مسؤولو استخبارات: المبالغات الإخبارية تخلق أجواء ذعر تخدم الإرهابيين

قالوا إن «القاعدة» تتراجع ليحل مكانها إرهابيون مبعثرون بعضهم يستخدم الاسم لتعزيز جاذبيته

TT

مع تعدد المؤامرات الإرهابية التي استهدفت الولايات المتحدة خلال الأشهر الأخيرة، أخذ الساسة ومعهم وسائل إعلام يدقون ناقوس الخطر، وهو ما بعث برسالة مثيرة للأميركيين مفادها أن عليكم الشعور بالذعر. تنظيم «القاعدة» يمضي في طريقه مجددا، مستهدفا البلاد في الداخل والخارج وحكومتكم البائسة لا يمكن لها أن تحميكم.

وحالة الصخب التي لها دوافع سياسية جمعت بين قضايا منفصلة، ولكنها أخفت حقيقية أن الأعداء داخل الأراضي الأميركية خلال 2009 كانوا يعانون من التشتت، وكانوا عبارة عن مجموعة من الهواة يعوزهم التنسيق المشترك، ويظهرون مقدارا من الحماس يفتقر إلى المهارة بدلا من أن يجسدوا قوة ذكية موحدة لها سطوة. وكانت الأسلحة المستخدمة عبارة عن بنادق ومتفجرات قديمة، وفي الكثير من الحالات أسلحة لا قيمة لها أمدهم بها عملاء لمكتب المباحث الفيدرالي، وغابت السموم الراديولوجية والبيولوجية، ناهيك عن القنابل النووية، وهي أكثر ما نحذره.

وعلى الرغم من أنه خلال عام 2009 كانت هناك عدد أكبر من المؤامرات الداخلية وعدد أكبر من المؤامرات الجادة بالمقارنة مع أي عام في الفترة الأخيرة، فإن نسبة القتلى جراء هذه المؤامرات كانت متواضعة نسبيا. وتحديدا، مات 14 في عمليات إرهابية، من بين 14000 قضوا نحبهم خلال عمليات قتل داخل الولايات المتحدة العام الماضي، خلال هجمات جهادية مزعومة. فقد مات 13 شخصا في تبادل لإطلاق النيران داخل «فورت هود» في تكساس خلال نوفمبر (تشرين الثاني)، ومات شخص واحد داخل مركز تجنيد عسكري في ليتل روك بولاية أركنساس خلال يونيو (حزيران).

ولا تبرر هذه الأرقام الأخطاء المعترف بها داخل الهيئات الأمنية في الولايات المتحدة والتي أدت إلى وجود قنبلة بدائية على طائرة متجهة إلى مدينة ديترويت تابعة لشركة «نورث ويست» للخطوط الجوية في يوم عيد الميلاد، وهو الحادث الذي تبعه سيل من التغطيات الإخبارية.

ويقول مارك لونثال، المدير المساعد لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية المختص بالتحليلات في الفترة من 2002 حتى 2005، إنه حتى هذا الإخفاق القريب ربما يقدم دليلا غير مباشر على تراجع قوة العدو، بالمقارنة مع هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001 التي اتسمت بالتناسق.

ويضيف لونثال «يعد إرسال شخص واحد على طائرة واحدة تراجعا كبيرا للوراء، فقد أصبحوا أقل قدرة على الرغم من أنهم ما زالت لهم القدرة على القتل. وهم غير قادرين على تنفيذ مخططات بصورة كما كانوا يفعلون في الماضي».

ويتناقش خبراء في مجال مكافحة الإرهاب داخل وخارج الحكومة الأميركية بصورة مستمرة حول مغزى العدد الأكبر من المؤامرات العام الماضي، ولا يوجد رأي مجمع عليه. وقد ظهرت الصومال واليمن كبقع ساخنة لتفريخ «جهاديين» ربما يمثلون تهديدا مباشرا أمام الولايات المتحدة. ومن الواضح أن الضربات الجوية التي تستخدم فيها طائرات من دون طيار تتبع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية داخل منطقة القبائل الباكستانية لم تفلح في إنهاء التهديد القادم من هناك، وهذا ما يؤكده التفجير الانتحاري الذي وقع في 30 ديسمبر (كانون الأول) والذي أودى بحياة سبعة موظفين تابعين لوكالة الاستخبارات المركزية داخل أفغانستان المجاورة. ويتأكد بصورة مستمرة أن الإنترنت يعد وسيلة قوية لنشر الأفكار الراديكالية، حيث يقوم رجال دعاية قدماء بإذكاء حالة الغضب بين صفوف الشباب المسلم بسبب الحربين الأميركيتين داخل العراق وأفغانستان.

ولكن يدعو لونثال وآخرون إلى إجراء تقييم أكثر هدوءا وذي منحى استراتيجي أفضل للموجة الأخيرة من مؤامرات أعمال العنف، ويؤكد أن البلاد أكثر أمنا بالمقارنة بما كان عليه الحال عام 2001. ويقولون إن المبالغة التي تحيط بالتهديدات تخدم ما يسعى إليه المتطرفون حيث يهدف الإرهاب إلى نشر حالة من الخوف بين الناس.

