بغداد: انهيار مبنى الأدلة الجنائية ومقتل وإصابة نحو 100 في هجوم انتحاري

أوديرنو: مهاجمو فنادق بغداد استخدموا تكتيكات جديدة.. والتفجيرات لا علاقة لها بإعدام «الكيماوي»

جنود عراقيون وأميركيون يعاينون الأضرار التي خلفها تفجير انتحاري استهدف مبنى الأدلة الجنائية في بغداد، أمس (إ.ب.أ)
TT

لقي 18 شخصا على الأقل حتفهم وأصيب 80 آخرون في هجوم انتحاري استهدف مكتب الأدلة الجنائية التابع لوزارة الداخلية العراقية، في بغداد أمس، ووقع الانفجار بعد يوم واحد من ثلاث هجمات انتحارية منسقة استهدفت ثلاثة من أكبر الفنادق في العاصمة مما أسفر عن مقتل 36 شخصا وإصابة العشرات. وقال مسؤول في وزارة الداخلية إن كثيرا من القتلى أو المصابين في تفجير أمس من الشرطة بعد أن فجر انتحاري السيارة التي كان يستقلها خارج مكتب للطب الشرعي. وأصيب في الهجوم 80 شخصا، كما أسفر عن انهيار المبنى وتضرر المحلات التجارية المجاورة.

وتزيد هذه التفجيرات، التي قوضت توقفا مؤقتا للهجمات الكبرى التي تستهدف المباني الحكومية وغيرها من الأهداف الأمنية الذي استمر سبعة أسابيع، من التوترات قبل الانتخابات البرلمانية التي تجرى في السابع من مارس (آذار) القادم.

وقال اللواء قاسم عطا الموسوي، المتحدث باسم عمليات بغداد، إن «عدد قتلى تفجير اليوم تسعة» مضيفا أن «68 أصيبوا». وذكر مسؤول في وزارة الصحة الأعداد نفسها، حسبما أوردته وكالة «رويترز». وترد تقارير مختلفة بصورة كبيرة عن أعداد القتلى بعد التفجيرات التي تقع في العراق. وهرعت سيارات الإسعاف وقوات الإطفاء إلى مكان الحادث. وتكبد المبنى التابع لوزارة الداخلية، الذي تحيط به مطاعم ومتاجر، أكبر الخسائر.

وقال حسن السعيدي، وهو صاحب متجر لإصلاح السيارات يقع قرب مكان الانفجار: «سمعت الكثير من الانفجارات سابقا.. لكني لم أسمع مثل هذا الانفجار.. كان قويا جدا». وأضاف: «شاهدت ما يقارب خمس سيارات بالقرب من الانفجار احترقت بالكامل.. كان بداخلها أشخاص، وأنا متأكد أن قسما منهم ماتوا، وآخرون منهم جرحوا». وكان حيدر الجوراني، وهو نائب في البرلمان العراقي يمر بجوار المبنى عندما وقع الانفجار ونقل إلى مستشفى بعد إصابته في الرأس. وقال مسؤول برلماني إن الإصابة ليست خطيرة. والجوراني عضو في كتلة «مستقلون» ضمن ائتلاف دولة القانون، الذي يتزعمه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.

وكان اللواء الموسوي قال قبل التفجير إن المسؤولين شددوا الإجراءات الأمنية بعد التفجيرات التي استهدفت الفنادق وشكلوا لجنة لمعرفة أساليب المسلحين وأسلحتهم. وأضاف: «لأننا ما زلنا في حالة حرب، نحن نتوقع وقوع مثل هذه الهجمات الإرهابية»، ومضى يقول: «ما زال تنظيم القاعدة والمجموعات الأخرى قادرة على تنفيذ أعمال إرهابية هنا وهناك كلما أتيحت لها بعض الثغرات الأمنية والفجوات».

