السياسة الأميركية تجاه إيران من نهج أوباما.. إلى رؤية أكثر توافقا مع آراء كلينتون

وزيرة الخارجية تتعامل مع الملف الإيراني بلهجة تشبه لغة حملتها الانتخابية

هيلاري رودهام كلينتون
TT

إذا كانت وزيرة الخارجية، هيلاري رودهام كلينتون، بدت محتدمة على نحو خاص في انتقادها لإيران خلال زيارتها الأخيرة إلى منطقة الخليج هذا الأسبوع، فإن سببا وجيها يكمن وراء ذلك: أن تحولا بدأ يطرأ على سياسة الرئيس أوباما حيال إيران جعلها تبدو أكثر شبها بالسياسة التي طرحتها كلينتون أثناء حملتها الانتخابية للوصول للرئاسة. مع إخفاق جهود الإدارة الأميركية للتواصل مع إيران في تقديم ثمار إيجابية، بدأت هذه الجهود تحول دفتها نحو استراتيجية تحمل قدرا أكبر من المواجهة تبدو متوافقة تماما مع توجهات كلينتون، التي لطالما أبدت تشككها في جدوى التعاون مع إيران. يذكر أن كلينتون حذرت في وقت مضى من أنه لو كانت في منصب الرئيس وهاجمت إيران إسرائيل، فإن الولايات المتحدة «ستمحو» إيران تماما. باعتبارها المسؤول الدبلوماسي الأول للبلاد، تحرص كلينتون على تجنب مثل هذا النمط من التجاوز في تصريحاتها. إلا أنه خلال رحلتها الحالية لمنطقة الخليج، أعربت كلينتون عن اعتقادها أن إيران في طريقها نحو التحول إلى نظام ديكتاتوري عسكري، وأن القيادات الدينية والسياسية الإيرانية ينبغي أن تعيد سيطرتها على مقاليد الحكم من قبضة الحرس الثوري الإسلامي، مضيفة أن طهران ربما تشعل سباقا للتسلح النووي في الشرق الأوسط. وقالت في حديث لها، الثلاثاء، أمام جمع من الطلاب داخل كلية دار الحكمة للفتيات: «عليكم أن تسألوا أنفسكم: لماذا يفعلون ذلك؟»، في نبرة شديدة تشبه تلك التي استخدمتها في خطاب انتخابي ألقته في بنسلفانيا. وتشير هذه النبرة إلى حجم التغير الذي طرأ على الساحة السياسية في واشنطن، ذلك أن أوباما، الذي دخل في صدامات متكررة مع كلينتون حول كيفية التعامل مع إيران أثناء انتخابات نيل الترشح من الحزب الديمقراطي للرئاسة، كلفها الآن بمهمة حشد التأييد الدولي لحزمة جديدة من العقوبات ضد إيران تحت مظلة الأمم المتحدة. الواضح أن كلينتون قبلت المهمة بسعادة. وقد تناولت كلينتون مرارا قضية الحرس الثوري خلال رحلتها الأخيرة، وناقشتها بإيجاز أمام المراسلين مرتين على متن طائرتها. وعلى ما يبدو هناك دول أخرى تشارك الإدارة قلقها إزاء إيران، حيث انضمت روسيا، الثلاثاء، إلى الولايات المتحدة وفرنسا في إثارة التساؤلات بوضوح حول النوايا الحقيقية لإيران من وراء تخصيب اليورانيوم. ووقعت الدول الثلاث خطابا موجها إلى المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي المنظمة الرقابية النووية التابعة للأمم المتحدة، أعربوا فيه عن اعتقادهم أن تخصيب إيران لليورانيوم وفشلها في إخطار الوكالة بنشاطاتها مسبقا أمر «غير مرضي إطلاقا، ويتنافى مع قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ويشكل خطوة أخرى نحو إنتاج يورانيوم عالي التخصيب».

وذكر الخطاب، الذي يحمل تاريخ 12 فبراير (شباط) وحصلت الصحيفة على نسخة منه من مسؤولين دبلوماسيين في واشنطن، أن «إيران تمضي قدما في هذا التصعيد، مثيرة بذلك مخاوف جديدة حيال نواياها النووية».

من ناحية أخرى، قال مسؤول بارز في الإدارة: إن البيت الأبيض ليس مرتاحا حيال تصريحات كلينتون بشأن إيران فحسب، بل يشعر «بالامتنان لدورها القيادي على صعيد هذه القضية في منطقة الخليج وفي الداخل». وبالتأكيد، يعكس تركيز كلينتون على دور الحرس الثوري استراتيجية البيت الأبيض. وقد قرر مسؤولون هنا السعي وراء فرض عقوبات جديدة تستهدف أصولا يملكها الحرس الثوري لكونها أصولا مناسبة تخص قوة تضطلع من وراء الكواليس بإدارة البرنامج النووي الإيراني، ووجهة وحشية تقف وراء الإجراءات الصارمة التي تعرض لها المتظاهرون المناهضون للحكومة بعد انتخابات رئاسية متنازع حولها عقدت في يونيو (حزيران).

