الاتحاد الأوروبي يهدد إيران بـ«إجراءات ملائمة» في يناير.. وغيتس يلمح إلى عقوبات صارمة

وزير الدفاع الأميركي: الخيار العسكري ما زال مطروحا * مخاوف من أن العقوبات ستطال المتظاهرين لا النظام

ـ شرطي بحريني يقوم بدورية في مقر مؤتمر أمن الخليج المعروف بـ«حوار المنامة»، الذي بدأ أمس، وتشارك فيه إيران (أ.ب)
TT

دعا قادة الاتحاد الأوروبي أمس إلى اتخاذ إجراءات دولية ضد إيران بسبب رفضها التعاون بشأن ملفها النووي، وفشلها في توضيح نياتها، وهددوا بعقوبات جديدة إذا رفضت العودة إلى المفاوضات. في وقت توقع فيه وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس أمس أن يفرض المجتمع الدولي عقوبات إضافية مهمة على إيران، بسبب موقفها السلبي.

وقال بيان صادر من القادة الأوروبيين في ختام قمتهم أمس في بروكسل، إن «الرئيس الإيراني فشل في تلبية المطالب الدولية، وإن حكومته أظهرت عدم رغبة في التفاوض والإجابة على بعض الاستفسارات الدولية». وحث القادة إيران على الانصياع دون تأخير لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للمنظمة الدولية. وقال البيان إن مجلس الاتحاد الأوروبي المكون من 27 دولة «يعبّر عن قلقه البالغ لأن إيران لم تفعل حتى الآن أي شيء لإعادة بناء ثقة المجتمع الدولي في الطبيعة السلمية البحتة لبرنامجها النووي». وأضاف البيان مؤكدا أن الاتحاد الأوروبي لا يزال منفتحا على التوصل إلى حل من خلال التفاوض: «إن فشل إيران المستمر في تلبية التزاماتها الدولية وعدم اهتمامها على ما يبدو باستئناف المفاوضات يتطلبان ردا واضحا بما في ذلك اتخاذ إجراءات ملائمة». ويستخدم الاتحاد الأوروبي عبارة «إجراءات ملائمة» للإشارة إلى العقوبات. وذكر البيان أن الاتحاد سيدعم خطوات مجلس الأمن الدولي وأنه مستعد أيضا لاتخاذ إجراءات خاصة به. وقال قادة الاتحاد إن وزراء خارجية الدول الأعضاء سيبحثون الخيارات في اجتماعهم المقبل في بروكسل يوم 21 يناير (كانون الثاني).

وقال فريدريك راينهارت رئيس وزراء السويد رئيس القمة الأوروبية إنه «من المهم وقوف مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي جنبا إلى جنب، وتبنّي موقف حازم من إيران في ما يتعلق بالملف النووي». ومن وجهة نظر الكثير من المراقبين في بروكسل، فإن البيان يعكس نفاد صبر الدول الأوروبية جراء المماطلة والتهرب الإيراني من تقديم رد نهائي على العرض الدولي.

ووجهت بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة تهديدا إلى إيران أول من أمس بأنها قد تواجه المزيد من العقوبات بسبب برنامجها النووي لكن روسيا والصين لمّحتا إلى أنهما غير مقتنعتين بالحاجة إلى فرض المزيد من الإجراءات العقابية على الجمهورية الإسلامية. وقال السفير الفرنسي في مجلس الأمن جيرار أرو للمجلس أن باريس مستعدة لبدء وضع مسوَّدة قرار للعقوبات قريبا. وصرح دبلوماسيون في الأمم المتحدة بأن مسؤولين بارزين من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين قد يجتمعون الأسبوع المقبل لمناقشة قضية إيران التي يشتبه الغرب بأنها تسعى لامتلاك أسلحة نووية.

وترفض إيران هذه المزاعم كما ترفض مطالب الأمم المتحدة بأن تقف برنامجا تقول إنه لا يهدف إلا إلى توليد الكهرباء. وأكد بيان الاتحاد الأوروبي أيضا قلقه الشديد بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في إيران والقلق المتزايد بشأن العاملين في سفارات دول الاتحاد ومواطنين تابعين له قدموا للمحاكمة في إيران. وكرر البيان سياسة الاتحاد الأوروبي القائلة بأن «أي إجراء ضد إحدى الدول الأعضاء يُعتبر إجراء ضد الاتحاد الأوروبي ككل».

إلى ذلك قال وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس أمس، إنه يتوقع أن يفرض المجتمع الدولي عقوبات إضافية مهمة على إيران بسبب برنامجها النووي. وقال غيتس متحدثا إلى مجموعة من الجنود الأميركيين في قاعدة على مقربة من كركوك شمال بغداد: «أعتقد أنكم ستشهدون فرض المجتمع الدولي بعض العقوبات الإضافية المهمة على إيران إذا لم تغير من طريقتها وتوافق على تنفيذ الأشياء التي قبلتها في أول أكتوبر (تشرين الأول)» في إشارة إلى اتفاق كانت ستنقل إيران بموجبه كمية من مخزون إيران من اليورانيوم الضعيف التخصيب (3.5%) لاستكمال تخصيبه إلى 20% في روسيا قبل تحويله في فرنسا إلى وقود نووي لمفاعل أبحاث في طهران. وترى قوى غربية أن الاتفاق يحد من قدرة إيران على تحويل اليورانيوم منخفض التخصيب حتى يمكن استخدامه في صنع القنابل لكن طهران تراجعت عن الاتفاق في نهاية الأمر. وأضاف غيتس أن «إيران تتحايل على الأسرة الدولية بشأن بعض المقترحات التي وافقت عليها في بداية أكتوبر، وهذا حمل الأسرة الدولية بما فيها الروس والصينيين على توحيد صفوفها كما لم تفعل من قبل».

