خبراء عسكريون: «حزب الله» ينقل مواقع إطلاق الصواريخ إلى مناطق داخل لبنان

مخاوف من أن تتحول التوترات إلى مناطق شمالية لتمثل تحديا أمام الجيش والحكومة

TT

نقل حزب الله مواقع إطلاق الصواريخ طويلة المدى إلى داخل الشمال اللبناني وفي وادي البقاع، ويرى محللون أن هذه الخطوة تمثل خطورة؛ فيمكن أن يتوسع أي نزاع مستقبلي بين حزب الله وإسرائيل ويتحول إلى حرب بين الدولتين. وتحرك إلى المنطقة أكثر من 10 آلاف جندي تابع للأمم المتحدة يقومون بدوريات داخل المناطق التقليدية لحزب الله في جنوب لبنان وعلى امتداد الحدود الإسرائيلية، بالإضافة إلى عدة آلاف من أفراد القوات المسلحة اللبنانية. وعبّأت الأمم المتحدة قواتها في إطار اتفاق لوقف إطلاق النار. وترى الأمم المتحدة أن الوجود المكثف لقواتها داخل المنطقة الصغيرة نسبيا يساعد في تقليل احتمالية نشوب نزاع، ويضعف من قدرة حزب الله على نقل الأسلحة عبر جنوب لبنان. ولكن يقول محللون داخل لبنان وإسرائيل: إن بعثة الأمم المتحدة لا علاقة لها بالأمر تقريبا.

وتظهر عمليتا إعادة التعبئة والتسلح التي قام بهما حزب الله أخيرا أنه لا يحتمل أن تركز المصادمات المقبلة مع إسرائيل على الحدود، ولكنها ستتحول بدرجة أكبر إلى داخل لبنان لتمثل تحديا أمام الجيش والحكومة. ولهذا الوضع أهميته بالنسبة للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة داخل المنطقة، سواء تلك التي تهدف إلى الحد من نفوذ مناصري حزب الله داخل إيران أو إقناع سورية بتلطيف موقفها تجاه إسرائيل وجيرانها. ويقول الجنرال أهارون زئيفي فركش، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية: إن حزب الله «تعلم الدرس» في 2006 عندما مكنت المعلومات الاستخباراتية المهمة قوات الدفاع الإسرائيلية من تدمير مواقع إطلاق الصواريخ الطويلة المدى التابعة للحزب، خلال الأيام الأولى من نشوب الحرب. ويضيف «الحدود حاليا هي نهر الليطاني»، مع احتمالية انتشار مواقع إطلاق الصواريخ التابعة لحزب الله شمال بيروت. وخلال مؤتمر عقد في ديسمبر (كانون الأول)، قال أفيف كوتشافي، رئيس العمليات في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية: إن بعضا من صواريخ حزب الله يمكن أن تصل لأكثر من 150 ميلا، أي يمكنها الوصول إلى تل أبيب من مكان بعيد مثل بيروت. وقد تحدث حزب الله صراحة عن جهوده لإعادة البناء، وتقدر إسرائيل أنه يوجد لدى حزب الله نحو 40 ألف قذيفة، معظمها من الصواريخ القصيرة المدى والهاون. وتقول جوديث بالمر هاريك، الأكاديمية المختصة بشؤون حزب الله في بيروت: إن «حزب الله حصن الكثير من المناطق المختلفة». وتضيف أنه مع حشد القوات اللبنانية وتلك التابعة للأمم المتحدة «على الحدود، نتوقع نشوب معركة موسعة بدرجة أكبر».

