الطوارق يستعدون لإطلاق أول حزب سياسي في مالي.. واستراتيجية للنهوض في مناطقهم

رئيس التحالف الديمقراطي المالي لـ «الشرق الأوسط» حذر من احتلال «القاعدة» للصحراء.. بعد سحب أسلحتهم

رئيس دولة مالي أمادو توماني لدى استقباله وفدا من قبائل الصحراء في مايو 2008 لمناقشة المشكلات التي تعاني منها المناطق الشمالية في البلاد، حيث ينشط مقاتلو الطوارق (إ.ب.أ)
TT

حذر التحالف الديمقراطي من أجل التغيير في مالي، الذي يمثل الثوار الطوارق، من احتلال «القاعدة» والتنظيمات الإسلامية للصحراء بعد تسليم الطوارق أسلحتهم وإخلاء مواقعهم في الصحراء في كل من مالي والنيجر. في وقت وضع فيه الطوارق استراتيجية عمل جديدة للنهوض.

وقال أحمد أغ أبيبي، رئيس التحالف الديمقراطي وعضو البرلمان المالي لـ«الشرق الأوسط»: «منطقة الصحراء تحولت إلى ملجأ جديد للعمليات المسلحة من قبل الإسلاميين والعصابات، بسبب عدم تطبيق اتفاقيات السلام الموقعة مع الحكومة المالية منذ ثلاث سنوات»، مؤكدا أن التحالف الذي اجتمعت قياداته في الجزائر منذ السادس من يناير (كانون الثاني) الحالي يحاول إعادة التأكيد على أن تبقى الصحراء آمنة، وأن تبقى لأهلها من خلال تطبيق بنود اتفاقيات السلام التي وقعت في الجزائر.

بدوره، أكد الناطق باسم التحالف في أوروبا حاما أغ سيد أحمد، أن الاتفاقيات الموقعة بين الطوارق والحكومة المالية لم يطبق منها سوى 10 في المائة فقط، مؤكدا أن عدم تنفيذ بنود السلام لن يؤدي إلا إلى اشتعال المنطقة التي تشهد الآن نذر جفاف، وربما تشهد حروبا قبلية بين بعض القبائل وكذا حروب عصابات.

وأضاف سيد أحمد في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» أن تهاون حكومات المنطقة سيضاعف من المشكلة وسيعقدها، وقد يدفع ذلك الطوارق إلى حمل السلاح مجددا لحماية أمنهم ومنطقتهم. لكنه شدد في الوقت ذاته على أنه على وسطاء السلام إدراك هذه الحقيقة ومضاعفة جهودهم للحيلولة دون وقوع كارثة أكبر. وشهدت اجتماعات قيادات تحالف الطوارق في الجزائر نقاشات موسعة، التقت جميعها على تأكيد رغبتهم في تحقيق السلام، بعد أن سلموا جميع أسلحتهم، وهو ما كانت السلطات المالية والنيجرية تتخذه مبررا لعدم تطبيق بنود السلام في السنوات السابقة.

كما أكدت هذه القيادات على ضرورة التوجه للعمل السياسي، من خلال تأسيس أول حزب سياسي يمثل الطوارق وغيرهم من الماليين الراغبين في الاستقرار السياسي. وقال أحمد أغ أبيبي في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط»: «إننا ماضون في السلام ما أمكن، وستجتمع جميع قياداتنا في كيدال (شمال مالي) الشهر المقبل لمناقشة أسس وكيفية إطلاق أول عمل حزبي»، مؤكدا أن المشاركة ستكون مفتوحة لجميع الراغبين في العمل السياسي.

وقال أغ أبيبي إن تأسيس الطوارق للحزب لن يجعله مغلقا، بل سيكون حزبا وطنيا لجميع الماليين الراغبين في السلام والاستقرار وتحسين ظروف عيشهم، مشددا على أن على الحكومة المالية إدراك هذه التوجهات والمساعدة في تحقيقها إذا ما رغبت في تحقيق السلام، لكنه كما يشير فإن الأسس الحقيقية لهذا العمل لن تتحقق إلا بتنفيذ بنود الاتفاقيات أولا، التي من خلالها يمكننا وضع أرضية للانطلاق نحو عيش أفضل لأبنائنا.

