نائب قائد «أفريكوم» للشؤون المدنية لـ «الشرق الأوسط»: دول أفريقية كثيرة رغبت في استضافتنا.. لكننا قررنا البقاء في ألمانيا

السفير أنتوني هولمز: نتعامل مع قاعدة المغرب الإسلامي عبر العمل مع حكومات المنطقة.. ولا نقوم بتدخل مباشر

السفير أنتوني هولمز نائب قائد «أفريكوم» للشؤون المدنية («الشرق الأوسط»)
TT

قال السفير أنتوني هولمز، نائب قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) للشؤون المدنية: «إننا عبدنا الطريق من أجل العمل على الارتباط بيننا وبين القوات المسلحة عبر القارة الأفريقية، وجعلها تعرف طبيعة (أفريكوم)، أي ما لها وما عليها، والتأكد من أنها فهمت ما هو دورها في سياق السياسة الحكومية للولايات المتحدة، بمعنى أن الجانب العسكري هو جزء من السياسة الأميركية إزاء أفريقيا، إذ هناك الجانب الدبلوماسي، وجانب التنمية والمساعدات الإنسانية».

وكشف هولمز، في حديث خص به «الشرق الأوسط»: «أن دولا أفريقية كثيرة عبرت عن رغبتها في استضافة (أفريكوم) لكننا اتخذنا قرارا بالبقاء في ألمانيا إلى أجل غير مسمى»، وقال إن هذا الموضوع غير مطروح الآن، ولكنه للأسف أصبح محور الكثير من الجدل، وزاد هولمز قائلا: «إنه خطؤنا، لأننا ناقشنا شيئا نحن لسنا في حاجة إليه».

ورفض المسؤول الأميركي الكشف عن أسماء الدول الأفريقية التي عرضت استضافتها لـ«أفريكوم».

وفي سياق ذلك، قال هولمز إنه لا يعتقد أنه كان هناك أي تفكير جاد لبحث إقامة قيادة «أفريكوم» في المغرب، وزاد قائلا: «إننا إذ نعتقد أنه من العار انسحاب المغرب من الاتحاد الأفريقي، فإننا في الحقيقة، يوجد من بين أهدافنا أن يكون هناك تعاون أمني كبير بين المغرب وسائر دول القارة».

إلى ذلك، قال السفير هولمز، إن «أفريكوم» تتعامل مع موضوع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من خلال العمل مع حكومات المنطقة، ولا تقوم بتدخل مباشر، مثل القيام بغارات، وعمليات عسكرية، وكل ما تقوم به هو أنها تساعد جيوش المنطقة على تطوير حرفيتها، والعمل مع الحكومات من أجل وضع مقاربة للمشكلة.

على صعيد ذي صلة، قال السفير هولمز إن الفرق بين حركة الشباب في الصومال وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، يكمن في أن حركة الشباب أي قاعدة شرق أفريقيا، جعلت من مجموع الأمة رهينة لدى الإرهاب، أما قاعدة المغرب الإسلامي فهي بعيدة عن الناس، إنها تخطط، وتختطف.

وتحدث السفير هولمز عن قضايا كثيرة، وفي ما يلي نص الحديث:

* لماذا نائب مدني لقائد «أفريكوم» مقابل نائب عسكري؟

- أنا مسؤول عن الأنشطة المدنية لـ«أفريكوم»، وكما تعلم، فإن «أفريكوم» حديثة العهد، إذ أنشئت في أكتوبر (تشرين الأول) 2008، والولايات المتحدة لديها تجارب في أجزاء أخرى من العالم من خلال قيادات المناطق العسكرية، وبالتالي كان لنا الحظ في استخلاص دروس الماضي، وإقامة قيادة عسكرية جديدة ليس بالضرورة أن تكون مثل القيادات الخمس الأخرى، وإدخال تغييرات، وعكس الواقع، والتعبير عن عالم 2008، وليس عالم 1945، واستخلصنا أيضا أن المشكلات الأمنية ليست بالضرورة مشكلات عسكرية، ذلك أن الجانب العسكري له دور، وهو جزء من الحل، بيد أنه ليس هو الحل كله، وبالتالي لا بد من الإتيان بأناس لهم خبرات أخرى، لذا فبالإضافة إلى المهارات العسكرية يتم جعل المدنيين يدخلون في شراكة مع العسكر تجعل الطرفين يتوصلان إلى حلول مستدامة، من خلال مقاربة تقوم على أساس العمل المتوازي بين الدفاع والدبلوماسية والتنمية.

