المحتجون ينقلون معركتهم إلى صفحات الأوراق النقدية.. بعد التضييق عليها عبر الإنترنت

انتشرت في الأشهر الأخيرة وتفاقمت حاليا.. وحملت شعارات «الموت للديكتاتور» وتحذيرا من «عاصفة الغبار والوحل»

ورقة نقدية إيرانية وقد كتب عليها «أعدادنا لا تحصى» (أ.ب)
TT

في مواجهة قوى متشددة في الشارع، عمد المتظاهرون المناهضون للحكومة الإيرانية خلال الفترة الأخيرة إلى نقل اعتراضاتهم إلى صعيد جديد، حيث كتبوا شعار «الموت للديكتاتور» في إشارة إلى الرئيس أحمدي نجاد وشعارات معارضة أخرى على الأوراق النقدية، بينما يصارع المسؤولون للحيلولة دون تداولها على نطاق واسع.

وحسب مسؤول تحدث إلى وكالة «أسوشييتد برس» فإن من المتعذر تحديد حجم أوراق النقد الإيرانية التي تحمل رسائل تعبر عن أفكار منشقة، والتي ظهرت في الأشهر الأخيرة استجابة لجهود كبح جماح المظاهرات وخنق القدرة على تبادل الرسائل عبر شبكة الإنترنت والهواتف النقالة. ومع ذلك، يبقى من الواضح أن هذه الأموال كانت كافية لإثارة تنديدات علنية من قبل مسؤولين رفيعي المستوى معنيين بالإشراف المالي مثل محافظ المصرف المركزي. وأكد مسؤول بارز آخر بمجال التنظيم المالي أن المصارف لن تقبل بعد الآن أي أوراق نقدية مشوهة بكتابات أو صور عليها، وذلك في محاولة لتثبيط التجار وآخرين عن قبول أوراق نقدية تحمل شعارات معارضة.

على سبيل المثال، حملت إحدى أوراق العملة تساؤل «ما الذي ماتوا من أجله؟»، في إشارة إلى عشرات المتظاهرين الذين لقوا مصرعهم في أعقاب ظهور مزاعم بتزوير نتائج إعادة الانتخابات الرئاسية في الصيف الماضي لصالح الرئيس محمود أحمدي نجاد. وحملت ورقة نقدية أخرى (حسب «أسوشييتد برس») تحمل صورة يد ترسم علامة «V» في إشارة إلى النصر، وتحتها عبارة باللون الأخضر المميز لحركة المعارضة تقول «احذروا عاصفة الغبار والوحل»، في إشارة إلى الوصف الذي أطلقه أحمدي نجاد على المتظاهرين في أعقاب الانتخابات.

كما حملت ورقة نقدية بقيمة 200 ريال - ما يعادل نحو 20 سنتا - علامة «V» ومعها رسالة تقول «أعدادنا لا تحصى». وحملت أوراق نقدية أخرى صورا لكفوف ملطخة بالدماء، أو شعارات «الموت للديكتاتور» و«فليسقط خامنئي». جدير بالذكر أن جميع الأوراق النقدية الإيرانية تحمل صور سلف خامنئي، قائد الثورة الإسلامية آية الله روح الله الخوميني.

وعلى ورقة نقدية بقيمة 20.000 ريال - ما يعادل نحو 2 دولار - شطب شخص ما على صورة خامنئي ووضع علامة «X» على كلمة «إسلامية» في الاسم الرسمي لإيران: الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وتعد هذه التعليقات جزءا من حملة أوسع تتسم بالعودة إلى التكتيكات الرئيسية للاعتراض، مثل توزيع منشورات، والكتابة على الجدران، وتسببت في إصابة المسؤولين الإيرانيين بالإحباط جراء بساطتها، وكشفت عبقرية المجموعات المتظاهرة التي تحاول تنظيم مسيرتها التالية بحيث تتزامن مع ذكرى اندلاع الثورة الإسلامية عام 1979 والتي تحل الشهر القادم. من ناحيته، علق علي رضا نوري زاده، الباحث البارز لدى «مركز الدراسات العربية - الإيرانية» في لندن، لوكالة «أسوشييتد برس» بقوله «تكمن المفارقة في أن هذه الأدوات، مثل المنشورات والكتيبات، جرى استغلالها في الثورة. ولا تزال تمثل تكتيكا فاعلا». وكانت أول انتقادات كتابية ضد القيادات الإيرانية على أوراق النقد ظهرت في غضون فترة قصيرة من انتخابات يونيو (حزيران) المتنازع حولها. إلا أنها زادت في الشهور الأخيرة مع تشديد السلطات قبضتها على شبكة الإنترنت وتبادل الرسائل النصية عبر الهواتف النقالة، التي شكلت شريان الحياة الأصلي لمنظمي المظاهرات.

وأخيرا، تضمنت الرسائل الواردة على الأموال الإيرانية دعوات للانضمام إلى مسيرات مناهضة للحكومة في 11 فبراير (شباط)، وهو ما يتزامن مع ذكرى انهيار آخر القوى الموالية لنظام الشاه المدعوم من الغرب، في الوقت الذي اتخذ فيه الشاه موقف المتفرج من المنفى. ويجري إحياء الذكرى بمسيرة ضخمة مؤيدة للنظام في ميدان أزادي بطهران.

إلا أن المتظاهرين يعمدون حاليا لاستغلال مناسبات دينية وسياسية مهمة لتنظيم مسيرات خاصة بهم، الأمر الذي تسبب في وقوع صدامات دموية بينهم وبين قوات الأمن، واشتعال أعمال عصيان غير مسبوقة ضد خامنئي.

في آخر مظاهرات اعتراض كبرى - والتي تزامنت بحيث تتداخل مع يوم حداد شيعي مهم (عاشوراء) في أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي - لقي ثمانية أشخاص على الأقل مصرعهم في مصادمات وقعت، بينهم نجل شقيق زعيم المعارضة، مير حسين موسوي. ومنذ الأيام الأولى بعد الانتخابات المتنازع حولها، حرص الإيرانيون الراغبون في التعبير عن غضبهم على الصعود إلى أسطح المنازل بعد هبوط الظلام وترديد صيحة «الله أكبر»، إحدى الصيحات المميزة لمظاهرات الثورة الإسلامية.

من ناحية أخرى، أوضح إبراهيم درويشي، مسؤول مصرفي بارز، أنه بعد 7 يناير (كانون الثاني) الماضي، لن تعد المصارف تقبل أوراق نقد عليها رسومات أو كتابات، حسبما ذكرت وسائل الإعلام المملوكة للدولة. إلا أنه لوحظ وجود أوراق نقد عليها شعارات اعتراضية فيما بعد الموعد الزمني النهائي المحدد بأيام، طبقا لما ذكره شهود في طهران رفضوا ذكر هويتهم خوفا من إلقاء القبض عليهم.

الشهر الماضي، أعلن محمود باماني، محافظ المصرف المركزي، أن كتابة شعارات على أوراق النقد ستعد جريمة. الملاحظ أن صور الأوراق المالية أصبحت من الأمور المفضلة على مواقع «فيس بوك» و«يوتيوب» و«تويتر» - وهي مواقع الشبكة ذاتها التي يحاول المسؤولون الإيرانيون تكميمها. ويعد نشر الأوراق النقدية المكتوب عليها واحدا من الجوانب البسيطة، والفاعلة في الوقت ذاته، لحملة الأموال الراهنة والتي حظيت بقدر بالغ من الإشادة. ونشر أحد المدونين بالفارسية صور أوراق نقد عليها كتابات تحت عنوان «المال يتحدث».