إيران تشيع العالم النووي وترى «أساليب صهيونية» في التفجير.. وتتعهد بمحاكمات في أسرع وقت

القضاء الأميركي يوجه الاتهام رسميا إلى 3 أشخاص لتصديرهم تكنولوجيا محظورة لطهران

ايرانية تهتف خلال تشييع عالم الفيزياء النووية مسعود علي محمدي في طهران أمس (أ.ب)
TT

شيع عالم الفيزياء النووية الإيراني مسعود علي محمدي، الذي اغتيل الثلاثاء في طهران، إلى مثواه الأخير أمس وسط هتافات «الموت لإسرائيل» و«الموت لأميركا»، فيما اتهم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بدوره إسرائيل بقتله الذي لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنه. واتهم الرئيس الإيراني إسرائيل أمس بقتل العالم النووي الإيراني، مؤكدا أن «أساليب صهيونية» استخدمت في التفجير الذي أدى إلى مقتله أمام منزله في طهران.

وقال الرئيس الإيراني «يستطيع المرء أن يرى مقدار حقد العدو في الطريقة التي اغتيل بها (العالم النووي). لقد كانت طريقة التفجير صهيونية»، حسب ما نقلت عنه وكالة «مهر» للأنباء. وأضاف «لقد كان ناشطا إسلاميا وأستاذا جامعيا تقيا يخدم شعبه». وأكد «لا يمكن للأعداء أن يحرموا الشعب الإيراني من المعرفة بقتل النخبة».

وشارك حشد ضم آلاف الأشخاص بينهم عدد من الشخصيات الرسمية في تشييع مسعود علي محمدي من منزله إلى مقبرة صغيرة شمال طهران حيث ووري الثرى، حسبما ذكر صحافي في وكالة الصحافة الفرنسية. وردد مشاركون هتافات من بينها «الموت لإسرائيل» و«الموت لأميركا» في الجنازة التي جرت تحت مراقبة قوات الأمن التي انتشرت بكثافة. ودان مشيعو العالم الإيراني «المنافقين»، الاسم الذي يطلقه النظام الإيراني على «مجاهدين خلق» (حركة المعارضة في المنفى) التي تتهمها طهران بالتورط في الاعتداء مع الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية. وكانت إيران اتهمت الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه» بالوقوف وراء العملية. ونفت هذه الحركة والولايات المتحدة أي علاقة لهما بهذا الاغتيال.

وقتل مسعود علي محمدي (50 عاما)، أستاذ الفيزياء النووية في جامعة طهران، صباح الثلاثاء في تفجير لدراجة نارية مفخخة، تم التحكم به عن بعد، أثناء خروجه من منزله. وعمل محمدي فترة طويلة مع حرس الثورة الإيرانية «باسدران» (الجيش العقائدي للنظام الإيراني) في الحرب ضد العراق (1980 - 1988)، ثم حتى 2003 بحسب معلومات نشرتها الصحافة الإيرانية. ولم يسفر التحقيق الرسمي عن أي نتيجة حتى الآن.

وقال علي أكبر جوانفكر، مستشار الرئيس محمود أحمدي نجاد، لوكالة الصحافة الفرنسية إن «أجهزة الاستخبارات والأمن تبحث عن الذين يقفون وراء هذا الانفجار لمحاكمتهم في أسرع وقت ممكن». وبرر جوانفكر الاتهامات الموجهة إلى إسرائيل والولايات المتحدة. وقال إن «الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل هي الدول التي عبرت عن أكبر عداء لتطورنا العلمي، خصوصا برنامجنا النووي، لذلك من الطبيعي أن تكون على رأس المشبوهين عندما يستهدف علماؤنا».

كما ردد الحشد خلال التشييع هتافات تؤكد «الحق في الحصول على الطاقة النووية» لإيران، وأخرى عبروا فيها عن تأييدهم لمرشد الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي الذي أكد بيان لأسرة محمدي أن العالم كان وفيا له. وقالت السلطات ووسائل الإعلام الرسمية إن علي محمدي ناشط متشدد في النظام، و«أستاذ وناشط إسلامي» و«ثوري».

لكن المعارضة للحكومة نشرت على مواقعها على الإنترنت عدة وثائق وشهادات تشير إلى أن عالم الفيزياء النووية انضم بشكل فاعل إلى معسكر الإصلاحيين خلال الأزمة التي تلت إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد. وعند انسحاب الموكب الرسمي، حاول تجمع صغير يضم نحو 300 شخص اللحاق به، لكن الشرطة المنتشرة حول منزل أسرة العالم فرقت دون عنف المجموعة، حسبما ذكر صحافي من وكالة الصحافة الفرنسية.