* وما هي النتائج التي حققتها «أفريكوم» على أرض الواقع، منذ إنشائها حتى الآن؟

- ما حققناه حتى الآن هو أننا عبدنا الطريق من أجل العمل على الارتباط بيننا وبين القوات المسلحة عبر القارة الأفريقية، وجعلها تعرف طبيعة «أفريكوم»، أي ما لها وما عليها، والتأكد من أنها فهمت ما هو دور «أفريكوم» في سياق السياسة الحكومية للولايات المتحدة، بمعنى أن الجانب العسكري هو جزء من السياسة الأميركية إزاء أفريقيا، إذ هناك الجانب الدبلوماسي، وجانب التنمية والمساعدات الإنسانية وأشياء أخرى من قبيل مكافحة الإيدز، وأن «أفريكوم» مسؤولة فقط عن الجانب العسكري، ولكنها تدعم مجمل السياسة الأميركية المتبعة إزاء أفريقيا.

إننا نطلب أيضا من الأشخاص العاملين في الوكالات والمنظمات المدنية، الذين يعرفون أفريقيا جيدا أن يلتحقوا بنا لمساعدة العسكريين على أن يكونوا أكثر حساسية وأكثر عاطفية إزاء أفريقيا، كما نبين للوكالات المدنية ماذا يمكن لـ«أفريكوم» أن تقوم به لمساعدتها على التقدم في تحقيق أجندتها المدنية.

وعلى سبيل المثال، إذا أرادت وزارة الزراعة الأميركية مساعدة بشأن تقديم مساعدات إنسانية وإيصالها إلى مكانها، فهناك بالتأكيد حاجة إلى النقل العسكري لنقل المساعدات، وحمل الأشخاص والإمدادات والتموين الغذائي، وبموازاة ذلك فإننا نطلب من الجانب العسكري العمل مع الوكالات المدنية، وأن الأمر هنا يتعلق بالعمل على طريقين متوازيين، وهو ما يعني أن الجانب العسكري هو جزء من عمل حكومة الولايات المتحدة من أجل الدفع والنهوض بسياستها الخارجية.

* ماذا عن إقامة قيادة «أفريكوم» في ألمانيا، أي خارج القارة الأفريقية، وماذا تقول بشأن ما يروج حول عدم قبول أي دولة أفريقية استقبالها؟

- في الواقع، عبرت دول أفريقية كثيرة عن رغبتها في استضافة «أفريكوم»، بيد أننا اتخذنا قرارا بالبقاء في ألمانيا إلى أجل غير مسمى، وبالنسبة لنا، هذا الموضوع غير مطروح الآن، ولكن للأسف أصبح محور الكثير من الجدل، إنه خطؤنا، لأننا ناقشنا شيئا نحن لسنا في حاجة إليه.

ففي بداية عام 2006 طرح هذا الموضوع، واستمعنا للدول الأفريقية، وقدرنا حساسياتها، وعموما الموضوع لم يعد مطروحا.

* هل لك أن تسمي لي الدول التي عرضت استضافتها لـ«أفريكوم»؟

- أنا لست في وضعية تؤهلني لتسمية هذه الدول، لأن هذه الأخيرة عبرت عن رغبتها في استضافتها لـ«أفريكوم» في إطار خاص، وبكل وضوح أقول، إن هناك دولا كثيرة عرضت الاستضافة، وحتى إن كانت هناك دول رحبت بنا فإن بعض الدول الأفريقية الأخرى ستغضب من ذلك، ونحن لا نبتغي ذلك، ولا نريد أن نخلق مشكلات بل نريد حلها.

* لكن المعروف أن الولايات المتحدة ناقشت مسألة استضافة «أفريكوم» مع المغرب والجزائر ودول أفريقية أخرى؟

- لست على علم بذلك، لأنني لم أكن قد التحقت بعد بـ«أفريكوم»، ولكنني لا أعتقد أنه كان هناك أي تفكير جاد لبحث إقامة قيادة «أفريكوم» في المغرب، ذلك أننا، إذ نعتقد أنه من العار انسحاب المغرب من الاتحاد الأفريقي، فإننا في الحقيقة، يوجد من بين أهدافنا أن يكون هناك تعاون أمني كبير بين المغرب وسائر دول القارة.

