بري يطلق حملة ضغط على السلطات اللبنانية لمقاطعة قمة ليبيا.. أو المشاركة بقائم بالأعمال

«نصائح» لبنانية تلغي زيارة نجاد إلى ليبيا

TT

لن يكون من السهولة بمكان، أن يشارك لبنان في القمة العربية المقبلة المقررة في طرابلس الغرب في ظل الموقف الحاد والمتصلب للطائفة الشيعية ضد المشاركة، الذي عبر عنه أمس رئيس «الهرم السياسي» الشيعي رئيس مجلس النواب نبيه بري، من أمام باب رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان معلنا أنه «يفضل» المقاطعة.

يأتي موقف بري والقيادات الشيعية منسجما مع موقف عام لهذه الطائفة، اقتربت منه المؤسسات الرسمية وابتعدت وفقا للظرف السياسي، ومنبعه قضية اختفاء مؤسس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، الإمام موسى الصدر، الذي اختفى في ظروف غامضة لدى قيامه بزيارة رسمية إلى ليبيا عام 1978 مع اثنين من مرافقيه.

وعلى الرغم من أن بري استعمل لغة دبلوماسية تتناسب مع مقام الرئاسة التي وقف على بابها، فإنه كان يرفع من مستوى الضغط على السلطة التنفيذية في اتجاه المقاطعة، بعدما لمس وجود اتجاه لـ«التفكير في الموضوع» مستبقا أي خطوة رسمية في هذا المجال، كما قالت مصادر متابعة لـ«الشرق الأوسط». وقد أشار بري في تصريحه إلى أن رئيس الجمهورية هو الذي يقرر المشاركة في القمة العربية في ليبيا، «وفخامة الرئيس يعلم علم اليقين أن الإمام موسى الصدر ورفيقيه غُيِّبوا، وهو يحاول الوفاق في تلك الفترة الأليمة من تاريخ لبنان من أجل كل اللبنانيين»، لافتا إلى أنه شخصيا «يفضل المقاطعة». وقد أثرت قضية الصدر بشكل سلبي على العلاقات اللبنانية - الليبية وصلت إلى حد إقفال مكاتب السفارة الليبية في بيروت منذ عام 2003، إثر إحدى مناسبات إحياء الذكرى، التي تناول فيها بري والأمين العام لحزب الله القائد الليبي، القذافي، والنظام الليبي بشكل حاد كعادة بري في كل 31 أغسطس (آب)، موعد إحياء الذكرى المستمر منذ 32 عاما دونما انقطاع.

وقد مارس الرئيس بري منذ وصوله إلى قمة السلطة التشريعية عام 1992 «تمييزا» واضحا بحق السفير الليبي، فامتنع عن دعوته إلى أي من المناسبات الرسمية، كما أن وزراء الخارجية المتعاقبين المقربين من بري منذ مدة تجاهلوا هؤلاء السفراء. ووصلت الأمور إلى حد ممارسة بري «حصارا» على ممثلي ليبيا في البرلمان العربي عندما تولى رئاسته، وهو الآن يقاطع هذا الاتحاد بسبب رئاسة ليبيا له.

ولم تشفع «المواقف الثورية» للقذافي في ترطيب الموقف، ولم تشفع العلاقات المميزة بين ليبيا وإيران في جعل الأطراف الشيعية تتقبل المصالحة مع النظام الليبي، بل جعل إيران تبدو «خجلة» من علاقتها بليبيا، حتى إن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قد ألغى زيارة مقررة إلى طرابلس الغرب بعد «نصائح» وجهتها إليه قيادات لبنانية شيعية رفيعة المستوى، كما أكدت المصادر لـ«الشرق الأوسط». وأدى هذا الواقع أيضا إلى امتناع الأطراف الشيعية عن القبول بمساعدات ليبية في أكثر من مناسبة سواء كانت إنسانية أو عسكرية. ولم تشفع العلاقات الليبية - السورية أيضا لدى بري، الذي تقول المصادر إنه لم يتجاوب مع الكثير من الوساطات السورية، وإن بعضها «انتهى على زعل دام شهورا» من دون أن تفلح في انتزاع موقف أقل حدة حيال هذا النظام.

