مجلس عزاء بمنتظري في أصفهان يتحول إلى مصادمات شرسة بين المعارضة ورجال الشرطة

مواقع المعارضة تؤكد اعتقال أكثر من 50 شخصا.. والشرطة تحذر المتظاهرين من مواصلة تحركاتهم «غير المشروعة»

TT

تحول مجلس عزاء أقيم في رجل الدين آية الله منتظري، أحد أبرز وجوه «الثورة الخضراء»، أقيم في مدينة أصفهان وسط إيران، إلى ساحة لصدامات بين أنصار المعارضة الذين قاوموا محاولات الشرطة منعهم من الدخول إلى المسجد لتقديم العزاء. وأصيب عدد من الأشخاص خلال الصدامات، فيما اعتقلت الشرطة المسلحة بالعصي والقنابل المسيلة للدموع، أكثر من 50 شخصا، وانهالت على الرجال والأطفال بالضرب، بحسب مواقع إلكترونية للمعارضة.

وذكرت مواقع المعارضة أمس أن مئات من رجال الشرطة والأمن حاصرت صباح أمس مسجد السيد في أصفهان حيث كان يقام عزاء لمنتظري، ومنعت الناس من دخول المسجد مما أدى إلى اندلاع اشتباكات عنيفة. وهتف المشيعون بشعارات تؤيد الحركة الخضراء الإيرانية المعارضة، وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريقهم. وجاء ذلك في وقت نقلت فيه وكالة «فارس» للأنباء عن قائد الشرطة إسماعيل أحمدي (مقدم) قوله إن المعارضة ستجد نفسها أمام مواجهة «شرسة» أن هي واصلت أنشطتها «غير المشروعة».

ونقلت وكالة «أسوشييتد برس» عن موقع «برلمان نيوز» الإيراني المعارض، تصريحات للرئيس الإيراني الإصلاحي السابق محمد خاتمي الذي أدان أعمال العنف في أصفهان، وقال: «الإمام الخميني كان يؤمن أن الجمهورية الإسلامية قائمة على أساسين: الحرية والاستقلال. إذا اهتز هذان الأساسان... سيعود الطغيان إلينا مرة جديدة». وأضاف: «إطلاق تسمية (خائن) على أي شخص يعلي صوته، على الرغم من إيمانه بالنظام (الإسلامي)، هو انحراف كبير وينبغي تصحيحه». وقال أحد مواقع المعارضة، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية، إن «قوات الأمن تضرب الناس بمن فيهم النساء والأطفال بالهراوات والسلاسل والحجارة» مضيفا أنه «حتى الآن اعتقل وأصيب الكثيرون». ونقلت الوكالة عن موقع آخر تابع للأقلية الإصلاحية في البرلمان، أن «أكثر من 50 شخصا من بينهم أربعة صحافيين اعتقلوا في الاشتباكات». وتأتي حملة القمع هذه على المعارضة بعد يوم من إقالة زعيم المعارضة مير حسين موسوي من منصبه رئيسا لأكاديمية الفنون التي يترأسها موسوي، المهندس المعماري والرسام، منذ أكثر من عشر سنوات. وتوعدت السلطات الإيرانية بـ«عدم التسامح» مع المتظاهرين. ونقلت وكالة «إسنا» الإخبارية عن إسماعيل أحمدي رئيس الشرطة الإيرانية تحذيره للمعارضة، وقال: «ننصح هذه الحركة بالذات بالتوقف عن هذه الأفعال، وإلا فاإنه سيتم التعامل مع مثيري الفوضى طبقا للقانون». وتوُفّي منتظري، الذي كان من أشد المنتقدين للنظام الديني المتشدد الذي شارك في تأسيسه، والمؤيد الشديد للمعارضة، السبت الماضي عن 87 عاما. وتحولت جنازته التي شارك فيها عشرات الآلاف الاثنين في قم إلى تظاهرة معادية للحكومة تخللتها صدامات مع قوات الأمن وميليشيات النظام التي هاجمت أيضا منزل رجل الدين الراحل. وكان من المقرر أن يقود مجلس العزاء أمس في أصفهان، التي تعج بالعديد من أنصار منتظري، رجل الدين الإصلاحي البارز آي الله جلال الدين طاهري، الذي أحاطت قوات الأمن بمنزله أيضا بحسب أحد مواقع المعارضة.

