مذكرات تبليغ سورية بحق شخصيات لبنانية تثير ضجة في بيروت

مصدر قضائي لـ «الشرق الأوسط»: مفعولها محدود ويسهل الرد عليها

TT

تتفاعل قضية مذكرات التبليغ بحق مسؤولين وأشخاص لبنانيين في قطاعات رسمية وقضائية وإعلامية وغيرها، وذلك بموجب دعوى تقدم بها المدير العام السابق للأمن العام، اللواء جميل السيد، إلى السلطات القضائية السورية ضد هؤلاء الأشخاص، واتهمهم بأنهم ضللوا التحقيق في جريمة اغتيال رئيس الوزراء السابق، رفيق الحريري، وفبركوا أخبارا غير صحيحة أدت إلى اعتقاله لمدة 4 سنوات مع 3 ضباط قبل أن تفرج عنهم المحكمة الدولية بقرار صادر عنها.

وكانت وزارة العدل اللبنانية قد أعلنت، أول من أمس، في بيان صادر عنها، أنها أُبلغت، الأربعاء الماضي، بواسطة وزارة الخارجية، كتابا من السفارة السورية في بيروت أرفقت بموجبه أوراق تبليغ 25 مذكرة دعوى مدعى عليهم، وهي صادرة عن دائرة التحقيق الأولى في دمشق بتاريخ 23 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بموضوع ادعاء مقدم من قبل اللواء جميل السيد بمواد جزائية. وقد تحدد موعد النظر فيها ثانية على أن يتم درس هذا الموضوع الإجرائي والقضائي وكيفية التعامل معه من الوجهة القانونية، واتخاذ الموقف القانوني المناسب.

وفي هذا الإطار، قال مصدر قضائي لبناني رفيع المستوى لـ«الشرق الأوسط» إن «وزارة العدل تلقت مذكرات تبليغ لا استنابات قضائية بحق عدد من الأشخاص، بناء على الدعوى المقامة من اللواء جميل السيد عبر دائرة التحقيق الأولى في دمشق، التي تولت السفارة السورية في بيروت تسليمها إلى الخارجية اللبنانية ومنها إلى وزارة العدل». وأضاف: «من الخطأ أن يتم الترويج لذلك، فالاستنابات هي تكليف بالتحقيق والأمر لم يحصل بهذا الشكل». وأشار إلى أن مذكرات التبليغ هذه «يبقى مفعولها القضائي محدودا جدا، ويسهل الرد عليها». وأعلن أنه سيصدر «خلال اليومين المقبلين جوابا من هيئة التشريع والاستشارات لتعيد وضع الأمور في نصابها وفق ما ينص عليه القانون». وأشار إلى «أن الجهات السورية المختصة أبلغت الأشخاص المعنيين بصفة شخصية في بادئ الأمر، وعندما تبين أن مثل هذا التبليغ غير قانوني لجأت إلى القنوات الرسمية عبر وزارة الخارجية اللبنانية. وما يثير القلق في هذه المذكرات هو الاستمرار في الدعوى وما ينجم عنها من تأثيرات لجهة الأحكام التي ستصدر في حق الأشخاص المعنيين، بحيث تسعى من خلال هذه الأحكام إلى إظهارهم، وكأن لا مصداقية لديهم. وبالتالي تحاول الإيهام بأن كل ما أدلوا به من شهادات ليس سوى تزوير وتضليل للمحكمة الدولية التي تنظر في جريمة اغتيال الرئيس الراحل، رفيق الحريري، إضافة إلى نظرها في اغتيالات باقي الضحايا. ما يعني أن هؤلاء الأشخاص أصبحوا خارج القضية».

وأشار المصدر إلى أن «توقيت إصدار هذه المذكرات يرتبط بزيارة قاضي التحقيق والمدعي العام للمحكمة، دانيال بلمار إلى بيروت، إلا أن الأمر لا يرتبط بسير التحقيق، لا سيما أن بلمار يملك حتما معطيات قوية بشأن تقدمه في العمل على ملفه، وإلا لما كان سيوسع دائرة اتصالاته خلال زيارته ويطمئن ذوي الضحايا ويتكلم للمرة الأولى بهذه الصراحة ليؤكد أنه يحرز تقدما، ويبدي تفاؤلا واضحا، وهو يقول إنه كان يتمنى لو يستطيع إخبارهم المزيد عن أسباب تفاؤله، وذلك لأنه لا يريد الكشف عن أي معلومات أو إعطاء حتى مجرد تلميحات قد يستفيد منها الأشخاص الذين تسعى المحكمة إلى كشفهم».

ويبدي المصدر ارتياحه لتطور عمل بلمار واطمئنانه إلى أن «مثل هذه المحاولات للتأثير على المحكمة الدولية لن تنجح، لأن مواجهتها بالقانون متاحة». إلا أنه ينفي معرفته بموعد صدور القرار الظني عن مدعي عام محكمة الحريري.