وأقر المجتمعون في الجزائر تعيين مجلس لمتابعة تنفيذ الاتفاقيات الموقعة مع مالي، جاعلين أولوية الاستقرار في تطهير الصحراء من العصابات المسلحة والتنظيمات الإسلامية التي بدأت تتغلغل بين السكان وتحاول استمالتهم، وطالب التحالف الحكومة المالية بالإسراع في تنفيذ التزاماتها في هذا الصدد، وإنشاء دوريات مشتركة بين الطوارق والحكومة لحماية المنطقة.

ويتهم بعض أعضاء التحالف الحكومة المالية والنيجرية بعدم الرغبة في تحقيق السلام في المنطقة للمتاجرة بقضيتهم في المجتمع الدولي، وتقديم هذه الدول نفسها على أنها ضحية تمرد وعصابات لاستنزاف المساعدات التي تذهب حسب رأيهم لجيوب كبار الموظفين. وفي القرارات التي أصدرها المجتمعون في الجزائر أكد التحالف أنه أوفى بجميع المطالب الحكومية التي تمثلت في تسليم الأسلحة، وعودة المسلحين إلى المجتمع، وهي شروط من المفترض أن تتبعها خطوات واسعة من قبل الحكومة المالية تبدأ ببرنامج التنمية المستدامة، وأهم شروطه إيجاد فرص عمل للشباب الطوارق وإعادة دمجهم في المجتمع، وشق الطرق من وإلى المدن الصحراوية، وإقامة بنية للصحة والتعليم، وغيرها، وهي ذاتها المطالب المتكررة منذ ثورة التسعينات، والتي لم يطبق منها شيء على أرض الواقع وأدى عدم تطبيقها إلى تجدد الحركات المسلحة في المنطقة.

واتهم الطوارق الحكومة المالية بتعطيل جميع آليات تنفيذ الاتفاقيات، ومن أهمها لجان المتابعة التي عطلت عن العمل تماما، وكذا غياب أي حوار بين أطراف النزاع كلما سلم الطوارق أسلحتهم.

أحمد أغ أبيبي أبرز القيادات قال «نحن الآن في فترة تهدئة نريد أن نؤكد من خلالها رغبتنا في السلام لإعطاء الوسيط (الجزائر) والحكومة المالية وكذا الدول المعنية وقتا لوضع الحلول، كما أنها فترة إعادة ترتيب أوراقنا. ونطالب بأمن منطقتنا أولا، فلا تنمية دون سلم». وأضاف أن أولويات ذلك استتباب الأمن وطرد العصابات المسلحة، ودمج مقاتلينا.

وطالب أغ أبيبي الجزائر وجميع المانحين بلعب دورهم، فاستقرار الصحراء - كما يشير - هو استقرار لجميع دول الجوار، التي يوجد فيها الطوارق كمواطنين أيضا. وقال «على الجزائر أن تلعب دورا أكبر». وأشار أحمد أغ أبيبي إلى أن دول الاتحاد الأوروبي، وكذا ليبيا أبدت استعدادها للمشاركة في تمويل برامج التنمية، لكنها جميعا اشترطت تحقيق الأمن في المنطقة. وهو ما على الوسيط الجزائري وكذا الحكومة المالية تحقيقه.

