السفينة الغارقة قبالة طرابلس تهدد بكارثة بيئية والطقس العاصف لا يساعد عمليات الإنقاذ

نصفهم في عداد المفقودين وبعضهم سبح 12 ساعة يصارع الموت

عدد من افراد الجيش يساعدون أمس في طرابلس على إجلاء الناجين من غرق الباخرة «داني 2» (أ.ف.ب)
TT

عند منتصف نهار أمس، كان مرفأ طرابلس يعجّ بسيارات الإسعاف وفرق الدفاع المدني وعناصر الجيش وناشطين بيئيين وأعضاء بعض السفارات الأجنبية، الذين جاؤوا لاستقبال دفعة جديدة من البحارة الذين أُنقذوا إثر غرق الباخرة البنامية «داني إف2» على بعد نحو 11 ميلا من طرابلس.

«عمليات البحث لم تتوقف منذ علمنا بالخبر»، يقول القبطان بلال عبد الحي رئيس العمليات، الذي ينتظر هو الآخر وصول الناجين، ويتابع: «لقد وصلَنا نداء استغاثة نحو الساعة الرابعة من بعد ظهر (أول من) أمس، كان الصوت يقول: (نحن نغرق، أنقذونا). هذه آخر رسالة وصلتنا ثم انقطع الإرسال، وبعثنا على الفور طرادات وباخرتين تجاريتين، كانتا راسيتين هنا في الميناء. وأخبرونا بوصولهم أن الباخرة قد غرقت ويحاولون انتشال الأحياء. ست قطع أوفدناها إلى مكان السفينة، وساعدتنا بعد ذلك يونيفيل وبحرية الجيش اللبناني، إضافة إلى طوافتين بريطانيتين جاءتا من قبرص، لكن الطقس كان عاتيا، والأمواج عالية جدا».

تحتاج الباخرة إلى ثلاث ساعات للوصل إلى السفينة الغارقة بعد مغادرتها مرفأ طرابلس، مما يرجح أن البحارة انتظروا طويلا قبل أن تأتيهم النجدة الأولى على عكس ما يتردد. وفرق الإنقاذ بعد ما يقارب يوما، ورغم الاستنفار الكبير، لم تتمكن من العثور على أكثر من نصف طاقم السفينة تقريبا الذي يبلغ 83 بحارا بينهم 39 أحياء وتسعة فارقوا الحياة وعُثر على جثثهم، والبحث جارٍ عن الآخرين، بينما الطقس ما زال عاصفا وماطرا لا يساعد فرق الإنقاذ على أداء مهمتها.

يستبعد عبد الحي أن تكون حمولة السفينة الكبيرة هي التي أدت إلى غرقها، ويرجح أن يكون عطل قد طرأ على المحرك، بينما كانت العواصف قوية للغاية. ويضيف: «السفينة الغارقة كبيرة يصل طولها إلى 200 متر، أي أنها قادرة على تحميل أطنان من البضائع، وهي في الحقيقة كانت تحمل 41 ألف رأس غنم، و16 ألف رأس عجل، أي بالإمكان تقدير حمولتها بنحو 50 ألف طن. يوافق مدير مرفأ طرابلس أحمد تامر على أن الحمولة ليست كبيرة بحيث تهدد الباخرة كما يتردد، ويؤكد أن السفينة غارت تماما في قعر البحر، بعد أن كانت قد مالت على أحد جوانبها في أثناء غرقها، وهي الآن وبداخلها 57 ألف رأس من الماشية النافقة على عمق 1200 متر. كلام يستفز الناشط البيئي ربيع سالم، من المؤتمر الوطني الدائم للبيئة التابع لوزارة البيئة، والموجود هو الآخر في مرفأ طرابلس لإطلاق نداء تحذير من كارثة بيئية بعد الكارثة الإنسانية قد تحل في أي لحظة. ويقول سالم: «الآن هم يقولون إن المواشي النافقة موجودة في عنابر مغلقة، وإن السفينة غرقت في القاع، مما يدعو إلى الاطمئنان إلى أن المواشي ستتحلل ولن تحدث أي كارثة بيئية، لكنني أحذر من أن غالبية السفن تفصل بين طوابقها ألواح من الأخشاب، وهذا حال السفينة الغارقة على الأرجح. الأخشاب تتفتت بسرعة، مما يعني أن المواشي قد تخرج من عنابرها وتطفو على سطح المياه التي ستتقاذفها، وتحدث تلوثا بيئيا كبيرا». ويضيف سالم: «لا أحد يستطيع أن يؤكد مدى إحكام إغلاق العنابر التي يتحدثون عنها، وبالتالي أي تسرب سيكون خطيرا». الكل كان يوم أمس مهموما بكارثته وهواجسه، فالسفارات تبحث عن مواطنيها بين الناجين أو الجثث الواصلة إلى مرفأ طرابلس، والناجون لا يصدقون ما حدث لهم، ويشعرون أنهم ما زالوا يهيمون في البحر، فيما فرق الإنقاذ تحار أين تجد المفقودين، وأصحاب السفن التجارية المساهمة في البحث ينتظرون عودة سفنهم بالسلامة في طقس لا تؤمَن عقباه.

