أشرطة كاسيت تحرض على العنف تلقى رواجا في صنعاء أكثر من الأغاني

«الشرق الأوسط» ترصد تحديات التطرف والإرهاب في اليمن في ظل «الحرب المفتوحة» على القاعدة

سائحان غربيان يزوران المدينة القديمة في صنعاء، أمس. وتوقف اليمن عن إصدار تأشيرات الدخول للأجانب في المطارات والمعابر الحدودية (إ.ب.أ)
TT

تواصل الحكومة اليمنية حربها المفتوحة التي أعلنتها، مؤخرا، ضد تنظيم القاعدة، في ظل اهتمام دولي غير مسبوق بالإرهاب في اليمن، وتتمثل هذه الحرب في العمليات الجوية والملاحقة الأمنية لعدد مما تصفها بـ«أوكار القاعدة». وقالت أجهزة الأمن اليمنية: إنها قتلت ما يقارب من 15 عنصرا من التنظيم، في العمليات الجوية التي تثير جدلا بسبب لجوء السلطات إليها وتجنب المواجهات المباشرة مع المسلحين الذين يعتقد في انتمائهم للقاعدة.

ومنذ عدة سنوات اتخذت السلطات اليمنية إجراءات ضد بعض أشكال التطرف في البلاد، كان أبرزها تلك التي اتخذت ضد المدارس الدينية أو ما كان يعرف بالمعاهد العلمية، إلا أن عددا من تلك المدارس ما زال قائما في البلاد ويشحذ الهمم في نفوس المتلقين بأفكار، تصنف اليوم على أنها «متطرفة» و«أصولية». وشملت تلك الإجراءات، أيضا، المساجد والسيطرة على منابر الخطابة فيها، غير أن الخطوة لم تكتمل، وانحصرت بعد عام 1997 ومن ثم بعيد 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، على المساجد التي كان يسيطر عليها بصورة مباشرة، الخطباء من أنصار حزب التجمع اليمني للإصلاح الإسلامي المعارض حاليا، الذي انفرط عقد تحالفه مع الرئيس علي عبد الله صالح وحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم في صيف العام 1997، بعد أن كان تحالفهم قويا وكبيرا منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، ووصل إلى أوجه وتوج بالعمل السياسي والعسكري المشترك الذي قاما به معا ضد شريكهما الثالث في الحكم داخل دولة الوحدة الجديدة التي قامت عام 1999، وهو الحزب الاشتراكي اليمني، مما أدى إلى إقصائه من الحكم.

وحسب متابعين ومراقبين للوضع في اليمن فإن أشرطة الكاسيت التي تتضمن خطبا ومحاضرات تحرض على العنف والكراهية ضد الآخر، بدأت تنتشر في محلات عديدة داخل العاصمة صنعاء وغيرها من المدن الكبرى والصغرى للبلاد، وربما أكثر من تلك التي تحتوي الأغاني، وليس غريبا أيضا أن تجد تلك الأشرطة تباع فوق محلات جوالة، تحملها دراجات هوائية.

ويرى مراقبون أن خطورة هذه الأشرطة لا تكمن في مضامينها، فقط، بل في انتشارها داخل مجتمع نسبة الأمية فيه مرتفعه للغاية، في الوقت الذي تسيطر فيه القوى التقليدية على الأمور على حساب قوى الحداثة، وهو ما يجعل من تلك المواد الإعلامية التقليدية، ذات تأثير قوي على عقل المتلقي ووعيه، وهو المواطن اليمني البسيط.