ووصف مسؤولون إيرانيون الأستاذ الجامعي القتيل بأنه عالم نووي، لكن متحدثا باسم هيئة الطاقة الذرية الإيرانية قال إنه لم يكن له أي تعاون مع الهيئة التي تلعب دورا رئيسيا في البرنامج النووي الإيراني. وجاء مقتل علي محمدي في وقت يشهد زيادة في التوتر بالبلاد بعد سبعة أشهر من انتخابات رئاسية أغرقت إيران في حالة من الفوضى. كما جاء في وقت حساس فيما يتعلق بالخلاف بين إيران والغرب بشأن طموحاتها النووية، إذ يتوقع أن تلتقي قوى كبرى في نيويورك السبت المقبل لمناقشة إمكانية فرض عقوبات جديدة على طهران لرفضها وقف أنشطتها النووية.

وقالت وزارة الخارجية الأميركية أمس إن القوى الكبرى ستجتمع يوم السبت في نيويورك لمناقشة برنامج إيران النووي، لكن الصين ستوفد مسؤولا من مستوى أدنى لتمثيلها في المحادثات، وذلك في دلالة على استمرار رفض بكين فرض عقوبات أشد على طهران. ومن المقرر أن يبحث اجتماع نيويورك الخطوات اللازم اتخاذها بحق إيران بسبب استمرار تعثر الحوار النووي بينها وبين الغرب.

إلى ذلك، أعرب خبراء عن اعتقادهم أن إسرائيل ستسعى خلال جلسة المشاورات الحكومية المشتركة مع ألمانيا الاثنين المقبل إلى العمل على أن تبعث بإشارات أكثر قوة من أجل فرض عقوبات ضد إيران.

وقال شيمعون شتاين، السفير الإسرائيلي الأسبق في ألمانيا، للصحافيين في تل أبيب أمس إن موضوع إيران سيكون في قلب جلسة المشاورات الحكومية بين البلدين في برلين.

وقال شتاين إن ألمانيا لا تزال شريكا تجاريا مهما لإيران رغم مواصلة الأخيرة العمل على برنامجها النووي، وقال «يمكن أن نتوقع من الحكومة الألمانية إشارة واضحة للصناعة (الألمانية) في هذا السياق».

وأضاف السفير أن بلاده ترى أن «جميع الخيارات مطروحة على الطاولة» من أجل وقف البرنامج النووي الإيراني، لكنه أشار إلى أن الاهتمام في الوقت الحالي يتركز على استكمال الضغوط الدبلوماسية ولكن بنبرة قوية. وقال شتاين إنه يعارض «بشكل شخصي» توجيه ضربة عسكرية ضد إيران. ومن المقرر أن ترأس المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رئاسة جلسة المشاورات الحكومية التي كان من المخطط أن تعقد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لكنها تأجلت بسبب وعكة ألمت بنتنياهو.

ومن المقرر أن يشارك الكثير من أعضاء الحكومة في البلدين في جلسة المحادثات، وبينهم وزراء الخارجية والدفاع والتجارة والبيئة والبحث العلمي. يذكر أن أول مباحثات حكومية ألمانية إسرائيلية عقدت في مارس (آذار) 2008. وتهدف هذه الجلسات، وفقا لشتاين إلى خلق حوار دائم بين البلدين يتجاوز مستوى الأنشطة اليومية. وأشار شتاين إلى أن الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس سيزور ألمانيا في وقت لاحق الشهر الحالي، حيث يلقي كلمة أمام البرلمان الألماني (البوندستاج)يوم 27.

وعلى صعيد متصل، أعلن القضاء الأميركي توجيه الاتهام رسميا إلى ثلاثة أشخاص في قضية تصدير معدات تكنولوجية بشكل غير شرعي إلى إيران، التي يثير برنامجها النووي مخاوف الغرب.

ووجهت المحكمة الفيدرالية في لوس أنجليس إلى كل من الأميركي جيراير أفانيسيان (56 عاما) والإيراني فرهود ماسوميان (42 عاما) تهم الاشتراك في عصبة أشرار وتهريب بضائع وتبييض أموال، بالإضافة إلى تهم أخرى. واعتقل أفانيسيان الاثنين في منزله في ضاحية لوس أنجليس، في حين أصدر القضاء مذكرة توقيف بحق ماسوميان. أما المتهم الثالث فيدعى أمير حسين صيرفي، وقد اعتقل مطلع الأسبوع في مدينة فرانكفورت الألمانية بناء على استنابة قضائية أميركية. وبحسب السلطات الأميركية فإن أفانيسيان المولود في إيران يملك شركة في كاليفورنيا اسمها «إكس في آي سي»، وقد أجرى منذ عامين مراسلات إلكترونية مع المتهمين الآخرين في القضية بغية تصدير مضخات لسحب الهواء ومعدات أخرى إلى إيران عبر منطقة حرة في الإمارات.

ونقلت صحيفة لوس أنجليس تايمز عن مصادر قضائية قولها إن هذه المضخات تستخدم في «تطوير قدرات نووية»، وبالتالي فإن تصديرها يحتاج إلى ترخيص من السلطات بحسب القانون الأميركي. ويواجه المتهمون عقوبة السجن لمئات السنين في حال أدينوا بالتهم الموجهة إليهم.