* ولماذا إقامة قيادة «أفريكوم» في ألمانيا وليس في إسبانيا أو إيطاليا؟

- بعد الحرب العالمية الثانية قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها والاتحاد السوفياتي بتقسيم ألمانيا، وبعد انتهاء الحرب الباردة عام 1989 بدأنا أوتوماتيكيا في تقليص الحضور العسكري الأميركي في ألمانيا، فلدينا هناك قواعد ومنشآت عسكرية صغيرة، والآن بعد مرور 20 سنة على نهاية الحرب الباردة قلصنا حضورنا العسكري بنسبة 70 في المائة، إذن، لدينا تسهيلات احتجناها من قبل وجعلناها تحت تصرف الألمان، وحينما أسسنا «أفريكوم» فإنها كانت في غالبيتها جزءا من القيادة الأوروبية المتمركزة في شتوتغارت بألمانيا، الآن تخضع «أفريكوم» لتغطية القيادة الوسطى، التي يوجد مقرها في فلوريدا، وبما أنه توجد لدينا تسهيلات في ألمانيا كان من السهل الانتقال إلى هناك، إضافة إلى وجود فوائد تتعلق بتوفر لوجستيك النقل، وتدارك الفرق الشاسع في التوقيت بين أميركا وأفريقيا.

* زار الجنرال وليم وارد، قائد «أفريكوم» مؤخرا المغرب والجزائر، فما هي طبيعة المواضيع التي ناقشها هناك؟ - هناك اختلاف، فمع المغرب، يوجد لدينا، منذ وقت طويل، ارتباط وعلاقة عميقة في المجال الأمني، ففي كل سنة نقيم مجموعة من المناورات العسكرية، إضافة إلى اقتناء المغرب للتجهيزات العسكرية الأميركية، إن علاقاتنا مع المغرب هي علاقة عميقة وناضجة، وبالتالي فإن الزيارة الأخيرة التي قام بها الجنرال وارد للرباط هي استمرار للزيارات الروتينية المتواصلة.

بالنسبة للجزائر لدينا احترام هائل لها، ونظرة إعجاب كبيرة إزاءها، إنها بلد مهم، وشاسع ومؤثر، وتاريخيا لم تكن لدينا علاقة وثيقة، وهي الآن على ما يرام ومحايدة.

وأعتقد أنه في القرن الحادي والعشرين توجد لدى الولايات المتحدة والجزائر مصالح كثيرة مشتركة أمنية محايدة، وهذا كان جزءا من النقاش بيننا، وذلك بهدف تبادل الآراء والاستماع إلى انشغالات الجزائريين وأولوياتهم، وثمة موضوع يشكل أولوية قصوى لدى الجزائر، وأولوية قصوى أيضا بالنسبة للولايات المتحدة، هو موضوع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، فكثير من أعضائه جزائريون، ويتحركون عبر الحدود مع موريتانيا ومالي والنيجر، وحتى ليبيا، وبالتالي ناقشنا هذه المشكلة، وناقشنا الحل، كما ناقشنا مسألة العمل مع بعض حتى نتأكد من أن علاقاتنا مترابطة، وأن هناك تواصلا بيننا، وعلى العموم هذه مجرد بداية في علاقاتنا.

* يبدو أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ركز أهدافه على اختطاف الغربيين، والحصول على فدية مقابل الإفراج عنهم، وهو ما يمكن التنظيم من تمويل أنشطته، وسؤالي هو: ما موقفكم من الفديات التي تسلم بسرية لهذا التنظيم؟

- نحن بكل تأكيد نعمل على أن نعزل هذه المجموعات، وحرمانها من التمويل المالي، إننا ندين عمليات الاختطاف، وبخصوص سياسة «أفريكوم» إزاء تقديم الفديات، أود أن أقول لك إنني لست خبيرا في السياسة الأميركية المتعلقة بذلك، بيد أنه توجد أمامنا قضايا مماثلة تتعلق بقرصنة البواخر في عرض السواحل الصومالية.

إننا نأمل في أن تكون هناك مجهودات دولية وإقليمية لمنع عمليات الاختطاف والقضاء على الخلايا الإرهابية في وسط الساحل والصحراء، فاختطاف الناس، وقتل جنود ماليين، والقيام باعتداءات في موريتانيا، واغتيال مواطن أميركي فيها أيضا، كلها أشياء تشكل انشغالات حقيقية بالنسبة لنا.

إن الانتقال من مجموعات سلفية تقوم بالوعظ إلى مكون لـ«القاعدة»، يحمل في طياته تصميما على إرسال إشارة للتخويف، ونحن ندرك ذلك، لكن في الأساس، هناك نقطة أساسية هي أننا نتعامل مع موضوع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من خلال العمل مع حكومات المنطقة، ولا نقوم بتدخل مباشر، مثل القيام بغارات وعمليات عسكرية، وكل ما نقوم به هو أننا نساعد جيوش المنطقة على تطوير حرفيتها، والعمل مع الحكومات من أجل وضع مقاربة للمشكلة.

* تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وحركة شباب المجاهدين في الصومال، أي منهما تعتبره الولايات المتحدة أكثر خطورة على مصالحها في المنطقة؟

- إن الأمر هنا يتعلق بمنطقتين مختلفتين، صحيح أنهما يقعان في القارة الأفريقية، بيد أنهما بعيدان شيئا ما عن بعضهما، والفرق بينهما يكمن في أن حركة الشباب أي قاعدة شرق أفريقيا، جعلت من مجموع الأمة رهينة لدى الإرهاب، أما قاعدة المغرب الإسلامي فهي بعيدة عن الناس، إنها تخطط، وتختطف، بيد أن عدد الناجين هو قليل جدا، أما في الصومال، فهناك تهديد حقيقي يهيمن على مجموع البلد، فكثير من الناس فقدوا حياتهم، وكثير منهم يوجدون على حافة المجاعة، نظرا لقيام حركة الشباب بتعطيل توزيع المساعدات الإنسانية، إضافة إلى استضافتها لإرهابيين من باكستان وأفغانستان، وهناك الكثير من التبادل على مستوى الذهاب والإياب بين اليمن والصومال، كما أن أنشطتهم الإرهابية في تزايد، إضافة إلى كونهم يعتبرون أسامة بن لادن و«القاعدة» ديدنهم، كل هذا يشكل مصدر قلق كبير لنا.

* هل هناك تنسيق بين «أفريكوم» والقيادة الوسطى بشأن ما يقع في اليمن باعتباره يشكل امتدادا لما يحدث في الصومال؟

- التنسيق كلمة ليست في محلها، فـ«أفريكوم» والقيادة الوسطى هما جزء من نفس الحكومة، وجزء من نفس الجيش، وبما أن اليمن يقع في حافة الحدود بين المنطقة التي تخضع لمسؤولية «أفريكوم»، وتلك التي تخضع لمسؤولية القيادة الوسطى، من الطبيعي أن يكون هناك تبادل على مستوى الذهاب والإياب، ربما هناك الآن تركيز أكبر على التنسيق بشأن عمليات محاربة القرصنة، خاصة أن القراصنة يأتون من الصومال، الذي يدخل ضمن مسؤولية «أفريكوم».

* إذن، هل لك أن تحدثني عن أجندة «أفريكوم» في الصومال والسودان؟

- بما أن الصومال هو دولة منهارة جراء الحروب المتواصلة، والولايات المتحدة لا تتوفر على قوات هناك، فإن «أفريكوم» في الأساس تراقب الوضع، وتحاول أن تبقى على صلة به، لذا فإننا نحاول أن نكون أكثر حذرا وإدراكا لتهديدات «القاعدة» وحركة الشباب الموجهة ضد الولايات المتحدة، فالأمر يتعلق في المقام الأول بدور المراقب السلبي، وكما أشرت في السابق فإننا نعمل مع الاتحاد الأفريقي لأننا نريد مساعدته على إنهاء النزاعات، وإقامة سلام دائم في الصومال.

وبالنسبة للسودان، فإننا نعمل مع حكومة جنوب السودان وجيوش المنطقة، ذلك أن الولايات المتحدة تدعم التحول من منظمة للتحرير إلى حكومة، فسواء ظلت حكومة السودان الموحد قائمة أو أصبحت هناك حكومة جنوب السودان بعد تنظيم الاستفتاء، فإن سياستنا، بدقة شديدة، هي تقوية السلام الشامل، وعموما فإن السودان على أبواب تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية، يُنتظر أن تكون حرة ونزيهة، وتعبر عن إرادة جميع السودانيين، إضافة إلى استفتاء تقرير المصير في جنوب السودان الذي سيتم في يناير 2011، وكيفما كانت نتائجه، تبعا للاتفاق الحاصل المتفاوض بشأنه بين الشمال والجنوب في السودان، فإننا سنقوم بكل ما في وسعنا للعمل مع الحكومتين، في الخرطوم وفي جوبا، من أجل التقليل من حدة التفكك، والتقليل من حالات العنف، والحيلولة دون حصول قطيعة أو اضطراب بينهما، لأننا نرغب في رؤية السلام في السودان يتحقق بانسيابية.