مع تراجع العنف.. العراق يتجه إلى مساعدة معاقيه

عشرات الآلاف يعانون بسبب نقص الأطراف الصناعية والأطباء ومراكز إعادة التأهيل

TT

مع انحسار العنف في العراق، الذي بلغ ذروته قبل خمس سنوات، بدأ النظام الصحي في إيجاد متنفس له للمسارعة في إعادة بناء الأجساد التي شوهتها الحرب. لكن الآلاف ممن فقدوا أطرافهم لا يزالون يواجهون قوائم انتظار طويلة، فمواد تصنيع الأجهزة التعويضية نادرة، كما هو الحال بالنسبة إلى خبراء إعادة التأهيل.

ويقول الدكتور ثامر عزيز، الذي يشرف على إنتاج الأطراف الصناعية في مركز بغداد لإعادة التأهيل الطبي، الذي يعد أضخم مركز في لجراحات التجميل، وواحدا من بين 18 مركزا في العراق: «نحن لا نملك مادة الراتينغ، أو مفاصل صناعية كافية، كما نفتقد إلى التقنيين المناسبين». وكانت قد وصلت للتو أرجل معدنية بعد عامين من الانتظار، لكنها كما يقول ثامر «ثقيلة على الأطفال، فهم في حاجة إلى أقدام وأيد صغيرة أو مفاصل خاصة». وعلى الرغم من الصورة الكئيبة، لا تزال هناك أسباب للأمل، فقد أدى انحسار العنف إلى تحرر الفرق الطبية من التركيز بصورة كبيرة على إنقاذ الأرواح، وقرب اكتمال عمليات التجديد من الانتهاء في مركز بغداد، الذي تضرر بشدة نتيجة للسرقات، التي تلت إسقاط نظام صدام حسين عام 2003. كما ارتفع عدد الحالات التي يتعامل معها على الرغم، من عدم اكتمال عمليات التجديد، إلى 685 من بين 750 مريضا في حاجة إلى أطراف صناعية.

وكان مئات آلاف من العراقيين قد أصيبوا خلال الغزو الذي قادته الولايات المتحدة والتمرد الذي تبعه، حيث أصيب ما لا يقل عن 60,000 عراقي، بحسب إحصاء لوكالة الأنباء الأسترالية، منذ أبريل (نيسان) عام 2005، الكثيرون منهم فقدوا أحد أطرافهم. إضافة إلى ذلك، كان الطريق إلى المراكز التعويضية محفوفا بالمخاطر، وفرّ الكثير من الأطباء العراقيين إلى الخارج. وتقول وزارة الصحة إن العراق في حاجة إلى 6,000 طبيب جراحات تعويضية، لكن من بقوا في العراق لا يتجاوزون الألف. وإلى جانب ندرة الأطباء، تقلص عدد صانعي الأطراف الصناعية بمقدار النصف، وعدد أطباء إعادة التأهيل بمقدار الثلث.

وبعد الحرب الإيرانية - العراقية كانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر المورد الأساسي للأطراف. وكان العراق واحدا من أكبر الدول المتلقية للأطراف الصناعية، إلى جانب كمبوديا وأفغانستان. لكن الصليب الأحمر توقف عن تقديم المساعدة بسبب الغزو، لكن بدأت في العودة بصورة تدريجية، فتشير الإحصاءات المتاحة إلى تلقي 1,800 مريض لأطراف صناعية من الصليب الأحمر خلال عام 2008 مقارنة بـ3,000 مريض في العام خلال فترة التسعينات.

وكان مركز إعادة التأهيل في بغداد قد تعرض لدمار كبير، فاللصوص الذين نهبوه سرقوا حتى النوافذ والأبواب، وقد تسلم المركز الآن أجهزة تمارين وأسرة فحص دفعت ثمنها وزارة الصحة العراقية. وإلى جانب صناعة الأطراف، يقدم المركز العلاج الصحي والتدليك العلاجات الأخرى، حيث يستقبل المركز 500 مريض يوميا. لكن المركز الذي كان يضم من قبل 20 طبيبا، لا يوجد به الآن سوى ثمانية أطباء فقط، كما أن العقبات التي يواجهها المرضى كبيرة للغاية، فكثير من المرضى يقنطون خارج المدينة، ولا تسمح أحوالهم المادية بالسفر إلى بغداد، كما لا يتوافر لهم مكان الإقامة خلال الليل عندما يخضعون لجلسات العلاج الطبيعي، أما الميسورون القادرون على الدخول إلى العيادات الخاصة فتبلغ تكلفة الطرف الصناعي الواحد 1,000 دولار، مقارنة بعشرة دولارات في مركز بغداد. حتى الثامنة من عمره كان الصبي الصغير، محمد البزوني، أحد هؤلاء المعاقين، هدّاف مباريات كرة القدم في حواري حيه في بغداد، لكن قذيفة هاون بترت ساقه، ولا يزال الصبي بعد أربع سنوات من الحادث ينتظر الحصول على طرف صناعي. وفي الوقت الحالي، يمارس الصبي كرة القدم أيضا، لكنه يقف حارسا للمرمى. قال محمد والابتسامة تضيء وجهه الرزين: «الأولاد الآخرون يسمحون لي باستخدام عكازي في حراسة المرمى».

أحمد، والد محمد، قال ويده على ركبة ابنه: «لا أحد يهتم»، فبعد سبعة أشهر من الانتظار قام الأطباء في مستشفى الواسطي ببغداد بالعمل على صنع طرف صناعي أسفل الركبة لمحمد، وتقويم رجله الأخرى. وخلال الأشهر السبعة التالية، كان أحمد يذهب إلى المستشفى كل أسبوع من أجل العلاج، ودائما ما كان يواجه الرصاص والتفجيرات. ولم يفوت محمد ووالده موعدا في المستشفى، وعندما حالت التفجيرات دون بلوغ حافلتهم المستشفى، ترجل أحمد من الحافلة، وحمل ابنه بين ذراعيه. وقال محمد بهدوء: «شاهدت رجلا في مؤخرة شاحنة مرت من أمامنا وقد غطته الدماء جعلتني أتذكر يوم أصبت. أشحت بوجهي بعيدا، وتلوت بعضا من آيات القرآن الكريم، لكن الصورة أحيانا ما تعاود مخيلتي خلال الليل، وتجعلني أخاف».

تغص مخيلة محمد، ذلك الفتى الضئيل ذو العينين السوداوين، بالكثير من الأحلام للمستقبل عندما يحصل على ساقه الجديدة، فهو يحلم بالالتحاق بكلية المعلمين، وأن يكون مثيرا للذعر في قلوب خصومه في فرق كرة القدم كما كان من قبل. ولم يجد أبوه من شيء سوى أن يربت على كتفه قائلا: «إن شاء الله».