بعد نحو تسع ساعات من غرق السفينة، لم يكن قد وصل إلى مستشفيات طرابلس وعكار إلا عدد قليل من الناجين علما بأنه قد تم الإعلان عن العثور على 25 شخصا. وتبين في ما بعد أن سفن البحث، خصوصا سفن يونيفيل، أقامت مركز عناية بالمنتشَلين، في عُرض البحر، قرب مكان السفينة الغارقة، فيما تقوم طواقم بحرية بالبحث عن ناجين آخرين. وكان لا بد من انتظار الصباح لتصل إلى مرفأ طرابلس باخرة ليونيفيل على متنها 15 ناجيا توزعوا على مستشفيات المدينة التي استنفرت طواقمها الطبية. وعند منتصف النهار، رست باخرة ثانية ليونيفيل على متنها 15 شخصا آخرون، وبعد أن بدأ الجيش اللبناني والصليب الأحمر بإخلاء الواصلين تأكد أن بينهم ثلاث جثث و12 شخصا على قيد الحياة. واستدعي طاقم السفارة الأسترالية الموجود في المرفأ بحثا عن الأسترالي المفقود لمعاينة الجثث فتبين أنه ليس موجودا بينها. ويبدو أن السفارة البريطانية تجهد أيضا للعثور على مواطنها قبطان السفينة الذي أكد بعض الناجين مقتله، لكنه لم يكن قد عُثر عليه أو على جثته بعد. أما سفير الأورغواي الذي جاء شخصيا لاستقبال مواطنه الأخير الناجي بعد أن عثر على الثلاثة الباقين أحياء فكان سعيدا بالخروج من المأساة دون خسائر بشرية. وتبين أيضا أن اللبناني الوحيد على متن السفينة الغارقة وهو أحمد عرب، كان أيضا بين الواصلين الناجين.

وجدير بالذكر أن الباخرة البنامية الغارقة «داني إف2» أبحرت من الأوراغواي باتجاه ميناء طرطوس السوري، وعند وصولها قبالة المرفأ أول من أمس لم يسمح لها بالرسوّ لعدم وجود أماكن، وطُلب منها الانتظار، لكن القبطان الإنجليزي آثر الانتظار في مرفأ طرابلس، وبعد دخوله المياه الإقليمية اللبنانية، واجهته عواصف شديدة وأنواء أطاحت بباخرته. والبحارة الذين كانوا على متن الباخرة من جنسيات مختلفة بينهم لبناني وسوري وبريطاني وبرازيلي ولاتفي وأوكراني وأسترالي وروسي إضافة إلى 4 مزارعين من الأورغواي وظيفتهم الاهتمام بالمواشي في أثناء الرحلة، وغالبية البحارة أي نحو سبعين منهم يحملون الجنسية الباكستانية والفلبينية.

وفي مستشفيات طرابلس مُنع الصحافيون يوم أمس من مقابلة أي من الناجين، خضوعا لطلب شركة التأمين التي رفضت أي لقاء لهم مع الإعلاميين، وجهدت المستشفيات لمنع الصحافيين من الوصول إليهم، لا سيما اللبناني الذي حضرت عائلته ومنعته من الكلام، وتمنعت هي بدورها. وتسللنا إلى بعض الغرف، وقابلنا فلبينيا ناجيا قال إنه سبح في مياه مثلجة وتحت الأمطار وهو يصارع الرياح من الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر وحتى العاشرة مساء دون سترة نجاة، لأن قلة من البحارة المحظوظين استطاعوا الحصول على سترة، لأن الباخرة مالت بسرعة وغرق الجانب الذي توجد فيه أدوات النجاة. واعتبر الناجي الفلبيني نفسه محظوظا هو وصديقه الباكستاني النائم بقربه لأنهما أُنقذا بعد سبع ساعات فيما بقي البعض حتى الثالثة صباحا أي 12 ساعة في الماء وهم يقاومون الموت.