الحريري يحصل من فرنسا على «تطمينات» لجهة عمل عسكري إسرائيلي محتمل

توقيع 6 اتفاقيات والتزام فرنسي بدعم وتحديث الجيش

رئيس الحكومة الفرنسية، فرنسوا فيون، يرحب بنظيره اللبناني سعد الحريري، قبل البدء بمحادثاتهما الرسمية أمس في باريس (أ.ف.ب)
TT

استخدم وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير لغة بالغة الصراحة أمس، عقب لقائه صباحا رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في فندقه عندما سئل عن التهديدات الإسرائيلية للبنان وإمكانية اندلاع نزاع جديد بين حزب الله وإسرائيل ومدى قدرة فرنسا على تقديم «ضمانات» للبنان، فأشار الوزير الفرنسي الذي التقى الحريري بحضور نظيره اللبناني علي الشامي والسفير اللبناني بطرس عساكر، إلى ثلاثة أمور مترابطة في نظره وهي: أولا :فرنسا لا تتوقع عملا عسكريا إسرائيليا «في الوقت الحاضر» رغم وجود تهديدات بذلك. وثانيا: فرنسا لا تستطيع أن تقدم «ضمانات» للبنانيين ولكنها «أثارت» الموضوع مع الجانب الإسرائيلي إذ إن «الضمانات الإسرائيلية يعطيها الإسرائيليون أنفسهم». والنقطة الثالثة، وهي الأهم، تتمثل في التحذير من أن يعمد «بعض القادة الإيرانيين»، في إطار عملية «هروب إلى الأمام» من الدفع نحو إشعال الوضع في الجنوب لأن «حزب الله مسلح.. ولا يمكن استبعاد حصول أحداث ستكون مؤسفة ومدانة».

ووصف كوشنير هذا الاحتمال بأنه «أمر خطير».

وبالطبع، لا يتوافق التشخيص الفرنسي مع التشخيص اللبناني الذي يشدد على التهديدات الإسرائيلية. ولذا اعترف كوشنير الذي قال إنه سيقوم قريبا بزيارة إلى لبنان، بأن «التحليلات (اللبنانية والفرنسية) عن إيران ليست متطابقة». لكنه خفف من أهمية اختلاف المقاربات معتبرا أنه «أمر طبيعي».

