مقايضة تسليح الجيش اللبناني بتنفيذ القرار 1701.. أم فرض شروط لنزع سلاح حزب الله

قراءة لزيارة الرئيس اللبناني إلى واشنطن:

الرئيس اللبناني ميشال سليمان خلال اجتماعه أمس في واشنطن بوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون (تصوير: دالاتي ونهرا)
TT

ينهي رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان زيارته إلى الولايات المتحدة الأميركية على أن يعود اليوم إلى بيروت. ولكن مفاعيل الزيارة لا تزال على «نار حامية»، لا سيما أن «بيت القصيد» فيها، أي السلاح خارج الشرعية اللبنانية، كانت له الحصة الأكبر من الاختلاف في الرأي الذي لم «يفسد للود قضية» بين سليمان والرئيس الأميركي باراك أوباما اللذين اجتمعا أول من أمس. ملامح الود ظهرت في إشارة أوباما إلى شجرة الأرز اللبنانية المزروعة في حديقة البيت الأبيض، والتي «نصر على أن نرويها بشكل دائم، بينما نستمر في ري العلاقة الطيبة والصداقة بين بلدينا»، وفي وصفه اجتماعه بالرئيس اللبناني بأنه «كان هاما يرتقي إلى أهمية العلاقات بين البلدين»، وإشارة إلى «الصداقة القوية لا سيما أن هناك مليوني أميركي من أصل لبناني في الولايات المتحدة». سليمان أعلن من البيت الأبيض عناوين أجندة الرئاسة اللبنانية فطالب بتسليح الجيش اللبناني، وسعى من خلال طرحه للقضايا إلى التوازن بين الاعتدال العربي المتمثل بمبادرة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، والقبول بموقع حزب الله في التركيبة اللبنانية والمفترض أن يبحث سلاحه في إطار الاستراتيجية الدفاعية التي ستستضيفها طاولة الحوار برعايته. كما طالب بالضغط على إسرائيل لوقف اختراقاتها المتواصلة للقرار 1701.. إضافة إلى تأكيد رفض التوطين وإعطاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين وتأمين الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة.

أما أوباما الذي كرر تأكيده أن «لبنان دولة هامة في منطقة هامة»، وأن الولايات المتحدة الأميركية «شريك في مسار تعزيز قدرة لبنان وقدرة الجيش اللبناني من أجل تعزيز سيادة لبنان واستقراره»، فقد أبدى مخاوفه «بسبب شحنات الأسلحة الكبيرة التي يجري تهريبها إلى لبنان والتي قد تكون خطرا محتملا على إسرائيل».

هذه المخاوف قال عنها وزير الشؤون الاجتماعية سليم الصايغ لـ«الشرق الأوسط»: «واضح أن الأميركيين ربطوا تسليح الجيش اللبناني بتطبيق القرار 1701 والتزام لبنان بضبط حدوده حسب هذا القرار. ويبدو أنهم شعروا أن هناك تجاوزا في ما يخص منطقة جنوب الليطاني التي نص القرار 1701 على بقائها خالية من السلاح. لذا طلبوا تطمينات بشأن تهريب الأسلحة قبل التزامهم بتسليح الجيش اللبناني». وأضاف: «لا نعرف حتى الآن ماذا نتج عن الزيارة، إلا أن طرح أوباما يشير إلى أن الأميركيين قادرون على دعم الدبلوماسية اللبنانية لجهة استكمال تنفيذ القرار 1701 عبر الضغط على إسرائيل لتنسحب من القسم الشمالي لقرية الغجر. وهذا الانسحاب لا بد أن يسهل فرض سيادة الدولة اللبنانية ويدعم الخيار الدبلوماسي الذي يحترم القرارات الدولية ويطالب بتنفيذها. ومن شأن ذلك أن يغلّب هذا التوجه على الرأي الذي يقول إن لا فائدة من القرارات الدولية ولا معنى لها والبندقية وحدها هي الكفيلة بتحرير الأرض».