ويعيش سكان الصحراء هذه الأيام حالة من الهلع بعد انتشار عصابات صغيرة وكبيرة في شتى مناحي الصحراء، وكذا حالة من الذعر جراء نذر الجفاف التي بدأت تطل بدورها، وهو العدو الأول لسكان صحراء قاحلة لا تعرف المطر. وتقوم بعض الدول وبعض المنظمات بمحاولات جاهدة لطمأنة السكان، من خلال برامج لاستصلاح الأراضي، وشق قنوات مائية جديدة، حيث قامت ليبيا بإعادة شق قناة في تمبكتو من شأنها إعادة المياه للمدينة التي يتهددها التصحر، كما تقوم باستصلاح أراض زراعية في منطقة غاوا لسد النقص الغذائي في الشمال، إضافة إلى وعود تنمية أكدت مؤسسة القذافي الخيرية أنها ستباشرها فور تحقيق الاستقرار الأمني في المنطقة في شتى مدن الشمال. كما يقوم الاتحاد الأوروبي بعدد من البرامج في شتى المجالات، إضافة إلى عشرات المنظمات التي تقوم بحفر الآبار، وتقديم الأدوية، وكلها برامج يهدد عدم الاستقرار الأمني بتقويضها في الوقت الراهن.

ويحاول التحالف الديمقراطي من أجل التغيير توعية سكان المنطقة بأهمية العمل السياسي داخل البلاد، الذي من شأنه توعية السكان وإدراكهم لحقيقة وضعهم كسكان يتهددهم عدم الاستقرار، ويحاول قيادات التحالف تأسيس منظمتهم السياسية لحماية السكان من الفرقة وجمعهم تحت أهداف سياسية واحدة تضمن السير بقضية الطوارق داخل وخارج المنطقة، بعيدا عن أي مزايدات، خاصة أن أطماعا حقيقية وأعداء جددا يظهرون في المنطقة بين حين وآخر كما يشير هؤلاء.

ويعم الاستياء بين معظم قيادات الطوارق في كل من مالي والنيجر، إذ يمضي هؤلاء بقناعة واحدة تؤكد عدم وجود رغبة حقيقية من قبل دولهم في تحقيق الاستقرار، والمتاجرة بقضيتهم داخليا وخارجيا، وتقديمهم دوما على أنهم بدو متمردون، ومتعاطفون مع «القاعدة» والجماعات الإسلامية المسلحة، كما أن دولهم تقدمهم على أنهم العصابات التي تتاجر بالمخدرات وتقتل السياح وتختطفهم في كثير من الأحيان. وكلها أشياء حسبما يؤكد الناطق باسم التحالف «تحوجنا إلى توعية سكان الصحراء، وخلق إعلام بينهم.. إذ ليست لدينا أي وسائل للإعلام لتقديم قضيتنا، ومطالبنا، أو حتى لتبرئة أنفسنا من التهم وتشويه السمعة التي تتعرض لها قضيتنا بين حين وآخر».

ومنذ برنامج تسليم الأسلحة الذي رعته ليبيا نهاية العام المنصرم، بدأت عدة مشاكل تظهر في مناطق الطوارق، حيث عادت موجة اختطاف السياح، ونشاط العصابات المتاجرة بالمخدرات خاصة في بعض المناطق التي انسحب منها المسلحون الطوارق، كما بدأت بعض المشاكل تظهر بين عدد من القبائل في المنطقة، ويخشى المراقبون من جر المنطقة إلى حروب قبلية مع ظهور الجفاف بسبب النزاع على المراعي ومنافذ تجارة المخدرات من قبل بعض العصابات. ويؤكد تحالف الطوارق ضرورة السرعة لتطويق هذه المشكلات حتى لا تتحول المنطقة إلى دارفور أخرى خارجة عن السيطرة، خاصة مع ظهور ثروات كالنفط واليورانيوم في منطقتهم من شأنها أن تغذي أطماعا جديدة ويكونون آخر المستفيدين منها.

تحالف الطوارق الذي يسعى إلى النهوض باستراتيجية عمل جديدة شدد على أن سياسة التجاهل التي نهجتها دولهم لن تزيد موقفهم إلا إصرارا، وهي سياسة جعلت الكثيرين يشددون على طرح قضية الانفصال عن هذه الدول التي لا تعيرهم آذانا صاغية، وتصوغ سياساتها بعيدا عنهم.. مما جعل معاناة سكان الصحراء تتفاقم يوما بعد يوم، وجعل حياتهم تمضي إلى نفق مجهول لا نهاية له.