لاءات سقطت وشعارات بقيت وأخرى تعدلت

بين الذكرى الرابعة والذكرى الخامسة لاغتيال الحريري

TT

إضافة إلى الطقس المشمس الذي اتسمت به أجواء الذكرى الخامسة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، فإن الأجواء «التوافقية» التي تسيّر «الخريطة السياسية» اللبنانية منذ تأليف حكومة الوحدة الوطنية انعكست بدورها على الخطابات التي ألقيت في المناسبة، وعلى الشعارات العامة التي تعدلت مقارنة مع تلك التي ألقيت في اليوم نفسه من عام 2009. فهي من جهة قلصت عدد الخطباء من 6 إلى 4، بعدما غاب عنها من عرف بـ«رأس حربة» ثورة الأرز رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي اكتفى هذا العام بقراءة الفاتحة على ضريح الرئيس رفيق الحريري، والنائب باسم السبع، ورئيس حزب الوطنيين الأحرار دوري شمعون، ليحل رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة ضيفا جديدا بعدما خلع عباءة رئاسة الحكومة.. ومن جهة أخرى ساهمت في خفض مستوى الخطاب السياسي الذي كان في عام 2009 يحمل عنوان معركة الانتخابات النيابية التي وصفت بالمصيرية، وقبل أسبوعين من بدء عمل المحكمة الدولية التي تنظر بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

في الذكرى الرابعة لاستشهاد والده، ركّز الحريري في كلمته على انتهاء عهد الهيمنة والمحكمة الدولية والانتخابات النيابية، وضرورة تنفيذ الإصلاحات لتحسين الوضع الاقتصادي. وقال «أردتم لعهد الهيمنة أن يرحل فرحل، وأردتم للمحكمة الدولية أن تقوم فقامت. تلاقينا في اتفاق الطائف على طي صفحة الحروب إلى غير رجعة، وسيبقى هذا الاتفاق بالنسبة إلينا القاعدة التي نجدد من خلالها وفاقنا الوطني».

وفي خطابه أمس، في الذكرى الخامسة، كان حريصا على توضيح الخطوة التي قام بها باتجاه «من كان مهيمنا»، مؤكدا على بقاء شعار لبنان أولا، وعدم التخلي عن المحكمة الدولية واتفاق الطائف. وقال «زيارتي إلى دمشق كانت جزءا من نافذة فتحها الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز وسأبقى محافظا عليها»، لافتا إلى أن «هذه فرصة لا يصح أن نغيب عنها مهما كانت الأسباب. ولن تكون هناك أي فرصة للبيع والشراء على حساب الديمقراطية والمحكمة الدولية والطائف والمناصفة التامة بين المسيحيين والمسلمين في لبنان».

أما رئيس حزب الكتائب أمين الجميل، فكان قد جعل الانتخابات النيابية ودورها في الاقتصاص من القاتل محورا رئيسيا في خطابه، معتبرا أن نتائجها مصيرية لإكمال مسيرة ثورة الأرز ومنع تقويض كل الإنجازات الوطنية. لكن أمس، أعلن الجميل، بعد انتقادات عدة وجهها حزب الكتائب لزيارة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى دمشق، أنه مع قيام أفضل العلاقات مع سورية، لكنه لفت إلى «إننا نريد في المقابل خطوات من سورية لحل الملفات العالقة، ونريد منها أن تقتنع بأن لبنان كيان مستقل ودولة سيدة حرة ذات نظام مميز، وأن تتعاطى معنا على هذا الأساس».

كذلك عاد الجميل وتطرق إلى الانتخابات النيابية، لكن هذه المرة من باب شبه الاعتذار من جمهور ثورة الأرز عن عدم تأليف حكومة تعكس نتائج انتخابات عام 2009. وخاطبهم بالقول «الظروف حتمت أن تكون الحكومة حكومة شراكة والواقع أظهر تعثرا في حسم الملفات العالقة، مما أوقع البلاد في حال المراوحة الخانقة»، معتبرا أن التسويات الظرفية لم تؤد سوى للمزيد من الشلل.

وكان أيضا لسلاح حزب الله حضوره في كلمة الجميل الذي قال «سنظل نطالب بالسيادة ونعمل من أجل إنجازها، على أن يكون السلاح تحت شرعية الدولة».

وبدوره، كان كلام رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية في السنة الماضية «مفعما» بالأبيات الشعرية كعادته، مخاطبا القتلة من جهة، وحزب الله وسلاحه من جهة أخرى، الأمر الذي لم يتغير كثيرا عن كلمته في هذا العام. ففي السنة الماضية، قال جعجع «على قدر أهل العزم تأتي العزائم، وتأتي على قدر الجرائم المحاكم». وأمس قال «إذا رأيت الأرز يمد يده، فلا تظنن أن الأرز يساوم»، مشيرا إلى أنه «لولا ثورة الأرز لكانت كل المحادثات الدولية الخاصة بلبنان تجرى في دمشق». وعن الفريق الآخر قال «يريدونها دولة وهمية من دون قرار أو سياسة، من دون جيش فعلي. نسوا اتفاق الطائف وضرورة حل الميليشيات، كل الميليشيات، ونسوا أيضا قانون الدفاع وقوانين المخالفات على أنواعها».

واستطرادا لما قاله جعجع العام الماضي اعتبر أمس أن بقاء أي سلاح، خارج مؤسسات الدولة اللبنانية، بات يشكل عبئا. ودعا الفريق الآخر إلى اتخاذ قرار وطني يقضي بالموافقة على وضع إمكاناتهم العسكرية تحت تصرف الدولة اللبنانية، وقرار السلم والحرب، في مجلس الوزراء من دون سواه.

أما في ما يتعلق بالتعديل الذي فرضه هذا العام رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في خريطة مهرجان ذكرى استشهاد رفيق الحريري، في خضم الكلام عن زيارة مرتقبة له إلى سورية، فقد شكل بالتأكيد غيابا في مواقف جنبلاط النارية التي اعتاد جمهور ثورة الأرز أن ينتفض على وقع كلماتها. وكانت كلمة جنبلاط العام الماضي تنبض بلاءات عدة، وأهمها رفض التسوية على المحكمة الدولية والعدالة، وعلى ترسيم حدود مزارع شبعا، وعلى معابر التهريب وقواعد التفجير والإجرام خارج المخيمات، وعلى اتفاق الطائف والخطة الدفاعية، وحصرية قرار الحرب والسلم في يد الدولة. وخاطب الجمهور حينها بالقول «أخرجتم جيش الوصاية، جيش نظام الحقد والجهل والدم، وفرضتم المحكمة بإصراركم وعنادكم وإخلاصكم وصبركم وتضحياتكم، ورفضتم الفوضى يوم حصار السراي..».

وكان في عام 2008 قد سبق هذا الكلام الناري تصعيد في لهجة خطاب جنبلاط، مشددا أيضا على رفض التسوية، معتبرا القبول بها خيانة واستسلاما وسقوطا، مضيفا «هي أيضا لحظة الفخ الكبير المنصوب من قبل حاكم النظام السوري والعصابات الملحقة به، وتسليم لبنان إلى ريف دمشق عالم الشر الأسود الإيراني – السوري، ولحظة التراجع عن المصلحة الوطنية والتخلي عن الطائف».