وقد شهدت الحدود هدوءا نسبيا منذ حرب 2006، ويرجع مسؤولون في القوات الأممية المسؤولة عن حفظ السلام بلبنان، والمعروفة باسم «اليونيفيل»، ذلك جزئيا إلى دوريات يبلغ عددها قرابة 400 دورية تقوم بها القوات يوميا بحثا عن مخازن السلاح ولمنع التجاوزات على الحدود. وتقبع آليات مصفحة تابعة للأمم المتحدة على مدخل الجنوب اللبناني، إلى جانب الجيش اللبناني ونقاط تفتيش استخباراتية، وتوجد مراكز على قمم جبلية يرفرف عليها العلم الأزرق المميز لقوات الأمم المتحدة، علما بأن حزب الله كان يستخدم هذه المواقع في إطلاق النيران عام 2006. ويقول الميجور إس كيه ميرسا، المتحدث باسم كتيبة هندية تقوم بدوريات في جنوب شرق لبنان: «نغطي كل شبر مربع، ولذا فإنه من المستحيل أن يتحرك شيء». وفي نفس الوقت، تزداد وتيرة النقاشات داخل الدوائر السياسية والعسكرية بين مَن يرون أن الدمار الذي لحق بكلا الجانبين عام 2006 شكل رادعا بين إسرائيل وحزب الله، ومَن يرون أنه لا يفصلنا عن أعمال عنف مجددة سوى بعض الوقت. وقد خسر حزب الله المئات من المقاتلين خلال الحرب، واضطر إلى الدفاع على الصعيد الداخلي، حيث كان البعض يتساءل عما إذا كان تعهد حزب الله بالاستمرار في «المقاومة» ضد إسرائيل يستحق السماح لتنظيم شبه عسكري غير نظامي باتخاذ قرارات بخصوص الحرب والسلام.

ويقول مروان حمادة، وهو عضو في البرلمان ومؤيد لائتلاف حكومي يحاول الحد من أسلحة حزب الله وتقليص النفوذ السوري والإيراني داخل البلاد: إنه مع دعم إيران وتوفيرها الإمدادات لحزب الله ودعم الولايات المتحدة وتوفيرها الإمدادات لإسرائيل أصبح «لبنان ساحة قتال»، وقال: «هذا هو المكان الذي توجد فيه الصواريخ الإيرانية وهذا هو المكان الذي يمكن أن تصله القوات الجوية الإسرائيلية».

وفي الوقت نفسه، خسرت إسرائيل أكثر من 100 جندي وعدد غير مسبوق من الدبابات والمروحيات وغيرها من الآليات، وهو ما دفعها إلى إعادة صياغة مبدأ الحرب الخاص بها وتغيير تقديراتها لقوات حزب الله. ويرى محللون عسكريون حزب الله قوة مسلحة وتنظيما يمارس «حربا هجينا»، عن طريق المزج بين تكتيكات حرب العصابات واستراتيجيات جيش قائم ومعداته ومقتدراته. وفي تقرير صدر عام 2008 عن معهد الدراسات الاستراتيجية بكلية الحرب التابعة للجيش الأميركي، قال المحللان ستيفن بيدل وجيفري فريدمان: إن حزب الله تصرف خلال 2006 بكفاءة تفوق ما قامت به الجيوش العربية من مصر وسورية والأردن التي دخلت في حروب تقليدية مع إسرائيل على مدار أعوام، وفي بعض الأحيان تفوق على أداء الجيش العراقي في حربيه مع الولايات المتحدة.

ويتفق سياسيون ومحللون داخل بيروت على أن التنظيم أصبح أقوى بعد 2006. وعندما يسمعون السكرتير العام لحزب الله حسن نصر الله يتحدث عن نزاع «يغير وجه المنطقة»، يفترض الكثيرون أن قوات الدفاع الإسرائيلية لن تسمح للتنظيم بأن يعيد تسليح نفسه وتجنيد أشخاص والتدريب لفترة طويلة قبل الحرب. وداخل إسرائيل، يُنظر إلى حزب الله على أنه جزء من صراع أوسع من أجل الحصول على نفوذ إقليمي بين إيران ودول عربية معتدلة متحالفة مع الولايات المتحدة، وذلك على ضوء علاقات حزب الله مع إيران وسورية وإمدادات السلاح المفترض مرورها عبر كلا الدولتين.ويقول الميجور جنرال المتقاعد غيورا إيلاند، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق والباحث البارز بمعهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب: إنه لا يوجد ما يبرر عدم استمرار الهدوء الحالي. ولكنه أضاف أنه إذا نشب نزاع، «فإن إسرائيل لن تقصر هذه الحرب على حزب الله. لا يمكن أن نقوم بذلك». وقال: إنه على ضوء مقتدرات حزب الله فإن «الطريق الوحيد لردع الجانب الآخر ومنع الجولة المقبلة، أو الفوز بها حال وقوعها، هو المواجهة العسكرية مع الدولة اللبنانية».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص «الشرق الأوسط»