غير أن هذا التمايز لم يؤثر بتاتا على «حرارة» الاستقبال الفرنسي للرئيس الحريري الذي يرافقه سبعة وزراء ولا على حرص فرنسا على مساعدة لبنان والوقوف إلى جانبه سياسيا واقتصاديا وماليا وهو ما تمثل في الاتفاقيات الست التي وقعت بعد ظهر أمس في مقر رئاسة الحكومة بحضور رئيس الحكومة الفرنسية فرنسوا فيون والحريري وسبعة وزراء لبنانيين والوزراء الفرنسيين المعنيين والهيئات ذات الصلة. وأفضل مثال على «التساهل» الفرنسي مع لبنان والرغبة في مساعدته ما قاله فيون بخصوص استعداد فرنسا لمناقشة سبل تمكين لبنان من الاستفادة من مساعدة قيمتها 225 مليون يورو، قررت في مؤتمر باريس 3وربط صرفها بالإصلاحات الاقتصادية اللبنانية وتحديدا تخصيص الهاتف الجوال والكهرباء. وإذ أكد فيون أن فرنسا ترى «بطبيعة الحال» أنه يتعين تنفيذ هذه الإصلاحات، إلا أنها «مستعدة لمناقشة محتوى الإصلاحات وسرعة تنفيذها» إذ إن المهم، في رأيه هو أن «تعطى» المساعدة للبنان. وكشف فيون عن الاستعداد لإرسال وفد من الخبراء الفرنسيين إلى بيروت لتسوية هذه النقطة. وشملت الاتفاقيات التعاون الأمني والمساعدة القضائية ودعم إدارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية ومساعدة فنية للبنان في مجال الدراسات الاقتصادية والتعاون في قطاع التعليم والتأهيل للموظفين الحكوميين في الشرق الأوسط وأخيرا اتفاق للتعاون العلمي والبحوث التقنية. وفي الكلمة التي ألقاها بعد جلسة المباحثات بين الحريري وفيون والاجتماع الموسع وحفل الغداء والتوقيع، «طمأن» فيون نظيره اللبناني إلى أن باستطاعته «الاعتماد» على دعم فرنسا لتنفيذ إصلاحاته ولدعم استقرار ووحدة لبنان واستقلاله وسلامة أراضيه لا بل أيضا على «خبرة» الشركات الفرنسية في مشاريع البنى التحتية الكبرى. ووجه فيون خمس رسائل عبر الحريري للبنانيين أولاها أن عضوية لبنان في مجلس الأمن «ترتب عليه مسؤولية كبرى» منها «ضرورة تطبيق قرارات مجلس الأمن وتحديدا القرار 1701 وأن فرنسا متمسكة بتنفيذ كامل بنوده من قبل كل الأطراف المعنية في لبنان وإسرائيل» إذ إنه «يبقى المرجع الذي لا مفر منه». ويشكل كلام فيون استنكارا للخروقات الإسرائيلية للقرار وانتقادا لاستمرار حزب الله متمسكا بسلاحه. والرسالة الثانية تتناول قوات «اليونيفيل» الدولية التي تساهم فيها فرنسا بـ1500 رجل. وقال فيون إن «اليونيفيل» «عامل استقرار أساسي في الجنوب»، بمعنى أن انسحابها سيضرب الهدوء القائم على الحدود. وبنظر فيون فإن التعاون بين «اليونيفيل» وبين الجيش اللبناني «أساسي». أما الرسالة الثالثة فتتناول المحكمة الدولية التي أعلن فيون استمرار دعم فرنسا لها على أن «تعمل بكل موضوعية لتحقيق العدالة ووضع حد للإفلات من العقاب»، فيما الرسالة الأخيرة تتناول العلاقة مع سورية إذ اعتبر فيون أن «التطبيع» فرصة للبنان والمنطقة. لكنه اعتبر أنه يجب الاستفادة منه لتسوية مشكلة الحدود والمفقودين اللبنانيين في سورية. وكشف فيون أنه سيقوم بزيارة لسورية الشهر المقبل، ولخص رؤية فرنسا للبنان كالتالي: «فرنسا ترى أن للبنان دورا محوريا من أجل تطور المنطقة والوصول إلى السلام، لذا ثمة حاجة لإسماع صوته وفرنسا ستكون إلى جانبه في كل ذلك».

وأشار الحريري إلى المساعدة التي يمكن أن تقدمها فرنسا و«الآخرون» في هذا المجال. ووصف الحريري طريقة التعاطي السورية بأنها «إيجابية» مضيفا أن ترسيم الحدود «ليس غرضه بناء الأسوار بل فتح الحدود» لدوافع اقتصادية تفيد الطرفين اللبناني والسوري. ووضع الحريري زيارته إلى دمشق تحت باب «جهود المصالحة العربية» ومبادرة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز.

وفي الكلمة التي رد بها على فيون، جدد الحريري التزام لبنان بالاستمرار في جهود الإصلاح التي تسعى للحفاظ على الاستقرار الداخلي وتوفير التنمية والديمقراطية. كذلك أكد أن حكومته «ملتزمة بتنفيذ كامل بنود القرار 1701 ولذا فإنها ترغب في تقوية الجيش اللبناني طالبا من فرنسا المساعدة على ذلك»، وهو ما رد عليه فيون بأن فرنسا «جاهزة» للمساعدة. واعتبر رئيس الوزراء اللبناني أن السلام هو «مفتاح الوضع الإقليمي كله».

أما بالنسبة لموضوع عضوية لبنان في مجلس الأمن وهو ما أثاره الجانب الفرنسي ويفترض أن يثيره الرئيس ساركوزي اليوم لدى استقباله الحريري، فقد أدخل الأخير عنصرا جديدا على «التصور» اللبناني إذ رأى أنه يتعين أن تعكس المواقف اللبنانية في مجلس الأمن «الإجماع العربي» بعد أن كان قد قال لصحيفة «لو موند» أول من أمس إن لبنان سيصوت «وفق مصالحه وهو أمر مشروع».