المظاهرات في إيران تظهر انقساما بين دعاة الإصلاح والتغيير الشامل

قلة من المتظاهرين لبسوا الشارات الخضراء.. واستهدفوا المرشد.. وحملوا أعلام ما قبل الثورة

TT

في شريط الفيديو، الذي كان من بين مئات الأفلام التي تم تصويرها خلال المظاهرات التي عمت أرجاء البلاد يوم الاثنين، كان صوت النساء الغاصبات واضحا عندما قامت شاحنة شبه عسكرية بدفع دراجة نارية خارج الطريق وسط حشود المتظاهرين. صرخت متظاهرة وهي تشير إلى الشاحنة: «هذه هي الجمهورية الإسلامية».

ما أصبح أمرا شائعا بشكل لافت في المظاهرات الأخيرة هو إعلان المتظاهرين بأن هدفهم ليس الرئيس محمود أحمدي نجاد وحده أو الانتخابات المتنازع عليها التي عادت به إلى السلطة في يونيو (حزيران)، ولكن المؤسسة الحاكمة بأكملها. خلال المظاهرات التي وقعت يوم الاثنين غابت النبرة المدنية التي صبغت الكثير من المسيرات السابقة، ولم تكن هناك إشارة على وجود مير حسين موسوي، الإصلاحي الذي يدعم التغيير داخل النظام، ولم يرتدِ سوى القليل من المتظاهرين الشارات الخضراء، رمز حملته.

كان غالبية المتظاهرين من الشباب الذين يستهدفون المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، علي خامنئي، وهم يرددون «خامنئي يعلم أن ساعته قد حانت»، ورفعوا الأعلام السابقة لثورة 1979، كان الأمر الأكثر تأثيرا هو إقدام بعضهم على إحراق صورة آية الله روح الله الخميني، أبو الثورة الإيرانية. ويشير المحللون إلى أن تلك الظاهرة التي بدأت تشق طريقها تؤكد على وجود الصدع داخل حركة المعارضة، ممثلة مشكلة لقادتها من أمثال مير حسن موسوي، ورجل الدين الإصلاحي مهدي كروبي.

وقال راي تكية، الخبير في الشؤون الإيرانية في مجلس العلاقات الخارجية، الذي عمل مع وزارة الخارجية: «استمرار هذه الأمر يعني صعوبات أكبر بالنسبة لمير حسين موسوي وكروبي في تعزيز موقفهما الحالي. إذ سيتوجب عليهما في وقت ما الاختيار ما بين بقاء النظام أو التحول إلى قادة لحركة المعارضة الداعية إلى ما هو أكثر من الإصلاح».

وخمن البعض في إيران عدم ارتياح موسوي وكروبي من بعض المظاهرات التي وقعت في الآونة الأخيرة التي توافقت مع إحياء ذكرى مقتل 3 طلاب على يد قوات الشاة عام 1953. وعلى الرغم من مشاركتهم في المظاهرات السابقة فإن قادة المعارضة لم ينظموا المظاهرات الأخيرة، كما لم يشاركوا في أي منها والتزموا الصمت منذ ذلك الحين. ولم يتضح بعد مدى تأثيرهم على الحركة، التي تبدو على الأغلب أنها قامت بناء على تعبئة شبه عفوية على موقع «فيس بوك» والمواقع الأخرى على شبكة الإنترنت أكثر منها على مساعدة أي من قيادات المعارضة. تلك النبرة العدوانية التي سادت احتجاجات يوم الاثنين تعكس الحقيقة التي بدأت تسود في الجامعات حيث تسود أفكار راديكالية. جدير بالذكر أن الطلبة الإيرانيين كانوا على مدار وقت طويل محور الحركات الاجتماعية في إيران، حيث يشكل الشباب أغلبية السكان، وأشار موسوي إلى أن الطلبة يشكلون نسبة 1 إلى 20 من السكان. ويشير رسول نفيسي، الأكاديمي والخبير في الشؤون الإيرانية في جامعة ستراير في فرجينيا، إلى أن الاحتجاجات التي شهدها ما لا يقل عن 10 من المدن الإيرانية تميزت بأنها أضخم حجما من المظاهرات السابقة التي صدمت النظام الإيراني عام 1999.