في الوقت ذاته، يرفض مسؤولو البيت الأبيض فكرة أن جهود أوباما للتعاون مع إيران أخفقت، مشيرين إلى أن هذه الجهود كان من شأنها فرض عزلة على إيران خارجيا، وظهور انقسامات عديدة بها داخليا، مع مواجهتها لفقدان نفوذها في وقت تبدو فيه مزاعم الرئيس محمود أحمدي نجاد بشرعية مكانته كزعيم إقليمي فارغة. في الواقع، كانت هذه الحجج التي ساقتها كلينتون، فبراير (شباط) الماضي، لتبرير مساعي التعاون مع إيران خلال أول رحلة للخارج لها كوزيرة للخارجية.

أثناء هذه الرحلة، صرحت أمام جمع من المراسلين الصحافيين في كوريا الجنوبية أنه «لن يرخي الجميع قبضتهم. لكن الرسالة الكامنة وراء يدنا الممدودة سيكون لها تأثير ملحوظ. عندما يقرر النظام عدم رغبته في إرخاء قبضته، أعتقد أن هذا يضعنا في موقف أقوى. إن جزءا كبيرا من الدبلوماسية الدولية يقوم على المناورة».

وحمل الشهر التالي مؤشرا على رؤية كلينتون المتشائمة حيال النجاح في إقناع إيران بتغيير مسارها الراهن، عندما أشار متحدث رسمي باسم وزارة الخارجية إلى أنها أخبرت وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة أنه من غير المحتمل أن تستجيب إيران للمبادرات الدبلوماسية التي يطلقها أوباما.

الملاحظ أن كلينتون تشدد أنه حتى الآن ما تزال الأبواب مفتوحة أمام التعاون مع طهران. بيد أنه بعد إعلانها استيلاء الحرس الثوري على كثير من السلطة السياسية والاقتصادية والعسكرية في إيران، من غير الواضح من تعتقد أنه قائم على الطرف المقابل لها في السلطة داخل إيران.

ولا شك أن تطور السياسة الأميركية من التعاون إلى ممارسة الضغوط يخدم موقف كلينتون. في بداية تولي الإدارة الحالية السلطة، بدا البيت الأبيض مهيمنا على وزارة الخارجية في رسم السياسة تجاه إيران، الاعتقاد الذي تعزز بانتقال أحد كبار صانعي السياسات تجاه إيران، دينيس روس، من وزارة الخارجية إلى منصب داخل مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض.

وتولى البيت الأبيض التعامل مع الإشارات الأولى التي أطلقها أوباما تجاه إيران، مثل الشريط المصور الذي يحمل تهنئته للشعب الإيراني بالعام الجديد. وحملت خطابات من أوباما موجهة إلى المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، توقيع الرئيس.

إلا أنه حاليا تحولت السياسة الأميركية تجاه إيران من تقديم إشارات جريئة إلى صياغة قرار من مجلس الأمن بفرض عقوبات جديدة ضد طهران، وهنا يأتي دور وزارة الخارجية. ويضطلع ويليام بيرنز، الدبلوماسي غير المعروف الذي يتولى منصب وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية، بدور محوري في هذه الجهود، حيث يتنقل بين عواصم العالم للتوصل إلى صياغة مقبولة للقرار المقترح.

من جهتها، تعمل كلينتون على إقناع الحلفاء ودول أخرى بأن العالم أصبح الآن بحاجة لمواجهة إيران. في حديثها إلى جمع من النساء في كلية الفتيات في السعودية، طرحت اتهامات مطولة ضد طهران.

وقالت: «هددت إيران دولا أخرى ومولت إرهابيين شنوا هجمات داخل دول أخرى، وتمثل الداعم الأكبر للإرهاب في عالمنا اليوم». واستطردت موضحة أن العواقب المترتبة على ظهور إيران نووية ستكون كارثية، مضيفة أن قادة دول الشرق الأوسط الأخرى سيقولون: «إذا كان لدى إيران سلاح نووي، فمن الأفضل أن نمتلك سلاحا نوويا نحن أيضا لحماية شعوبنا». مستطردة بأنه «بعد ذلك سيندلع سباق تسلح نووي في المنطقة، وتصبح جميع الاحتمالات قائمة لأن تتحول المشكلات إلى مسار بالغ الخطورة».

* خدمة «نيويورك تايمز»