ويقول تشارلس ألين، الذي شغل مناصب مهمة على مدى 40 عاما داخل وكالة الاستخبارات المركزية وكان المسؤول الاستخباراتي الرئيسي في وزارة الأمن الداخلي من عام 2007 حتى مطلع العام الماضي «إننا نعطي أعداءنا ما يريدون». وأضاف أن التعليقات والتغطية الإخبارية المبالغ فيها «تخلق جوا من التوتر والخوف، وأرى أن هذا هو الطريق الخطأ».

ويقول ألين إن الولايات المتحدة في حاجة إلى التحلي بالـ«مرونة» في مواجهة التهديد الإرهابي. وأشار إلى أنه لم يتوقف سوى جزء بسيط للغاية من وسائل النقل العام في لندن عام 2005 عندما قتل 52 شخصا في أربعة تفجيرات انتحارية استهدف شبكة المترو وحافلة. ويقول ألين «أعتقد أنه يجب صرف اهتمام كبير إلى الأمن، ولكني لا أرى أن التصرف بهيستيريا هو الشيء المفيد».

ولا توجد صلات واضحة بين الهجمات أو المؤامرات العشر التي نفذها جهاديون داخل الولايات المتحدة خلال عام 2009، حسب إحصاء ذكره بروس هوفان الذي يقوم بدراسة الإرهاب داخل جامعة جورج تاون. كما لا توجد بينها عوامل مشتركة تذكر، فيما عدا الدافع الآيديولوجي الواضح من ورائها.

وكان الهجوم الأشد هو الذي نفذه الميجور نضال مالك حسن، الطبيب النفساني في الجيش، داخل فورت هود. وفيما يبدو فإنه لا يعمل لدى أي تنظيم، على الرغم من أنه تبادل رسائل عبر البريد الإلكتروني مع رجل دين راديكالي داخل اليمن. ويبدو أنه تمت حياكة المؤامرات المحبطة داخل نيوبورغ في نيويورك، وسبرنغفيلد في إلينوي، وراليا في كارولينا الشمالية، وبوسطن، ودالاس بصورة منفصلة، وأنها كانت إلى حد بعيد تحت سمع وبصر مكتب التحقيقات الفيدرالي.

ومن الأشياء المربكة التي واجهت المسؤولين الفيدراليين قضيتان لهما علاقة بمنطقة القبائل الباكستانية، التي يعتقد أن أسامة بن لادن وباقي قادة تنظيم القاعدة المهمين يختبئون فيها. ويرتبط بهما نجيب الله زازي، وهو بائع قهوة سابق في مانهاتن، اتهم بالسفر إلى باكستان للتدرب على المتفجرات وديفيد هيدلي من شيكاغو، المتهم بالمساعدة في هجوم على مدينة مومباي عام 2008 والتآمر لشن هجمات في الدنمارك.

واستخدم اسم تنظيم القاعدة في الكثير من المؤامرات، وقد أدى ذلك إلى التشويش على خصائص مميزة. وحسب معظم الإحصاءات، بعيدا عن قضية زازي، فإنه لا يبدو أن أيا من الأحداث التي وقعت خلال 2009 كانت مرتبطة بصورة مباشرة بـ«القاعدة المركزية»، حسب التعبير الذي يستخدمه الخبراء للإشارة إلى التنظيم الموجود داخل باكستان والذي يتزعمه بن لادن.

واشترك في قضايا أخرى عناصر لـ«القاعدة» يعملون في واقع الأمر لصالح مكتب المباحث الفيدرالي. ولكن لقضايا أخرى، ومن بينها محاولة تفجير الطائرة في عيد الميلاد، علاقات مع تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية، الذي يتبع تنظيم بن لادن في اليمن والسعودية.

وتقول أودري كورث كرونين، من الكلية الحرب الوطنية، إن التنظيمات التابعة لـ«القاعدة» تستعير المسمى كي تعزز من جاذبيتها، ولكنها تكون في المعتاد أكثر اهتماما بتحقيق أهداف محلية بدلا من الاهتمام بالجهاد العالمي الذي يدعو إليه أسامة بن لادن. وتضيف كرونين «إن رد الفعل المناسب هو التوقف عن وصف هذه المؤامرات بأنها تتبع تنظيم القاعدة، فنحن من دون قصد نعزز هذا المسمى».

وفي عام 2008 وفي كتابه «جهاد بلا قائد»، كتب مارك ساغمان، وهو طبيب نفساني وضابط سابق بوكالة الاستخبارات المركزية أجرى دراسات مطولة حول الشبكات الإرهابية، أن تنظيم القاعدة يتراجع ليحل محله إرهابيون مبعثرون يمثل التنظيم بالنسبة لهم مصدر إلهام. ويعتقد أن الجيل الجديد من المتطرفين سيكون أقل مهارة، وربما يطرح تهديدا أضعف بالمقارنة مع التنظيم المسؤول عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول).

ويقول ساغمان إنه لا يجد ما يدعو إلى إعادة النظر في هذا التقييم في الوقت الحالي. ويضيف أن مؤامرات العام الماضي يجب أن تحظى بتحليل متأن، وأن تستخدم النتائج التي يتم التوصل إليها من أجل تعزيز العمل في مجال مكافحة الإرهاب بدلا من أن تستخدم لإذكاء تميز عنصري وحالة من الهلع المعادية للمسلمين. وقال ساغمان «إذا بالغنا في الرد وأغضبنا 1.5 مليار مسلم، فستكون بين أيدينا مشكلة أكبر كثيرا».

* خدمة «نيويورك تايمز»