حتى قبل موجة الاحتجاجات الأخيرة، أشار عدد من الشخصيات البارزة في المجتمع الإيراني إلى الاتجاه نحو الراديكالية الذي بدأ يهيمن على المعارضة، وكان علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الرئيس الأسبق الذي يحظى بنفوذ بارز، قد حذر في كلمته يوم الأحد من أن «الشباب وصفوة المجتمع باتوا يشعرون بالغربة عن النظام». وانتقد الحكومة على استخدام قوات الحرس الثوري والباسيج ضد المتظاهرين.

وأضاف رفسنجاني، أحد مؤسسي الجمهورية الإسلامية، الذي قدم دعما كبيرا للمعارضة منذ الانتخابات، منتقدا بعض المحافظين الذين يعتقدون أن أصوات الإيرانيين مجرد ديكور، وعتب على هذه المجموعة قولها: «إذا كانوا يريدون منا الاستمرار في الحكم فسوف نحكم وإن يرغبوا في ذلك فسوف نمضي في طريقنا».

فيما طالب القادة الآخرون بروح تصالحية أكبر من الحكومة وكان من بين هؤلاء رجل الدين المحافظ، آية الله العظمى ناصر مكارم شيرازي، الذي أشار الأسبوع الماضي إلى وكالة «آي إس إن إيه» شبه الرسمية بأن عددا كبيرا من الأشخاص صوتوا ضد نجاد، ولذا يجب الجلوس والتفاوض.

إلا أن استجابة الحكومة للمظاهرات التي اندلعت الاثنين جاءت بعيدة تماما عن السعي للاسترضاء والتهدئة، حيث أشار الكثير من الشهود إلى أن أفراد الشرطة وميليشيات الباسيج كانوا أكثر عدوانية من أي وقت مضى منذ الصيف الماضي، حيث أقدموا على ضرب المتظاهرين بالسلاسل والهراوات، وألقوا القبض على المئات منهم في المدن عبر إيران. خلال الأيام السابقة للمظاهرات، صعد المتشددون من تحذيراتهم. على سبيل المثال، شن وزير شؤون الاستخبارات، حيدر مصلحي، الخميس، هجوما شديدا ضد رفسنجاني، متهما إياه بالانحياز إلى صف معارضي النظام الإسلامي، وذلك في إطار تعليقات نقلتها وكالة أنباء «فارس» شبه الرسمية.

وقال مصلحي: «المثير للصدمة، أن رفسنجاني عبر عن ذات الأفكار التي يتناولها زعماء المؤامرة».

وأبدى وزير شؤون الاستخبارات تحديه للمعتدلين، متهما إياهم بالانضمام إلى الهجوم ضد آية الله خامنئي.

وقال: «انضمت الكثير من القوى التي كنا نتوقع دعمها للمرشد الأعلى إلى صفوف من ثاروا ضده».

وأشار أحد المحافظين البارزين ممن وجهوا انتقادات حادة لأحمدي نجاد، ويدعى حبيب الله أصغر ولادي، إلى أن المعارضة باتت «أكثر مناوئة للثورة»، حسبما أشار موقع «خبر أونلاين» على شبكة الإنترنت.

وقد وردت أصداء لهذه التحذيرات على ألسنة الكثيرين في صفوف المعارضة، لكن على الصورة المقابلة.

على سبيل المثال، أعلنت «جمعية الكتاب الإيرانيين»، في بيان أصدرته، الثلاثاء، ونشرته على عدة مواقع على شبكة الإنترنت، أن: «النظام في طريق يهدد بقاءه. أولئك الذين يزرعون الريح يحصدون العواصف».

* خدمة: «نيويورك تايمز»