وحاليا نشهد حربا ضد الإرهاب، أكثر مما كانت عليه في السنوات الماضية، وذلك بعد أن تكشفت حقائق ومعلومات بأن تنظيم القاعدة اتخذ من اليمن، عبر أعضاء وقيادات يمنية وسعودية، موطئ قدم لتخطيط عمليات ولتنفيذها، ليس ضد اليمن فقط بل ضد بعض دول الجوار والدول والغربية أيضا. ولعل قيام الضابط الأميركي من أصل فلسطيني نضال مالك حسن الذي قتل 13 من رفاقه في قاعدة فورت هود الأميركية، ومحاولة الشاب النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب تفجير طائرة أميركية فوق سماء مدينة ديترويت ليلة عيد الميلاد الماضية، واتضاح علاقة الرجلين بالمتشدد اليمني أنور العولقي، هو ما عجل بهذه الحرب ضد القاعدة والإرهاب في اليمن. لكن المراقبين يعتقدون أن اليمن ليس بحاجة إلى محاربة الإرهاب بالصورة التقليدية المتعارف عليها فقط، بملاحقة العناصر التي يعتقد في انتمائها للقاعدة وقتلها أو اعتقالها، بل بحاجة أيضا إلى التصدي للقوى المتطرفة، المتغلغلة في أوساط المجتمع اليمني والحد بصورة كبيرة من أنشطتها وأدائها وتعاظمها المضطرد، إلى جانب أن عددا من المحللين السياسيين يأخذون على النظام في اليمن تحالفه الذي يمكن أن يوصف بالوثيق، مع هذه القوى، وهو ما أدى إلى انحصار القوى الأخرى. وعقد في صنعاء مؤخرا أكثر من 150 عالما سلفيا مؤتمرا صحافيا دعوا فيه إلى «الجهاد» في حال سمح اليمن بدخول قوات أجنبية إلى البلاد لقتال تنظيم القاعدة، ويفسر المراقبون هذه الدعوة بأنها دعوة لقتال الحكومة اليمنية في المقام الأول في حال الأخذ بــ«السيناريوهات» المحتملة مستقبلا. وفي العام المنصرم كان أكثر من 1000 من هؤلاء العلماء السلفيين يعقدون مؤتمرا استمر عدة أيام، خصص لمناقشة قضايا سياسية، وهو الأمر الذي يخلق تساؤلات حول دور هذه الجماعات في السياسة اليمنية ومستقبل هذا الدور في ظل نبرة العنف والتهديد التي يكتسي بها خطابهم.

ويقول محللون سياسيون: إن ظهور جماعة الحوثيين المتمردة حاليا في شمال البلاد، جاء كردة فعل طبيعية، على تنامي نشاط الجماعات السنية السلفية وبالأخص داخل المناطق الزيدية، كمركز دماج الواقع بالقرب من مدينة صعدة، الذي يؤكد عدد من المصادر أنه يضم طلابا من بريطانيا والولايات المتحدة ومن جنسيات أخرى إلى جانب الطلاب اليمنيين، ولا يعرف إن كان الطلاب فيه يتلقون تدريبات عسكرية أم لا، لكن المؤكد أنه يوجد في المركز مسلحون، بدليل الاشتباكات التي تجري بين وقت وآخر بين بعض هؤلاء الطلاب ومسلحين من الحوثيين الذين استثمرتهم إيران وحولتهم إلى شوكة في خاصرتي اليمن والسعودية، بحسب الاتهامات اليمنية لطهران.

ويقول الدكتور عبد الله الفقيه، أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء: إن ظهور الحوثي في صعدة اقتضته «لعبة الرافعات» التي يمارسها النظام وتقود إلى سطوع نجوم جماعات وخبو نجوم جماعات أخرى. وإن انتشار السلفية في صعدة، «لم يكن بعيدا عن لعبة التوازنات داخل اليمن، وقد ساعدت السلفية بشكل كبير في ظهور الحوثية بما خلقته من استثارة وحقد ضد القوى التي تسعى إلى إضعاف المذهب الزيدي. وقد ظهرت الحوثية عندما أراد النظام، الذي دعمها لبعض الوقت كورقة، إسقاطها من لعبة التوازنات». لقد تغلغلت الجماعات الإسلامية السلفية المتشددة في اليمن بصورة كبيرة وبالأخص بعد عام 1994، عندما انتهت الحرب الأهلية، ولدى هذه الجماعات عدد من المعاقل المنتشرة في البلاد، أبرزها، بالطبع، جامعة الإيمان التي يملكها ويديرها الشيخ عبد المجيد الزنداني، الذي وضع اسمه على لائحة مجلس الأمن الدولي كأحد ممولي الإرهاب، ولا يستطيع مغادرة اليمن إلى أي بلد منذ عدة سنوات خشية أن يعتقل ويسلم إلى الولايات المتحدة.

ويرى الفقيه في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أنه «لا يمكن لليمن أن يحارب الإرهاب في ظل تشجيع التشدد والمتشددين أو من دون حل مشكلة صعدة التي تعتبر مفتاحية للنجاح في الحرب على الإرهاب، والمشكلة هي أن الطلب على التشدد في ازدياد وليس في تراجع». وفي ظل الحرب الجديدة على الإرهاب، إن جاز الوصف، تظل هذه الجماعات المتشددة وأنشطتها وخطاباتها المؤيدة لتنظيم القاعدة، تحديا مهما أمام الحكومة اليمنية وحلفائها الدوليين في محاربة الإرهاب.