سارة بالين تسعى للعودة بقوة إلى المسرح السياسي في أميركا

ألقت خطابا حماسيا في «مؤتمر حفل الشاي» وفتحت النار على أوباما

TT

اختارت سارة بالين تجمعا لمجموعة من النشطاء كخلفية لأول خطاب سياسي مهم تدلي به منذ قبولها اختيار الحزب الجمهوري لها كمرشحة لمنصب نائب الرئيس الأميركي قبل 18 شهرا. ومن خلال تصريحاتها، وعلى ضوء الاحتفاء الشديد الذي قوبلت به هنا، مضت بالين بحزم تبني مجددا شخصيتها كسياسية قادرة على تولي منصب على المستوى الوطني، ونقلت ذلك مباشرة ثلاث شبكات إخبارية. صعدت إلى خشبة المسرح بينما كان الحشد المجتمع يهتف تحية لها، ومضت توجه انتقادات شديدة للرئيس باراك أوباما، مستخدمة لهجة شعبوية بسيطة بعيدة عن التظاهر. حافظت بالين على ابتسامتها العريضة بينما ألهبت المشاعر بخطاب هاجمت فيها سياسات الإدارة الحالية الخاصة بالاقتصاد والأمن القومي، وانتقدت تحديدا قرار قراءة حقوق ميراندا (حقوق المتهم وفق الدستور الأميركي) على الرجل المتهم بمحاولة تفجير طائرة أميركية في إجازة عيد الميلاد. وقالت بالين: «التعامل مع هذا الأمر كما لو كانت مجرد قضية خاصة بتطبيق القانون يضع بلادنا أمام خطر عظيم، فليست هذه الطريقة التي ينظر بها المتطرفون الإسلاميون إلى الأمر». ولقي كلامها احتفاء كبيرا. وأضافت: «يعلمون أننا في حالة حرب، ولنفوز في هذه الحرب نحن بحاجة إلى قائد للقوات المسلحة وليس لأستاذ قانون يلقي محاضرات».

وخلال كلمة استغرقت 40 دقيقة خلال «مؤتمر حفل الشاي الوطني»، انضمت سارة إلى الحركة الشعبية للمحافظين الساخطين، ووصفتها بكلمة «الخاصة بنا»، وأضافت «إن أميركا مستعدة لثورة أخرى». ووصفت الدين القومي بأنه «سرقة» مضيفة أن «الكثير منا لديه ما يكفي».

وأشارت إلى الانتصارات التي حققها الحزب الجمهوري في نيوجيرسي وفيرجينيا وماساتشوستس على أنها دليل على شعور بالقلق بين الناخبين، وقالت في ردها على سؤال إن الحزب الجمهوري «سيكون ذكيا إذا حاول استيعاب» أكبر قدر ممكن من حركة «حفل شاي» الاحتجاجية. وقال المتحدث باسم اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي براد وودهاوس إنه كما أشار مسؤولون في إدارة أوباما، قامت إدارة الرئيس السابق جورج بوش أيضا بالادعاء ضد متهمين بممارسة الإرهاب أمام محاكم جنائية. وأضاف: «لا يجب أن نأخذ نصائح في مجال الأمن القومي من إنسانة قالت للعالم في 2008 إن مؤهلاتها في هذا المجال أنه يمكنها رؤية روسيا من مسقط رأسها».

وفي مناسبة أخرى، تطرقت بالين خلال مقابلة أجرتها معها قناة «فوكس نيوز» أمس، إلى سياسة أوباما تجاه إيران، قائلة إن الرئيس أوباما إذا «لعب ورقة الحرب» فإنه سيعزز فرص إعادة انتخابه. وأضافت أن إعلان الحرب ضد إيران أو إظهار دعم أقوى لإسرائيل ربما سيقنع الناخبين أن أوباما أكثر تشددا مما يعتقد الناس في موضوع الأمن القومي وإنه يقوم بما يستطيع لحماية الولايات المتحدة. واعتبرت أن أوباما في حال واصل سياسته الحالية، فإنه لن يفوز بولاية ثانية.