ويقتصر التمثيل اللبناني في ليبيا حاليا على قائم بالأعمال يريده بري أن يمثل لبنان إذا لم تكتمل فكرة المقاطعة التي تصيب الرئيس سليمان ورئيس الحكومة سعد الحريري بالحرج. وينقل زوار بري عنه لـ«الشرق الأوسط» استبعاده التام للقبول بمشاركة لبنان في القمة العربية برئاسة ليبيا «التي خطفت رجلا هو صديق لكبار الزعماء العرب»، مشيرا إلى أنه ينتظر الموقف الرسمي في هذا الإطار ليبنى على الشيء مقتضاه. ويستغرب بري فكرة القبول بترؤس «مجرم مطلوب للعدالة اللبنانية»، كما يقول، قمة يشارك فيها لبنان.

وكان الرئيس بري يشير بذلك إلى مذكرة توقيف لبنانية صدرت عام 2008 بحق القذافي لاتهامه بـ«التحريض على خطف» الإمام الصدر. وقد أصدر قاضي التحقيق العدلي سميح الحاج، قرارا بهذا الشأن طاول مع القذافي، 6 ليبيين آخرين، لاتهامهم بالاشتراك في العملية، وأيضا «الحث على الاقتتال الطائفي»، التي تصل عقوبتها إلى الإعدام. وطلب القضاء اللبناني توقيف القذافي والمتهمين الستة الآخرين، «وسوقهم إلى محل التوقيف التابع للمجلس العدلي في بيروت». وقالت وثائق المحكمة: «نقرر اتهام المدعى عليه معمر القذافي بمقتضى المادة 569-218 من قانون العقوبات اللبناني للتحريض على خطف سماحة الإمام السيد موسى الصدر وحجز حريته».

وكانت قضية أولية ضد ليبيا أغلقت عام 1986 لـ«عدم توفر الأدلة» خلال فترة رئاسة أمين الجميل. ولكن الادعاء اللبناني أعاد في أغسطس (آب) 2004، أي خلال فترة إحياء الذكرى السنوية للصدر، فتح التحقيق بعد دراسة أدلة جديدة. ومن المفترض أن يتخذ قرار مشاركة لبنان في القمة العربية في ليبيا بعد التشاور ضمن مجلس الوزراء، الذي يضم 6 وزراء شيعة ويضم حلفاء أقوياء للثنائي الشيعي، يجعلهما يمتلكان أكثر من نصف الأصوات بخصوص هذه القضية بعد المواقف الأخيرة للنائب وليد جنبلاط، علما أنه لا سليمان ولا الحريري في وارد طرح الموضوع على التصويت ويفضلان الوصول إلى صيغة ما بشأنه.

وكان الثنائي الشيعي قد فرض، في كل البيانات الوزارية التي صدرت منذ عام 2005 وحتى الحكومة الأخيرة برئاسة الحريري، نصا في البيان الوزاري يتعلق بقضية الإمام الصدر.

وكان نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان أبدى «رفضا مطلقا مشاركة لبنان في أعمال القمة العربية في ليبيا لأننا نعتبرها دولة معادية وظالمة، وقيادتها تتحمّل مسؤولية إخفاء الإمام الصدر ورفيقيه». وقد أكدت مصادر في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى لـ«الشرق الأوسط» أن قبلان بصدد إجراء سلسلة من الاتصالات متابعة لموضوع مشاركة لبنان بالقمة العربية في ليبيا، الذي في اعتقاده بالغ الاهتمام والخطورة، وأن التعاطي مع هذه القضية، بخفة سياسية، لن يكون مقبولا على الإطلاق، مطالبا بموقف رسمي حازم إلى جانب قضية الإمام موسى الصدر، لإعطاء هذه القضية الدعم السياسي إلى جانب الدور القضائي، وقالت المصادر: «إذا كانت الدولة اللبنانية عاجزة عن توقيف الرئيس القذافي، فليكن عدم الذهاب إلى القمة مناسبة للضغط عليه ولو بالسياسة»، محذرة من أن أي خطوة ناقصة في هذا الخصوص «سيدخلنا في دائرة من التجاذبات على الساحة الداخلية نحن في غنى عنها، خصوصا وأن الطائفة الإسلامية الشيعية سيكون لها الموقف الذي يتوافق ومسألة إخفاء الصدر» وأشارت إلى أنه سيكون للمجلس كلام آخر عند اتخاذ الدولة اللبنانية قرارها من المشاركة إن كان إيجابا أو سلبا.