لبنان: العثور على ذاكرة الصندوق الأسود الثاني للطائرة الإثيوبية.. والتعرف على هوية غالبية الضحايا خلال أيام

جدل شرعي حول ضرورة انتشال الجثث ودفنها

TT

توزعت قضية الطائرة الإثيوبية التي سقطت قبل نحو ثلاثة أسابيع في البحر قبالة الشاطئ اللبناني على ثلاثة محاور: الأول كان العثور على ذاكرة قمرة القيادة التابعة للصندوق الأسود الثاني قبالة شاطئ الناعمة. وفي هذا السياق، أفادت مديرية التوجيه في الجيش اللبناني، أمس، أن «مغاوير البحر في الجيش تمكنوا من العثور على هذه الذاكرة. وسلمته اللجنة الفنية، بعد فحصه والتأكد منه، إلى الجهات المعنية». كذلك أعلن وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي أنه «سيتم إرسال الصندوق إلى فرنسا لقراءة محتواه من قِبل اللجنة الفنية الدولية المختصة بذلك».

وكانت سفينة «أوشن أليرت»، التي تولت خلال الأسابيع الثلاثة الماضية عملية البحث عن حطام الطائرة، وتصوير أعماق البحر، غادرت المياه اللبنانية، وتسلمت مكانها السفينة الفرنسية «الأوديسي إكسبلورر».

أما المحور الثاني فيتعلق بالبحث عن جثامين الضحايا، واقتراب العملية من نهايتها. وفي هذا الإطار، قال مدير مستشفى رفيق الحريري الحكومي الدكتور وسيم الوزان لـ«الشرق الأوسط» إن «13 من أصل 54 ضحية لبنانية قضى أصحابها في كارثة سقوط الطائرة الإثيوبية، لا تزال هويتهم مجهولة. ويفترض أن نتوصل عصر اليوم (أمس الثلاثاء) إلى تحديد هوية غالبية الضحايا، لنتجاوز نسبة 80%، سواء كانوا لبنانيين أو إثيوبيين. ونتوقع في الأيام المقبلة أن ننجز الفحوص اللازمة لمعرفة هويات جميع الضحايا تقريبا. وهذا إنجاز قلما تصل إليه أكثر الدول تطورا في مثل هذه الكارثة». وأشار إلى أن «الفريق المتخصص يفحص كل ما يرد إلى المستشفى من البحر. إلا أن صعوبة العمل تكمن في العدد الكبير لأشلاء الضحايا لا في تقنية التعرف على هوية كل منهم، لا سيما أن عدد أعضاء الفريق المتخصص في فحص الحمض النووي محدود ولا يمكن زيادته. إلا أننا لا نزال نعمل ضمن المهلة الطبيعية، ونعطي نتائج الفحص بعد 48 ساعة من وصول الجثث إلى المستشفى».

إلا أن الإنجاز الأهم، كما يصفه الوزان، يبقى التعامل مع أهالي الضحايا ومواساتهم. ويقول: «التعامل مع أهالي الضحايا كان من أولويات ما قمنا به بناء على تكليف وزارة الصحة، سواء من خلال الخط الساخن والحاضر للتواصل معهم، أو من خلال المقابلات الشخصية. لكن الناس غلبتهم المأساة وكان صبرهم ينفد عندما لا يحصلون على معلومات جديدة، مع الإشارة إلى أن الرأي العام وأهالي ضحايا مثل هذه الكارثة في العالم لا يضغطون على حكوماتهم كما حصل في لبنان».

الهمّ الآخر الذي يستعد له المستشفى الحكومي بعد هذه الكارثة يتعلق بالعاملين فيه. ويقول الوزان: «بعد نحو شهر ستظهر علامات الصدمة على بعض الموظفين في المستشفى وفي منظمة الصليب الأحمر وفي الجيش اللبناني والمطار، لذا تم إنشاء خلية طبية متخصصة في هذا الشأن. وهي معروفة عالميا بأنها توتر ما بعد الصدمة. والأمر يختلف عما يعانيه أهالي الضحايا الذين يجدون العزاء من خلال العائلة والأقارب والمجتمع. أما الذين يعملون في هذا القطاع، فيحتاجون معالجين نفسيين ليساعدوهم على تخطي مرحلة ما بعد الصدمة. والخلية التي تم تحضيرها، ستتحول إلى مركز دائم لمعالجة الصدمات المشابهة على الصعيد العام كما على الصعيد الفردي».

المحور الثالث الذي أثير مع أن عمليات البحث عن جثامين الضحايا تكاد تكتمل، يتعلق بالناحية الشرعية. واللافت أن الاجتهادات في هذا الشأن اقتصرت على الجانب الشيعي، مع أن الضحايا ينتمون إلى مختلف الطوائف والمذاهب اللبنانية.

وأوضح القاضي الشرعي في المحاكم الشيعية الشيخ محمد ياغي لـ«الشرق الأوسط»، أن «الإصرار على العثور على الجثث ليس مطلوبا وفق الشريعة الإسلامية، لأن وفاة الضحايا على هذا الشكل هي قضاء الله سبحانه وتعالى وقدره، والموت حق سواء في الأرض أو البحر أو السماء. والخالق جل جلاله يبعث بهم يوم القيامة، بالتالي فإن القيمة للروح لا للجسد. وصحيح أن إكرام الميت دفنه، والدفن يكون في المقام الأول حتى لا يتشوه هذا الجسد أو يتغير شكله. ولكن الإصرار على إخراج الجسد أجزاء وأشلاء من البحر، لا داعي له. أما عملية تحميل المسؤولية المبالغ فيها إذا لم يتم العثور على كامل الجثامين فهو استغلال سياسي من بعض الأطراف، وتلاعب بعواطف أهالي الضحايا. من حق الأهل أن يطالبوا بما يشاؤون، فهم يعانون، لكن المؤسف هو تلاعب بعض السياسيين وبعض الأعلام بما ليس في مصلحة هؤلاء المنكوبين».