وكانت روسيا والصين، وهما من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، تمانعان تشديد العقوبات على إيران مؤيدتين المساعي الدبلوماسية لحمل إيران على تبديل موقفها. غير أن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، الأعضاء الدائمين الآخرين في مجلس الأمن، لم تستبعد اللجوء إلى القوة، وقد كرر غيتس الموقف الأميركي هذا. وقال: «لا يمكن سحب أي خيار من الطاولة»، لكنه أضاف أن «أي تحرك عسكري سيكسبنا بعض الوقت فحسب، ربما سنتين أو ثلاثا».

التشكيك في نجاعة العقوبات: وفي وقت يهدد فيه المجتمع الدولي بفرض عقوبات جديدة على إيران لجعلها ترضخ لمطالبه بشأن برنامجها النووي، فإن شكوكا كبيرة تحوم حول إمكانية استهداف النظام دون أن يتضرر الشعب، وأيضا بشأن التطبيق الفعلي لأي إجراءات جديدة. وحسب محللين سياسيين فإن من المهم تحديد أهداف العقوبات الجديدة بشكل دقيق، وإيجاد سبل لمنع تحويل العقوبات، والحصول على مشاركة نزيهة من قِبل شركاء ذوي وزن قادرين على ممارسة ضغوط قوية مثل روسيا والصين والهند.

وحسب هؤلاء المحللين فإن المناقشات والخيارات الجديد هذه المرة ستكون فرض عقوبات تستهدف القطاع المصرفي والسفر والاستثمارات، بما في ذلك على سبيل المثال القدرات على تكرير النفط وكذلك واردات المنتَجات النفطية المكررة، علما بأن إيران تستورد أكثر من نصف وقودها، ويبلغ حجم صادراتها 70 مليار دولار في السنة.

وقال فرنسوا هايسبور من معهد الأبحاث الاستراتيجية لوكالة الصحافة الفرنسية إنه «في حال أقرت هذه العقوبات، فهذا سيعود إلى إعطاء الحكومة سبعين مليار دولار لتنفقها على شيء آخر». وتابع أن «ثمة حاليا نظام تقنين مفروضا»، ومع ارتفاع التضخم «سوف يؤدي الأمر إلى معاقبة الفقراء وزيادة ثراء سكان ضاحية طهران الشمالية». ورأى تييري كوفيل من معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية من جهته أنه «من الخطأ الاعتقاد بأن الصعوبات التي يواجهها الشعب ستحمل النظام على تبديل رأيه. هذه العقوبات سيتحمل أعباءها سكان يتظاهرون، وفي هذا تناقض تام». وأضاف أن العقوبات قد تزيد الدعم لخطاب النظام المتشدد بشأن البرنامج النووي وهو «من الموضوعات النادرة التي لا يزال (الشعب) يستمع إليه فيها».

من جهته أبدى وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير تحفظا شديدا على فرض حظر على البنزين معتبرا أنه سيضر بالمواطنين الإيرانيين الذي يعانون أساسا الصعوبات الاقتصادية. ولفت كوشنير إلى وجود شبكات في هذا الاقتصاد الخاضع للحظر منذ ثلاثين عاما، تدير عمليات استيراد موازية تمثل ثلث الواردات الرسمية ويشرف على معظمها الحرس الثوري والمؤسسات الدينية.

ويشير مراقبون إلى أن ما يزيد من التشكيك حيال العقوبات أن الحدود الإيرانية غير مضبوطة مع تركيا واسيا الوسطى والعراق وباكستان، مع الإشارة إلى استخدام التجارة الإيرانية لدبي كقاعدة خلفية تنشط فيها عبر شراكات تنشئها مع شركات مقيمة في هذه الإمارة. أما العقوبات المشددة على حركة الأموال، فأوضح تييري كورفيل أنها إن كانت تؤلم النظام بالتأكيد، فإن المصارف الإيرانية التي تملك احتياطيا جيدا بالعملات الصعبة ستجد مصارف ثانوية باكستانية أو تركية أو غيرها لتمويل وارداتها، ولو بكلفة أعلى.

وفي ما يتعلق بالعقوبات على الاستثمارات، فينبغي حتى تكون فاعلة أن يطبقها الجميع، من الشركات الألمانية الصغيرة والمتوسطة إلى كبار المستثمرين الحكوميين في الصين مثلا. والعقوبات المجدية حقا يمكن أن تأتي من الصين أو روسيا، غير أن هذين البلدين هما الأكثر تحفظا بهذا الشأن. وقال فرنسوا هايسبور: «إن الصين التي استثمرت مبالغ طائلة في إيران وتحديدا في المنتجات النفطية والقطاع البتروكيميائي، يمكن أن تقرر حظر هذه المشروعات. وبالنسبة إلى الروس، فهناك الاستثمارات من نوع محطة بوشهر النووية المدنية ومبيعات الأسلحة». ويطال التشكيك أيضا «العقوبات الذكية» التي تستهدف النخبة في السلطة، إذ يبدو من الصعب توخي الدقة في استهداف مصالح الزعماء الذين يملكون في غالب الأحيان شركات يستخدمونها كواجهة. وشدد فرنسوا هايسبور على وجوب أن تستمر العقوبات عشر سنوات أو أكثر لتكون فاعلة، ما لا يتناسب مع ضرورة التحرك على وجه السرعة بشأن البرنامج النووي الإيراني.