يشار إلى أنه منذ استقالة بالين عن منصبها كحاكمة لولاية ألاسكا في يوليو (تموز) الماضي، بدا أن سجلها الشعبي في نمو. وقدمت الأخبار بتحديث منتظم إلى «معجبيها» الذين يبلغ عددهم 1.3 مليون على «فيس بوك»، وجابت البلاد تتحدث عن كتابها صاحب أعلى المبيعات «التمرد»، وأخيرا وقعت عقدا مع «فوكس نيوز» لتقوم بالتعليق لديها، مع الأخذ في الاعتبار أن الشبكة تبني استوديو كامل الأجهزة في ولايتها ألاسكا. وبالنسبة لبالين، التي تحايلت على أسئلة وجهت إليها بخصوص ما إذا كانت تخطط للترشح للمنصب الرئاسي في 2012، فإن الخطاب الذي أدلت به يمثل إشارة جديدة على العودة إلى الساحة. كما ستكون أيضا عنصرا بارزا في تجمعات احتجاجية مشابهة ستقام داخل سيرتش لايت بولاية نيفادا وبوسطن. وعن طريق الإدلاء بكلمة رئيسة مدفوعة الأجر في مؤتمر تجنبه ساسة آخرون بسبب مزاعم بالاستغلال، عرضت بالين إحدى سماتها التي شجعت أتباعها المعادين للمؤسساتية: الموهبة في الاستهانة بالقواعد التقليدية داخل الساحة السياسية بتحد وإصرار. انتقلت بالين إلى أوبريلاند لتلقي كلمة أمام نشطاء محتجين في مرحلة انتقالية لهذه الحركة الاحتجاجية التي بدأت بتجمعات غاضبة أمام المجالس المدنية واحتجاجات في الشوارع العام الماضي. ويحاول النشطاء حاليا من خلال المؤتمر الأول أن يصبحوا أكثر «نضجا» وأن يحولوا جهودهم الشعبية إلى مكاسب سياسية. ويقول مساعدون إن بالين كانت تتنقل في كلمتها بينما كانت تقدم للجمهور وجبة غذاء اشتملت على فيليه بقري وجمبري جامبو. وخلال الخطاب، أشارت بالين بعدائية إلى أوباما بـ«الشاب الكاريزمي صاحب الملقن الإلكتروني»، ومع ذلك كانت تتحدث من ورقة، اعتمادا على ورق به ملاحظات. وأخطأت عندما قالت إن السياسات الأميركية ربما تثبط هؤلاء الذين يرون من «ألاسكا منارة للأمل». ويفترض أنها كانت تقصد أميركا. وقدم أندرو بريتبارت، ناشر بوابات إخبارية محافظة بارزة، بالين لإلقاء كلمتها. وصعدت إلى المسرح الذي علا عليه صوت محافظين ثوريين لثلاثة أيام يدعون إلى السعي «لاستعادة أميركا». ومنذ افتتاح المؤتمر يوم الخميس الماضي، كانت بالين النجمة البارزة فيه، وكان يشار إليه باسمها الأول فقط. وارتدى العشرات من المندوبين أزرة لبالين، وجذبت كلمتها أكثر من 240 صحافيا من مختلف أنحاء العالم و500 ضيف آخرين دفعوا 349 دولارا ليستمعوا إلى كلمتها. كان إقناع بالين، التي حصلت على قرابة 60 مليون صوت خلال سعيها للفوز بمنصب نائب الرئيس، بأن تكون الشخصية الأبرز في هذه الفاعلية انقلابا بالنسبة لجودسون فيليبس، مؤسس حركة «حفل الشاي الوطنية»، وهي شبكة اجتماعية تشارك في رعاية هذا المؤتمر. وقيل إنها حصلت على أتعاب قيمتها 100 ألف دولار، وقالت للجمهور إنها ستعيد الأموال «إلى القضية».

وحتى قبل ظهور هذا النوع من الحركات الاحتجاجية، كان هؤلاء المجتمعون هنا من المعجبين ببالين، حيث يقيمون علاقة معها على «فيس بوك» ويقرأون رسائلها على موقع «تويتر» ويدرسون مذكرتها. وكان البرنامج الخاص بالمؤتمر يحتوي على صورة ملونة على صفحة كاملة لبالين وهي ترتدي سترة حمراء اشتهرت بها. وإذا كان بطل قد ظهر في مؤتمر «حفل شاي» الوطني فإنها بلا شك سارة بالين. ولكن، تنأى الحركة عن أي علاقة مع النخبوية السياسية، وعلى الرغم من أن نشطاء كثيرين هنا يرون في بالين متحدثة باسمهم، فإنهم يختلفون بخصوص ما إذا كانوا يريدون منها أن تكون زعيمة لهم، أو ما إذا كانوا يريدون زعيما بالأساس. ويبدو أن بالين تستوعب ذلك. وقالت: «أحذر من أن يتم حصر هذه الحركة بزعيم واحد أو سياسي واحد، فالحركة عبارة عن عملية من القمة للقاعدة ودعوة من القاعدة للقمة للقيام بتصرف ما. يرتبط الأمر بالمواطنين، وهو أكبر كثيرا من أي شخص له كاريزما ومعه ملقن إلكتروني».

وبالنسبة لبالين، فإن الملايين من هؤلاء الناشطين يمثلون قاعدتها السياسية وقاعدة عملائها. وقد ساعدوا على أن يحقق كتابها أعلى المبيعات، وزاد الطلب على خطاباتها، وانعكس ذلك في ظهورها على «فوكس نيوز». وقال مستشار لبالين، شريطة عدم ذكر اسمه: «من الواضح أنها فرصة جيدة لها لتتقرب من هؤلاء الناس في موقف تجاري محض». تتبع بالين لجنة للعمل السياسي قامت بجمع تبرعات بلغت 1.4 مليون دولار العام الماضي، النسبة الأكبر تم جمعها بعد استقالتها من منصب حاكم ألاسكا. وتشير تقارير إلى أن بالين تمثل نموذجا بارزا للحزب الجمهوري، وفي كلمتها اتخذت خطوة غير اعتيادية، إذ حثت على إجراء انتخابات تمهيدية تنافسية داخل الحزب. وقالت: «الانتخابات التمهيدية ليست حربا أهلية، إنها إعمال للديمقراطية، ولذا فهي شيء جميل».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ(«الشرق الأوسط»)