ولعل الجديد في الموقف الأميركي كان إشارة أوباما إلى استمرار بلاده «في مساعدة لبنان ليس فقط على الصعيد الأمني، بل على الصعد الأخرى أيضا، فهناك نواحٍ أخرى مهمة من الناحية الاقتصادية وفي المجتمع المدني»، ليشدد على ضرورة «تطبيق القرارات الدولية التي تعزز الاستقرار وتحقق السلام في المنطقة»، ويربط تحسن وضع لبنان بالقضايا الموجودة داخله من جهة، وحوله من جهة أخرى، فيشدد على أهمية «تشجيع الأطراف المعنية، ليس فقط إسرائيل والفلسطينيون، وإنما الإسرائيليون والسوريون كذلك، على حوار بناء وعلى أن يحاولوا التفاوض على الطريق المسدود الحالي، مما يؤدي إلى تحسن وضع لبنان».

وعن أهمية التفاوض السوري ـ الإسرائيلي، والفلسطيني ـ الإسرائيلي بالنسبة إلى لبنان، قال الصايغ: «السوريون ربطونا بالمحاور التي تتعلق بهم. لو أنهم أعطونا خريطة مزارع شبعا، لنطالب بها كأرض لبنانية ونفصل بالتالي القرار الدولي 425 المتعلق بلبنان عن القرار الدولي 242 الصادر بعد حرب 1967. وبذلك نحدد مسار العملية السلمية ويصبح لبنان قادرا على تحصين أرضه وسيادته، أكثر مما هو حاليا بسبب ارتباطه الوثيق بالصراع العربي ـ الإسرائيلي، مما يشكل نقطة استفهام على استقرار لبنان وحصر شرعية السلاح بجيشه الوطني. في حين أنه حاليا خط المواجهة الوحيد الذي يختصر الصراع العربي ـ الإسرائيلي بمفرده». إلا أن النائب في كتلة التنمية والتحرير، هاني قبيسي، يجد أن لبنان هو المهدد من إسرائيل، وبالتالي لا يسعى إلى المواجهة إلا لحماية أرضه وشعبه. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «نحن في لبنان لدينا خوف من الأسلحة التي تصل إلى إسرائيل وتهددنا بشكل مستمر، وطبيعي أن نتمسك بحقنا في المقاومة التي تستوجب وجود السلاح. كما أن رئيس الجمهورية اللبناني ذهب إلى واشنطن ليوطد العلاقة مع الدولة الأميركية لما فيه مصلحة لبنان وليس للاستماع إلى شروط الأميركيين».

وعن إمكانية تجاوب الإدارة الأميركية مع لبنان لجهة تسليح الجيش، يقول قبيسي: «المراحل السابقة في هذا الإطار بينت أن لا أسلحة جدية يمكن أن يقدمها الأميركيون إلى لبنان باستثناء بعض المعدات الخفيفة وسيارات الدفع الرباعي، إلا أننا نتمنى لو يستطيع سليمان تغيير هذا الواقع والحصول على أسلحة فعلية للجيش اللبناني». ويعتبر النائب في تكتل التغيير والإصلاح، سليم سلهب، أن «التجارب تدفع إلى القول بأن لبنان يأتي في أسفل سلّم أولويات واشنطن في المنطقة؛ حيث تأتي إسرائيل في طليعة هذه الأولويات ثم الطاقة في الخليج فتأمين الانسحاب المضمون للقوات الأميركية من العراق». ويقول: «الرهان على حصول الجيش اللبناني من واشنطن على ما يلزمه من أسلحة دفاعية متطورة تجيز له الدفاع عن لبنان قد لا يكون رهانا في محله، إذ سبق لوزير الدفاع إلياس المر أن زار العاصمة الأميركية واستقبل بحفاوة كاملة ووعد بتسليح كامل للجيش يحقق هذه الغاية الوطنية، ولكن هذه الوعود لم تنفذ». إلا أنه يأمل أن «يكون سليمان قد وُفق في زيارته لأميركا واستطاع إقناع المسؤولين الأميركيين بالضرر الذي سيلحق بلبنان والقضية الفلسطينية من جراء عدم إقرار حق عودة الشعب الفلسطيني إلى دياره».