وقالت وكالة الصحافة الفرنسية نقلا عن موقع آخر للمعارضة الإيرانية، إن جهازا حكوميا لم يُكشف عن اسمه، أمر في وقت متأخر من الثلاثاء بإلغاء مراسم العزاء، مضيفا أن قوات الأمن أغلقت أبواب المسجد ووقفت على حراسته. وكان منتظري من أكبر منتقدي الرئيس أحمدي نجاد وندد أكثر من مرة بقمع التظاهرات التي أعقبت إعادة انتخابه في يونيو (حزيران). وقد أسفر هذا القمع عن سقوط 36 قتيلا وفقا للأرقام الرسمية، و72 قتيلا وفقا للمعارضة، واعتقال الآلاف. ووصف منتظري تلك الحكومة بأنها «غير شرعية». ومنتظري، الذي كان خليفة لمؤسس الثورة الإسلامية آية الله روح الله الخميني في عام 1979، كان ناقدا شديدا لتركيز السلطة في يد المرشد الأعلى، ودعا إلى إجراء تعديلات في الدستور للحد من سلطته. ومنذ وفاة منتظري يواجه آية الله العظمى يوسف صانعي، المؤيد البارز للمعارضة، ضغوطا من المتشددين. وقال أحد المواقع المعارضة إن نحو ألف من عناصر الباسيج الإسلامية، هاجموا مكاتب صانعي في قم ليل الاثنين وحطموا النوافذ وضربوا موظفيه.

ويأتي هذا الهجوم عقب توقعات بأن أنصار منتظري قد يتخذون من صانعي «مرجعا» لهم. ودعت مجموعة من طلاب المدارس الدينية في قم عدد من رجال الدين البارزين إلى اعتبار صانعي رسميا غير مؤهل لأن يكون «مرجعا»، حسب ما أفادت وكالة الأنباء الإيرانية «إيرنا» أمس. ومنذ وفاة منتظري نظم الموالون للنظام كذلك تظاهرات في قم وأصفهان دعما للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي. كما دعا العديد من المتشددين إلى اعتقال موسوي الذي كان مرشحا للرئاسة في انتخابات 12 يونيو وخسر أمام أحمدي نجاد وسط مزاعم بأن الانتخابات مزورة، مما أثار موجة من التظاهرات. وقال النائب الإصلاحي البارز درويش قنبري إن إقالة موسوي من رئاسة أكاديمية الفنون «هو قرار سياسي ينبع بلا شك من أحقاد انتخابية».

من ناحية ثانية حذر مساعد رئيس الشرطة الإيرانية الجنرال أحمد رضا رادان أمس من أن قوى حفظ النظام ستتحرك حيال أي «تجمع غير مشروع» في يومي تاسوعاء وعاشوراء وهما يوما حداد مهمان لدى الشيعة يصادفان السبت والأحد، على ما نقلت الوكالة الطلابية للأنباء في إيران (إيسنا). وقال رادان: «في حال عدم تجاوز الخطوط الحمر في التجمعات غير المشروعة، ستكتفي الشرطة بتوجيه إنذار، لكن إن تم تجاوز ذلك فستتصرف الشرطة وقد تجري توقيفات». لكنه لم يوضح أي نوع من التجمعات غير المشروعة يقصد، ولا ما كان يعني بعبارة «الخطوط الحمر». ولم تدع جماعات المعارضة رسميا إلى التظاهر في هذين اليومين اللذين يشهدان نزول عدد كبير من الإيرانيين إلى الشارع، غير أن بعض الشائعات سرت حول احتمال تحويل بعض الفعاليات «إلى مظاهرات احتجاج». وتحاول المعارضة التي تحتج على إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيسا لولاية ثانية في يونيو (حزيران) استغلال المناسبات الرسمية أو التجمعات المرخص لها للتظاهر ضد الحكومة.