الواجب تسليمها مع قرب نهاية هذا الفصل من العام الدراسي بحلول الجمعة القادم. كان دكتور أنطون قد لقي مصرعه، الجمعة، داخل مكتبه على يد الزهراني الذي وجه إليه عدة طعنات، طبقا لما أعلنته السلطات. الاثنين هو أول يوم تستأنف فيه الدراسة على نحو كامل منذ وقوع القتل، وأغلق مكتب دكتور أنطون وأطفئت الأنوار بداخله، بينما كانت هناك زهرة أرجوانية اللون على أعتاب الباب. وداخل المكتب، بدا الوضع العام طبيعيا، حيث كانت هناك أكوام من الكتب والأوراق ورسم توضيحي لخريطة العراق على لوحة، حيث كان دكتور أنطون خبيرا في دراسات الشرق الأوسط. في تلك الأثناء، قالت «نيويورك تايمز» إن الصورة بدأت تتضح حول تفكير المشتبه فيه، عبد السلام إس. الزهراني، خلال الساعات والأيام السابقة للجريمة. وطبقا لشهادة أقرانه وأساتذته، انتابه كرب شديد حيال عدم تلقيه مساعدة مالية وكان يفكر في سبيل لتمويل العمل الميداني المرتبط برسالته العلمية في ديترويت. وكان دكتور أنطون عضوا في اللجنة المشرفة على رسالة الزهراني. وعلى الرغم من أن المشتبه فيه لم يبد أمام أقرانه قط أي غضب حيال البروفسور، فإنه كان يشعر بالحنق بصورة واضحة إزاء مكانته داخل قسم الأنثروبولوجيا. وقبيل قتل دكتور أنطون بأقل من ساعة، التقى الزهراني بروفسورا آخر واستفسر منه حول ما إذا كان بإمكانه التحويل إلى برنامج الفلسفة والترجمة والثقافة وتلقي مساعدة مالية، طبقا لما قاله البروفسور جوشوا برايس، الذي أضاف أن الزهراني بدا عليه التوتر بسبب وضعه المالي. وقال أقران الزهراني في الحجرة إنهم لاحظوا عليه إمارات توتر وميل للسلوك العنيف على نحو متزايد، وذكر أحدهم أنه حذر مسؤولي الجامعة في الأسابيع الأخيرة من إمكانية تحول الزهراني إلى مصدر خطر. وقد التقى أعضاء قسم الأنثروبولوجي لمدة 90 دقيقة، الاثنين، في المبنى ذاته حيث يوجد مكتب دكتور أنطون. وقال بعض من حضروا اللقاء إن الحشد تحدث حول أن المأساة الحقيقية لا تقتصر على مقتل دكتور أنطون، وإنما كذلك في أن عضوا من بينهم متهم بهذا الجرم. من جهته، قال البروفسور إتش. ستيفين سرتيت: «كلنا يعتصرنا الحزن لكلا الطرفين. إنها مأساة بشعة تلك التي ألمت بديك، ومأساة أيضا أن يكون المشتبه فيه المزعوم واحدا منا». وأشار دكتور سرتيت إلى أن مسؤولي الجامعة نصحوا من حضروا الاجتماع بالامتناع عن الحديث إلى وسائل الإعلام، لكنه قرر الحديث علانية نظرا للعلاقة الوثيقة التي ربطته بالدكتور أنطون وتعود إلى السبعينات، عندما بدأ كلاهما التدريس في بنغهامتون. وقال: «تكمن المفارقة المأساوية في أن يسقط ضحية لشخص يعاني جنون الاضطهاد وأوهاما حيال هويته، بالنظر إلى أن ديك قضى عمره بأكمله يحاول فهم الناس وهوياتهم». وطبقا لما ذكره آندرو ميريويزر، مدير شؤون الدراسات العليا بقسم الأنثروبولوجي، فإن الزهراني، وهو سعودي الجنسية، كان يحظى باحترام كبير وكان ينوي السفر إلى ديربورن في ميتشغان للقيام بالدراسة الميدانية اللازمة لرسالته. وأضاف: «لقد سمحنا له بالانضمام إلينا، مع العلم بأننا نحرص على انتقاء طلابنا. وقد جاء إلينا برسالة ماجستير وكان يبلي بلاء حسنا للغاية مقارنة بغيره من الطلاب». من جهة أخرى، أعلن جاي إل. ويلبر، رئيس مكتب المحامي العام في مقاطعة بروم أن المكتب تلقى موافقة، الاثنين، بتمثيل الزهراني، على الرغم من أنه ربما يطلب توكيل محام خاص. في الوقت نفسه، استغلت صحف أميركية يمينية الحادث لربطه بالحرب التي أعلنتها الحكومة الأميركية ضد الإرهاب. وكتبت صحيفة «واشنطن اكزامينار» التي تصدر في واشنطن ومدن رئيسية أخرى تقريرا تحت عنوان: «هل قتل أستاذ جامعي مؤخرا عمل إسلامي إرهابي؟». وقالت: «أسرع جيرالد مولين، المدعي العام لمقاطعة بروم (حيث جامعة بنغهامتون)، وقال إن التطرف الإسلامي لا صلة له بالحادث. لكن، قال لويس بنيا، الذي شارك الزهراني في منزل الإيجار، إن الزهراني اشتكى من أنه تعرض لإهانات وإساءات بسبب عقيدته الإسلامية، وإن الزهراني قال إنه يحس وكأنه يريد أن يدمر العالم». وأضافت الصحيفة: «من وقت لآخر، نرى مسؤولين حكوميين يسارعون ويقولون إن جريمة معينة ارتكبها رجل انطوائي أو انعزالي أو مصاب بمرض نفسي. وينفون أن للجريمة صلة بالإسلام المتطرف. ومن وقت لآخر، وبعد مرور فترات ليست طويلة، نكتشف أن الجريمة كانت، في الحقيقة، عملا إسلاميا إرهابيا».

وأشارت الصحيفة إلى نضال حسن، الطبيب النفسي العسكري الأميركي الفلسطيني، المتهم بقتل 13 عسكريا قبل شهرين في قاعدة «فورت هود» (ولاية تكساس). وقالت إن كثيرين، منهم الرئيس باراك أوباما، طلب عدم اتهامه بالإرهاب حتى تنتهي التحقيقات معه.