المحافظون البريطانيون يطالبون باستجواب الحكومة حول معرفتها باستخدام «جوازات السفر» في اغتيال المبحوح

الأزمة تتخذ أبعادا داخلية في بريطانيا * إسرائيل: شرطة دبي لم تقدم أي دليل ذي طابع اتهامي.. والموساد يتحدث عن إطلاع «إم آي 6».. ولندن تنفي

TT

تتخذ الأزمة الناجمة عن استخدام جوازات سفر بريطانية في عملية اغتيال محمود المبحوح القيادي في حركة حماس، في دبي في 20 يناير (كانون الثاني)، أبعادا جديدة في لندن، وذلك بعد إعلان إسرائيل أن السلطات البريطانية كانت تعلم بالأمر قبل حدوثه، وكذلك ما تردد في دبي حول إبلاغ بريطانيا بأمر جوازات السفر المزورة بعد العملية بأسبوعين تقريبا ولم تفعل لندن شيئا إزاءه. وتتعرض الحكومة لضغوط داخلية لتوضيح هذه الاتهامات، إذ يحاول حزب المحافظين المعارض استغلال القضية لتوجيه ضربة سياسية للحكومة قبل الانتخابات العامة المفترض أن تُجرَى في مايو (أيار) المقبل.

وحسب صحيفة «الـديلي تليغراف» المحافظة البريطانية، فإن وليام هيغ وزير الخارجية في حكومة الظل المحافظة، طالب الحكومة ببيان في مجلس العموم، حول الوقت الذي علم فيه رئيس الوزراء ووزارة الخارجية بأمر العلاقة البريطانية المحتملة. وقال هيغ إنه بطلبه هذا «لا أقترح أي تعاون مع إسرائيل، ولكن ربما يكون هناك سيناريو حول احتمال معرفة بعض الوزراء بالأمر في أواخر يناير».

غير أن وزارة الخارجية البريطانية نفت أي معرفة بالأمر. وقال بيان صحافي مكتوب للوزارة، تلقت «الشرق الأوسط» نسخة إلكترونية منه «إن أي اقتراح أو تلميح بأننا كنا نعلم بأمر جريمة دبي قبل وقوعها، بما في ذلك إساءة استخدام جوازات السفر البريطانية ـ غير صحيح على الإطلاق». وأضاف البيان: «وكما قلنا في السابق، فإن سلطات دبي أبلغتنا باستخدام جوازات السفر البريطانية في 15 فبراير (شباط) الجاري، أي قبل ساعات فقط من مؤتمرها الصحافي. وقلنا لهم في اليوم التالي إن جوازات السفر مزورة». وتابع البيان: «إن رئيس شرطة دبي (الفريق ضاحي الخلفان) قال بوضوح: إن السفارات لم تبلغ إلا قبيل الكشف عن هوية الفاعلين».

ويتهم رئيس شرطة دبي ـ الفريق ضاحي الخلفان ـ جهاز المخابرات الإسرائيلي الخارجي «الموساد» بالوقوف وراء هذه العملية التي شارك في تنفيذها حوالي 18 شخصا، بعد وصول مسؤول حماس إلى دبي بخمس ساعات فقط، مستخدمين جوازات سفر أوروبية، منها 6 لبريطانيين يعيشون في إسرائيل. وقال خلفان أول من أمس إنه متأكد لدرجة 99% ـ إن لم يكن 100% ـ بأن عملاء الموساد هم الذين نفذوا العملية.

واستخف الإسرائيليون بذلك، موضحين أن الأدلة التي يجري الحديث عنها ليست أكثر من صور لأشخاص يتحدثون بالهاتف وأشخاص يحملون مضارب تنس. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤول إسرائيلي كبير، طلب عدم ذكر اسمه، أن «شرطة دبي لم تقدِّم في هذه القضية أي دليل ذي طابع اتهامي». وأضاف: «حتى اليوم لا أحد يعرف ما الذي جرى. شرطة دبي لم تشرح حتى ظروف وفاة المبحوح».

ولكن، ورغم عدم الاعتراف رسميا بمسؤوليتها عن العملية، تسرِّب إسرائيل إشاعات تفيد بأن جهاز المخابرات البريطاني الخارجية «إم آي 6» بُلِّغ بأن عملاء للموساد سيستخدمون جوازات سفر بريطانية لتنفيذ عملية في الخارج». غير أن المعلومات التي نقلت لـ«إم آي 6» لم تحدد هوية الهدف ولا المكان الذي ستنفذ فيه العملية، كما قالت صحيفة «الديلي ميل» البريطانية ذات الميول اليمينية. وتعزي «الديلي ميل» هذه المعلومات إلى مصدر أمني بريطاني قال إنه استقى معلوماته من عميل في الموساد معروف بموثوقية المعلومات التي يدلي بها. وحسب زعم المصدر، فإن «الحكومة البريطانية اطلعت بشكل مقتضب على ما سيحدث قبيل العملية»، وإن لم يكن هناك تورط بريطاني في العملية، ولم يكشف عن اسم الشخص المستهدف. «والشيء الوحيد الذي عرفوا به هو أن بعض منفذي العملية سيستخدمون جوازات سفر بريطانية».

وحسب المصدر، فإن المعلومات التي مررت للندن لم تكن طلبا إسرائيليا بالسماح باستخدام جوازات السفر البريطانية، بل مجرد مجاملة لتستعد الأجهزة الأمنية البريطانية لإمكانية انكشاف الأمر.

وثمة قناعة لدى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بأن رد فعل الحكومة البريطانية لن يكون أكثر من صفعة على اليد كي تبدو أنها تفعل شيئا. ولن يتطور الوضع المستحدث إلى أزمة دبلوماسية كما يتوقع البعض.

ويدل على ذلك دعوة السفير الإسرائيلي رون برسور إلى وزارة الخارجية، لا استدعاؤه للقاء السكرتير الدائم في وزارة الخارجية البريطانية السير بيتر ريكيتس ولا وزير الخارجية ديفيد ميليباند، وعدم توجيه أي توبيخ أو تحذير من أي شكل إليه. وحسب ميليباند، فإن الهدف من الاجتماع كان فقط مجرد تشاطر المعلومات حول استخدام جوازات السفر البريطانية في العملية. وخرج السفير الإسرائيلي من الاجتماع يقول إنه لم يكن لديه ما يضيفه للجانب البريطاني.

لكن ورغم ذلك، فإن صحيفة «الغارديان» البريطانية ترى أن العلاقة بين تل أبيب ولندن تدخل مرحلة الأزمة، بسبب موضوع جوازات السفر. وحسب «الغارديان»، فإن العلاقة بين البلدين كانت متوترة جراء الخلافات بشأن عملية السلام في الشرق الأوسط، وتزايد التوتر بشكل ملحوظ منذ وصول حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة إلى الحكم بعد الحرب العدوانية على قطاع غزة. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين بريطانيين القول إنهم غاضبون جراء عملية دبي. وهدد هؤلاء بإجراءات أشد إذا لم تقدم إسرائيل تفسيرات مرضية في القضية.

ويرى هؤلاء أن استخدام جوازات السفر البريطانية والأيرلندية والألمانية والفرنسية، هي صفعة في الوجه لأهم دول الاتحاد الأوروبي، أشد من الصفعة التي وُجِّهت لكندا باستخدام جوازات سفرها في محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل في الأردن عام 1997.