ومن بين الذين ادعى عليهم السيد، النائب السابق، إلياس عطا الله، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «هذا عمل فيه اعتداء على حرمة اللبنانيين لجهة رفع دعوى قضائية من سورية. وهو لا يستحق التعليق. كما أننا نعرف أن عصر الترهيب قد ولى. وعندما كان في قمة سطوته كنا نقاومه. إلا أن الواضح في هذه المسألة لا يتعلق فعلا بالقضاء. هناك أمور أخرى أبعد من ذلك. وعلى السلطات اللبنانية أن تبادر إلى توضيح ملابسات ما يحصل».

وما لم يقله علنا أي من المعنيين بالأمر، بدأ التهامس به في كواليس الصالونات السياسية، انطلاقا من أن المؤشرات تتجه أكثر فأكثر إلى سعي لـ«ترتيب تسوية قائمة على المقايضة بين هذه الدعوى وما قد يصدر عن المحكمة الدولية بشأن ملاحقة بعض المسؤولين السوريين، ما يؤدي إلى إرساء توازن معين يشكل مخرجا نهائيا للنظام في سورية من القضية». ويستشهد «الهامسون» بتصريحات صدرت عن جهات معينة في لبنان حليفة لسورية أو تدور في فلكها، وتناولت المحكمة الدولية ومصداقيتها وتسييسها. فقد اعتبرت هذه الجهات أن تصحيح خطأ ارتكبه المحقق الألماني ديتليف ميليس بالطلب إلى السلطات اللبنانية اعتقال الضباط الأربعة، لا يعني مطلقا أن المحكمة أصبحت شفافة وغير مسيسة. ما يعني أن هناك تمهيدا لمهاجمة قرارات المحكمة وتطويقا لها بكل السبل الممكنة.

كذلك بدأت تردد أخبار عن وساطة سعودية على خط هذه القضية لسحب الدعوى وتسهيل زيارة رئيس الحكومة، سعد الحريري، إلى دمشق. لكن الأوراق لا تزال غامضة في انتظار إصدار هيئة التشريع والاستشارات مطالعتها وقراراتها بشأن التصرف حيال مذكرات التبليغ.

وكان اللواء جميل السيد قد أبدى استغرابه من «حالة الاضطراب والحملة السياسية التي أعقبت تسليم الاستنابات القضائية السورية إلى المراجع اللبنانية المختصة، وفي حين أن تلك الاستنابات ليست مذكرات توقيف حتى الآن، وبالتالي يجب أن لا يخشى منها الأبرياء، بل هي تصيب فقط المتورطين في مؤامرة شهود الزور خلال التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، علما بأن تلك الاستنابات لن تتحول إلى مذكرات توقيف إلا في حالة امتناع الشخص المستدعى عن المثول أمام قاضي تحقيق دمشق، أو عندما يمثل أمامه ويتبين للقاضي من خلال التحقيق أنه متورط في تلك المؤامرة». وأكد أن «الاستنابات قانونية ومطابقة، بالشكل والمضمون، للاتفاقيات المعقودة بين لبنان وسورية». واعتبر السيد أن «الذين يضغطون اليوم باتجاه سورية لسحب تلك الاستنابات بحجة الزيارة المرتقبة للرئيس سعد الحريري إليها، مخطئون في حساباتهم وتقديراتهم، ذلك أن الدعوى قضائية وليست سياسية».

إلا أن مصادر الحريري أكدت عدم حصول أي ضغط يتعلق بالمسألة. وقال النائب السابق وعضو تيار المستقبل، مصطفى علوش، إن «هناك قناعة راسخة بأن القضاء السوري خاضع كليا للسلطة السياسية. وبالتالي فموضوع الاستنابات القضائية السورية بحق عدد من المسؤولين والشخصيات اللبنانية قرار سياسي ومحاولة للضغط على رئيس الحكومة سعد الحريري قبيل زيارته المرتقبة إلى دمشق لتعديل الموضوعات التي سيحملها معه». واعتبر أن «الهدف من هذه الاستنابات قد يكون التغطية على مسار المحكمة الدولية في وقت عاد موضوع المحكمة إلى الواجهة مع زيارة المدعي العام في المحكمة الدولية، دانيال بلمار، إلى بيروت».

من جهته، تمنى النائب مروان حمادة على «وزراء العدل والداخلية والإعلام أن يعلقوا على استدعاء كبار المسؤولين والقضاة والإعلاميين، في مسرحية الدعاوى المقامة من بعض أركان النظام البائد». وقال: «لن أتأثر بهذه المسرحية، وحصانتي الشعبية فوق حصانتي النيابية، وأستفسر عن موقف الحكومة من هذا المشهد المذل».