يأتي تفجير الأمس الانتحاري غداة مقتل ما لا يقل عن 36 شخصا وإصابة نحو سبعين آخرين في هجمات انتحارية بواسطة حافلات ركاب صغيرة الحجم بعد ظهر الاثنين استهدفت ثلاثة فنادق في وسط بغداد وجنوبها. وقال قائد القوات الأميركية في العراق الجنرال راي أوديرنو أمس إن مهاجمي الفنادق استخدموا تكتيكات جديدة أبلغ بها جهاز الاستخبارات قبل نحو الشهر. وأضاف أوديرنو أن هجومين على الأقل من الثلاثة التي استهدفت فنادق «فلسطين ميريديان» و«بابل» و«الحمراء» تخللهما إطلاق نار على الحرس قبل أن يفجر الانتحاريون أنفسهم، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية. وأوضح: «لم نشاهد ذلك في السابق. إنه تكتيك جديد على الرغم من أننا تلقينا معلومات استخباراتية بأنهم سيحاولون شن هجمات تحت غطاء إطلاق نار، لقد تم إبلاغنا بذلك منذ نحو الشهر تقريبا».

ووصف أوديرنو أساليب المهاجمين بأنها أصبحت «خلاقة». وقال: «إنهم يشنون هجمات أقل لكنهم يسعون إلى أن تكون النتائج أكبر. إنهم يحاولون لفت الانتباه وإلحاق أكبر قدر ممكن من الأضرار لكي يسائل الرأي العام الحكومة عن ذلك». وأضاف حول الجهة التي يوجه إليها أصابع الاتهام: «لا إثبات لدينا بعد، لكنني أعتقد أن تنظيم القاعدة» وراء الهجمات. ورفض فكرة أن تكون هذه الهجمات مرتبطة بإعدام وزير الدفاع الأسبق علي حسن المجيد (الكيماوي) قائلا: «لا علاقة لها على الإطلاق بعلي الكيماوي». وتابع أوديرنو: «لقد حدث الأمر بسرعة كبيرة. فنحن لم نقم بتسليم علي الكيماوي إلا (أول من) أمس (الاثنين)، كما أننا لم نتخذ قرار تسليمه إلا في اليوم الذي سبقه. من غير الممكن أن يكون أحد علم بذلك».

وللمرة الأولى منذ الصيف الماضي عندما بدأت موجة استهداف مقرات تابعة للوزارات أو الحكومة، ابتعد مخططو هذه الهجمات عن أهداف ترمز إلى السلطة واختاروا أماكن يؤمها الأجانب من صحافيين، ورجال أعمال يسعون وراء فرص اقتصادية.

وتتخذ أغلب القنوات التلفزيونية الفضائية ومكاتب الصحف والوكالات العربية والأجنبية من الفنادق في العاصمة العراقية بغداد مقرات لها بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وفي الوقت الذي استهدفت فيه هذه الفنادق في أوقات سابقة، كان لوقع استهدافها أثر كبير على الصحافيين القاطنين في هذه الفنادق وأغلبهم من العراقيين وإن كانوا يمثلون وكالات أنباء أجنبية أو عربية إضافة إلى العراقية. وأكد أحد الصحافيين المسؤولين عن إحدى القنوات المهمة العاملة في العراق أن «عملية استهداف الفنادق هي لإبراز الموضوع باعتبار أن هذه الفنادق يسكنها كثير من الصحافيين وسيكون وقع الخبر أكثر تأثيرا على الساحة السياسية والشعبية»، لكنه أضاف أن من استهدف هم «المحيطون بالفندق، وأن منظر رجل عجوز كان يبحث عن ابنه وهو يقوم ببيع المواد البسيطة على عربة كان أكثر تأثيرا على أي إعلامي من استهداف محطة بكاملها».

كما قال هادي جلو مرعي، نائب رئيس «مرصد الحريات الصحافية» في العراق، لـ«الشرق الأوسط» إن الهجمات «لم تلحق أي ضرر في حق الصحافيين، كأشخاص، وهذا ما يؤكد نظرية أن الاستهداف كان يبغي تسليط الأضواء على العمليات ليس أكثر من ذلك».