إيران في ذكرى الثورة: انقسامات و«احتماء» بالنووي.. وتساؤلات : بأي ثورة نحتفل؟

منع موسوي من التظاهر وتعرض زوجته لاعتداء واعتقال حفيدة الخميني وشقيق خاتمي * سفراء دول غربية يعتذرون عن عدم المشاركة

تمثال للإيرانية ندا أغا سلطان التي قتلت خلال مظاهرات في طهران العام الماضي أمام صور لمتظاهرين قتلوا أيضا خلال المواجهات العنيفة التي شهدتها إيران منذ أزمة انتخابات الرئاسة وذلك أثناء احتجاجات للمعارضة الإيرانية في روما أمس (أ.ب)
TT

«ما أجمل الفكرة.. وما أقسى النموذج» تصف أميني، الناشطة الإيرانية، كيف ترى إيران بعد 31 عاما من الثورة التي وصفت مرارا بأنها آخر الثورات الكبرى في القرن العشرين. تقول أميني، التي تعمل في مركز حقوقي في طهران لـ«الشرق الأوسط» وفي منتصف الأربعينات من العمر «عندما أتذكر حجم سعادتي يوم 11 فبراير (شباط) 1979 أشعر بالذهول. كنت أعتقد أننا بدأنا فترة حكم الشعب. أليس نحن من قام بالثورة؟. الآن وأنا أقف وأنظر للخلف أستغرب كيف لم نر ما سيأتي لاحقا»، مشيرة إلى الأزمة السياسية الحالية التي تعصف بإيران والتي حولت احتفالات ذكرى قيام الثورة أمس إلى «أزمات نفسية» و«حالات مراجعة للذات» للكثير من السياسيين وقيادات الحركة الطلابية الذين شاركوا في الثورة وكانوا جزءا منها على حد تعبيرها. وهى الأجواء التي جعلت احتفالات الثورة تتم أيضا وسط إجراءات أمنية مشددة واشتباكات واعتقالات طالت المئات. فيما تعرضت حفيدة قائد الثورة الإيرانية آية الله الخميني زهرة أشراقي للاعتقال جنبا إلى جنب مع محمد رضا خاتمي شقيق الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، بينما تم الاعتداء على موكبي زعيمي المعارضة مير حسين موسوي ومهدي كروبي، في حين تعرضت زوجة موسوي لاعتداء، حسب ما ذكر موقعه الإلكتروني «الكلمة الخضراء»، وانقسمت إيران إلى قسمين، قسم في ميدان «أزادي» وسط طهران حيث الاحتفال الرسمي يهتف للثورة، وقسم في ميادين أخرى متفرقة يحمل الشعارات الخضراء ويهتف ضد قادة الثورة. وقال موقع موسوي الرسمي أمس إن «مير حسين موسوي كان يريد الانضمام إلى المتظاهرين الذين كانوا في ميدان أزادي لكنه حوصر من قبل رجال باللباس المدني يحملون هراوات، ومنعه عناصر من شرطة مكافحة الإرهاب من ذلك». وأضاف الموقع أن «زهرة رهنورد كانت في ساحة صادقية وتريد المشاركة في التظاهرة عندما حاصرها رجال باللباس المدني يحملون هراوات.. فتعرضت للضرب على الرأس والظهر بالهراوات». كما تعرضت سيارتا زعيمي المعارضة الآخرين الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي ورئيس البرلمان السابق مهدي كروبي لهجمات من قبل رجال باللباس المدني عندما كانا يحاولان الانضمام إلى التظاهرات الرسمية حسب ما أعلن موقع «رهبسبز» المعارض ونجل كروبي في وقت لاحق.

