مصادر فرنسية رسمية لـ «الشرق الأوسط»: انتهت مرحلة «اليد الممدودة» لإيران

ترى أن مستقبل إيران غامض.. ولا تستبعد ما يشبه الانقلاب

TT

قالت مصادر فرنسية رسمية رفيعة المستوى إن مرحلة «اليد الممدودة» التي اقترحتها إدارة الرئيس أوباما على القادة الإيرانيين للتحاور معهم وإيجاد أرضية مشتركة لتسوية مشكلات طهران العالقة وأولاها ملفها النووي قد «انتهت»، مضيفة أن صفحة جديدة «لا يعرف بعد مضمونها قد فتحت».

ولا تبدو باريس «مستهجنة» للفشل الذي واجه الرئيس الأميركي في محاولته الانفتاح على القادة الإيرانيين، إذ إن المصادر الفرنسية كانت، منذ البداية، تعتبر أن المقاربة الأميركية الأولى تتسم بـ«نوع من السذاجة». ومرد ذلك، وفق باريس، لقناعة قوية مفادها أن القادة الإيرانيين «لا يريدون حلا متفاوضا عليه» للملف النووي، وأنهم «لم يفاوضوا أبدا وبصورة جدية» من أجل التوصل لمثل هذا الحل، بل إن غرضهم كان ومنذ البداية «إتاهة المفاوضات» وإدخال الغربيين في «تفاصيل التفاصيل» وتوزيع الأدوار وإصدار تصريحات متناقضة عمدا.

وترى باريس أن أفضل مثال على ذلك هو السجال الذي بدأ منذ شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي حول مشروع مبادلة ثلثي المخزون النووي الإيراني من اليورانيوم ضعيف التخصيب بقضبان من اليورانيوم صالحة للاستخدام في مفاعل طهران التجريبي لإنتاج النظائر الطبية. وترى المصادر الفرنسية أن طهران ضخمت هذا الملف «الفرعي» من أجل إسدال الستار على الموضوع الأساسي الذي هو الوقف التام لنشاطات إيران التخصيبية ولكل نشاطاتها النووية الحساسة الأخرى، وقبول التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة النووية، وإلقاء الضوء على جوانب غامضة وحساسة من برنامج إيران النووي والباليستي الصاروخي. وكل هذه المسائل غيبت، وتركز الاهتمام على المبادلة وشروطها وظروفها، وهو ما كانت تعي إليه إيران.

وتعتبر فرنسا أن الولايات المتحدة عادت إلى سياسة «أكثر واقعية» في تعاطيها مع طهران، حيث استرجعت مواقف سابقة لإدارة الرئيس بوش التي كانت تقول إنها «لا تستبعد أي خيار» في تعاطيها مع الملف الإيراني، مما يعني ضمنا إعادة إدخال الحل العسكري إلى المعادلة، وهو ما كانت تستبعده، حكما، سياسة «اليد الممدودة» للرئيس أوباما.

وأفادت المصادر الفرنسية التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» بأن كلام وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون عن قيام «ديكتاتورية عسكرية» في إيران، في إشارة منها إلى الدور المتصاعد للحرس الثوري وهيمنتهم على القرار الإيراني، «رسالة» موجهة بالدرجة الأولى إلى «الداخل الأميركي» من أجل إفهام الأميركيين أن «مرحلة الاستماع والتساهل» مع إيران قد انتهت.

وترى باريس أن «مستقبل الوضع السياسي الإيراني غامض» رغم أنها لا تعتقد أن النظام قادم على الانهيار في المستقبل القريب بفعل الاحتجاج الشعبي الذي انطلق بعد الانتخابات الرئاسية الصيف الماضي واتهام المعارضة للنظام بالتزوير.

الأمر البارز، كما تقول المصادر الفرنسية، هو التفسخ العميق الذي أصاب بنية النظام. ولذا فإن باريس «لا تستبعد» أن تدفع التشققات القائمة داخل بنية النظام بما في ذلك داخل طبقة رجال الدين المنقسمة بين معتدلين ومتشددين وداخل المعسكر المحافظ نفسه، إلى إيجاد تململ داخل القوات المسلحة والأجهزة الأمنية التي يقوم عليها النظام، لا بل إلى «تحرك» يكون أقرب إلى «انقلاب عسكري». والغرض من ذلك هو التخلص من القيادة المتشددة باعتبار أن كثيرين يرون أن الثمن الذي تدفعه إيران اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، إن بسبب الملف النووي أو بسبب سياسة طهران الخارجية والداخلية، «مرتفع جدا» ومسيء للشعب الإيراني.

وهذا الوضع من شأنه، كما ترى باريس، تحريك جزء من القوات المسلحة أو الأجهزة الأمنية رغبة منها في وضع حد للنظام القائم وتعبيد الطريق لقيام نظام جديد أقل تحجرا من النظام الحالي. فضلا عن ذلك، لم تعد باريس تستبعد فرضية حرب جديدة في المنطقة لتيقنها أن إيران لن تفاوض ولن تقدم تنازلات، إذ إن غرضها الحقيقي هو الحصول على القوة النووية أو الوصول إلى «عتبة» امتلاكها، وهو حال اليابان وكوريا الجنوبية ودول أخرى عبر العالم.