لم تخرج أميني في مظاهرات أمس ليس فقط لأنها «خرجت من قبل في غالبية احتفالات الثورة»، بل «لأن الثورة التي يحتفلون بها اليوم غير الثورة التي أعرفها والتي كنت أخرج وأحيي ذكراها». وتوضح أميني لـ«الشرق الأوسط»: «الغالبية الساحقة من الإيرانيين لم تر الثورة ضد الشاه قبل 31 عاما بصفتها ثورة آيديولوجية، بل بوصفها ثورة ضد الظلم والشمولية.. وبعدما قامت الثورة بقليل اندلعت الحرب مع العراق، وظللنا طوال سنوات الحرب لا نعرف كيف سيكون شكل النظام لأننا عمليا كنا غائبين في الحرب. بعد حرب الثماني سنوات بدأت المواجهة بين النظام والمجتمع. بدأت تدريجيا لكن بشكل مطرد». وتضيف «خلال حكم الشاه كنا نخاف قوات الأمن ونتحداها في الوقت ذاته، بعد الثورة مباشرة كنا نخاف قوات الأمن بسبب الإجراءات التي بدأت تتخذها في الملبس وغطاء الرأس والفصل بين الجنسين في الجامعات والمقاهي، كنا نخاف قوات الأمن لكننا لم نكن نتحداها لأننا كنا نقول: هؤلاء الفتية الذين يراقبون كيف نلبس وكيف نضع الحجاب هم من حاربوا ضد غزو صدام حسين وشاهدوا زملاءهم يموتون، وهم يتصورون أننا يجب أن نلبس هذا وذاك، ومع أننا لم نوافق إلا أننا لم نكن نريد أن ندخل في حرب جديدة أو صراع آخر. اليوم بتنا كما كنا خلال عهد الشاه نخاف قوات الأمن نعم، ونتحداها أيضا. أزيلت الربطة الوهمية بين المجتمع والنظام». ومع إزالة الربطة الوهمية بين المجتمع والنظام، جاءت صور المدن الإيرانية خلال الاحتفال بالثورة أمس لتعكس ذلك التوتر الهائل، فقبل أسابيع من الذكرى كانت ميادين وشوارع إيران مقسمة أمنيا بالفعل، كل منطقة تحت السيطرة الأمنية لأحد قطاعات الحرس الثوري، فيما مواقع الإصلاحيين الإلكترونية المختلفة بطيئة جدا والاطلاع عليها شبه مستحيل. وذلك في مسعى لإجهاض أي محاولة كبيرة من قبل الإصلاحيين لإظهار قوتهم. ووسط ضغط خارجي كبير وعقوبات طازجة، وضغط داخلي متمثل في التظاهرات المستمرة، كان الملف النووي هو القضية الأساسية في كلمة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد التي وجهها أمام حشد كبير من أنصاره في ساحة «أزادي» أو «الحرية» وهى المناسبة الوحيدة التي سمح للإعلام الغربي بتغطيتها وتصويرها مصحوبا بمرافقين من وزارة الإرشاد والثقافة الإيرانية. وقال أحمدي نجاد، وسط من يلوحون بالأعلام، إن إيران الآن قادرة على تخصيب اليورانيوم لدرجة نقاء تتجاوز 80 في المائة ليقترب من المستويات التي يقول خبراء نوويون إنها لازمة لإنتاج قنبلة نووية، غير أنه نفى مجددا أن تكون هناك أي نية لذلك. وأضاف أحمدي نجاد مخاطبا الغرب «الأمة الإيرانية شجاعة بما يكفي بحيث إذا أردنا بناء قنابل نووية ذات يوم سنعلن ذلك على الملأ دون أن نخاف منكم». وتابع للحشود «حين نقول إننا لا نبني قنابل نووية فهذا يعني أننا لن نفعل هذا لأننا لا نؤمن بامتلاكها». وانتقد كريم العلوي، وهو طالب إيراني في جامعة طهران، التركيز على الموضوع النووي، وقال موضحا لـ«الشرق الأوسط»: «الشيء الوحيد الذي يتكلم فيه الرئيس والحكومة هي القضية النووية. اليوم تحدث عن القضية النووية مجددا. نحن وطنيون ونرى أن هذا حقنا، لكن التركيز فقط على هذا الملف والمواجهة أمام أميركا والغرب، باتت تتكرر لأغراض سياسية نعرفها». وعرض التلفزيون الحكومي الإيراني أمس لقطات حية لمئات الآلاف من الناس وقد حمل البعض أعلام إيران وصورا للزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي وهم متوجهون إلى ساحة «أزادي» لسماع كلمة أحمدي نجاد. وقال موقع «غرين فويس»، وهو موقع للمعارضة الإيرانية على الإنترنت، إن قوات الأمن أطلقت أعيرة نارية وغازا مسيلا للدموع على مؤيدين لموسوي احتشدوا في تجمع آخر بوسط طهران. وذكر موقع آخر للمعارضة على الإنترنت هو موقع «نوروز» أنه تم إلقاء القبض على 30 شخصا في أحد ميادين طهران». فيما قال موقع «جرس» المعارض على الإنترنت إن قوات الأمن هاجمت كروبي وخاتمي. وتحطمت نوافذ سيارة كروبي لكنه لم يصب بجروح خطيرة. وأضاف الموقع أن 100 على الأقل من المحتجين الشبان اعتقلوا في مدينة مشهد بشمال شرقي البلاد وأن هناك اشتباكات «محدودة» مع قوات الأمن، فيما ردد المتظاهرون «الموت للديكتاتور» و«خامنئي قاتل وحكمه باطل» و«الله أكبر» و«نصر من الله وفتح قريب». كما أشار الموقع إلى أن أكثر من 20 شخصا اعتقلوا في مدينة شيراز الجنوبية في إطار مساعي شرطة مكافحة الشغب لمنع المحتجين من التجمع. ومنذ الأزمة التي بدأت قبل نحو 8 أشهر، لم يظهر أي من الجانبين استعدادا يذكر لتقديم تنازلات بالرغم من محاولات توسط بين الإصلاحيين والمحافظين. وكان رئيس بلدية طهران الجنرال السابق بالحرس الثوري محمد قليباف، ورئيس البرلمان الإيراني على لاريجاني، وكلاهما من المحافظين البراغماتيين، قد سعيا للوساطة بين المرشد الأعلى وكروبي وموسوي، إلا أن مساعيهما فشلت بسبب رفض زعيمي المعارضة الاعتراف بالانتخابات والحكومة أولا قبل إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين. ومنذ يونيو (حزيران) ألقي القبض على آلاف الأشخاص الذين احتجوا على سير الانتخابات. ومنذ ذلك الحين أفرج عن معظمهم غير أن أحكاما بالسجن تصل إلى 15 عاما صدرت على 80 شخصا بينهم العديد من المسؤولين السابقين وعلى رأسهم محمد على أبطحي النائب السابق للرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، ومحسن ميردامادي وبهزاد نبوي ومحمد عطريان فر وعبد الله رمضان زادة ومحسن أمين زادة، وكلهم من كبار شخصيات الإصلاحيين وعملوا بشكل وثيق مع خاتمي والرئيس الإيراني الأسبق ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني. وأدت الأزمة الداخلية في إيران إلى تعقيد علاقاتها الخارجية على نحو غير مسبوق، فللمرة الأولى منذ سنوات يعتذر سفراء بعض الدول الغربية عن عدم المشاركة في الاحتفال الرسمي للثورة، إذ اعتذر السفير البريطاني في طهران سيمون جاس عن عدم الحضور بسبب «التوترات الأخيرة في العلاقة بين طهران ولندن» وعرض على السلطات الإيرانية أن يمثله الرجل الثاني في السفارة، إلا أن السلطات الإيرانية رفضت. وبالإضافة إلى جاس غاب عن احتفالات الثورة 5 آخرون من سفراء الدول الغربية. وقالت زيبا مير حسيني، الأكاديمية والناشطة الإيرانية «النظام يفقد تدريجيا مصادر بقائه. أهم شيء على الإطلاق بالنسبة للنظام هو شرعيته في أعين الإيرانيين، إذا خسر تلك الشرعية سيكون خسر حقيقة كل شيء. لكن كيف نعرف ذلك؟ مشكلة الشاه الأساسية أنه كان ضحية أوهامه وهي أنه برغم استياء البعض، إلا أن النظام لديه شعبية وأن مؤيديه أكبر من معارضيه. هذه هي أوهام النظام الإيراني اليوم. يعتقد أن مؤيديه أكبر من معارضيه، لكن فقط لو تم تحييد القوات العسكرية من الصراع، سنعرف ما إذا كان ذلك صحيحا أم لا».