اليمن ينتقد بيروقراطية دول مانحة.. والسعودية تدفع كامل المليار دولار

صنعاء تعتبر اندماجها في مجلس التعاون سبيل مواجهة «القاعدة» والتمرد والانفصاليين

نائب رئيس الوزراء اليمني عبد الكريم الأرحبي (وسط) يتحدث إلى مسؤولين خليجيين أمس في الرياض (رويترز)
TT

لم تفوّت اليمن، أمس، فرصة اجتماع المعنيين بمنحة الـ5.7 مليار دولار، التي تعهدت بها دول وصناديق تمويل لصالح مسار التنمية فيها، دون توجيه سيل من الانتقادات الساخنة إن كان داخل الاجتماعات المتتالية أو عبر التصريحات المتلفزة، لدول قالت إنها لم تف بتعهداتها.

وانتقد نائب رئيس الوزراء اليمني عبد الكريم الأرحبي ما وصفه بـ«بيروقراطية» دول مانحة (لم يحددها)، لا تتدفق تعهداتها إلا بعد وقت طويل، حيث جاء ذلك على خلفية اجتماعات المانحين التي تستمر الرياض في استضافتها حتى اليوم، الأحد.

وأمام ذلك، أعلنت السعودية، أمس، عن دفعها كامل مبلغ المليار دولار الذي تعهدت به لصالح اليمن، لتكون أول دولة تفي بكامل تعهدها لصالح التنمية في اليمن.

وأعلن المهندس يوسف البسام، نائب الرئيس والعضو المنتدب للصندوق السعودي للتنمية، عن أن بلاده قامت بتخصيص كامل التزامها في مؤتمر المانحين في لندن، بمنحة بلغت مليار دولار أميركي. وأوضح أن الصندوق السعودي للتنمية قام خلال الفترة الماضية بتوقيع 9 اتفاقيات لتمويل عدد من المشاريع بقيمة 642 مليون دولار. ومن المقرر، طبقا للبسام، أن يكون الجانبان، السعودي واليمني، قد وقعا، على هامش اجتماع التنسيق المشترك بينهما، 4 اتفاقيات، بقيمة 115 مليون دولار أميركي، لصالح تمويل مشروع للطاقة، ومشروع لبرنامج المياه والصرف الصحي، ومشروع بناء مستشفى الحديدة، وتجهيز ورش ومختبرات لكليتي الهندسة والتربية في جامعة تعز.

وأوضح المسؤول السعودي أن الرياض أتمت تخصيص مبالغ لـ6 مشاريع أخرى، لم يسمها، لتكون بذلك قد أنهت كل تعهداتها الخاصة باليمن. وأمام التزام السعودية بتعهداتها، انتقدت صنعاء بشدة دولا قالت إنها لم تفِ بما قطعته على نفسها في مؤتمر المانحين في لندن عام 2006. وهناك من يحاول الربط بين بطء تخصيص الأموال لمشاريع التنمية في اليمن، وطريقة إدارة حكومة الرئيس علي عبد الله صالح لتلك الأموال. لكن عبد الكريم الأرحبي، نائب رئيس مجلس الوزراء اليمني للشؤون الاقتصادية وزير الاقتصاد والتعاون الدولي، نفى ذلك بشكل قاطع.

وقال في رده حول ما إذا كانت هناك إشكالية في كيفية إدارة الحكومة للمبالغ التي تم تسلمها: «ليس هذا على الإطلاق، فالقضية أن هناك بعض الإجراءات البيروقراطية الطويلة التي تعوق استخدام هذه الموارد من قبل بعض المانحين».

وأضاف في تصريح له أعقب ترؤوس وفد بلاده اجتماعات المانحين المنعقدة في الرياض «الموضوع الذي نحن بصدده هو استعراض مدى التقدم في استخدام تعهدات المانحين التي قطعوها على أنفسهم في مؤتمر المانحين في لندن عام 2006، والهدف منه هو التوافق على أسباب بطء استخدام هذه الموارد، وبحث البدائل المختلفة للتسريع بعملية الاستفادة منها».

وبين أن الحكومة اليمنية قد قدمت مقترحات محددة وواضحة (بدائل للتنفيذ) يمكن أن تساعد إلى حد كبير في استخدام هذه الموارد، لتمويل المشاريع الواردة في البرنامج الاستثماري للخطة الخمسية الثالثة التي عرضت في لندن في ذلك الوقت، والتعهدات قد منحت من قبل المانحين لتمويل ذلك البرنامج. وأعرب الأرحبي عن أسف بلاده لبطء مانحين بتقديم التزاماتهم، حيث قال: «للأسف الشديد نحن الآن بصدد العام الأخير من الخطة الخمسية الثالثة، وما زالت الكثير من الموارد لم تتدفق، ونحن بصدد التوافق على تدفقها واستخدامها».

وضرب مثالا على ذلك بقوله: «نحن نأخذ الكثير من الوقت حتى نتفق فيما بيننا وبين المانحين على مسألة تخصيص هذه التعهدات على مشاريع بعينها، وبعد أن نستغرق ذلك الوقت الكثير، نأخذ وقتا طويلا حتى نتفاهم حول كل مشروع على حدة وتوقيع اتفاقية التمويل، ثم بعد هذا نأخذ شيئا من الوقت حتى تتدفق هذه التعهدات لتمويل عملية التنفيذ للمشاريع المختلفة».

لكن هذا لا يلغي أن هناك ضعفا من بعض الجهات الحكومية اليمنية، طبقا للمسؤول اليمني، الذي اعترف بالقول: «هناك بعض نقاط الضعف من جانب بعض المؤسسات الحكومية حتى نكون منصفين ومتوازنين في عرضنا للأمور».

وأكد نائب رئيس الوزراء اليمني للشؤون الاقتصادية، حجم التحديات التنموية التي واجهتها بلاده خلال العقود الـ5 الماضية، التي ازدادت حدتها خلال العامين الماضيين، نتيجة بروز عدد من المتغيرات الداخلية والخارجية التي أثرت على جهود الحكومة في الدفع بمسيرة التنمية والتخفيف من الفقر إلى الأمام. وقال إن أبرز تلك التحديات يتمثل في «تزايد خطر تنظيم القاعدة في اليمن، وتحوله إلى تنظيم إقليمي يهدد الأمن والسلم الاجتماعي في المنطقة، إلى جانب التمرد الحوثي في محافظة صعدة، وتزايد الدعوات الانفصالية في بعض مديريات المحافظات الجنوبية». وأوضح الأرحبي أن «جميع المشاركين في مؤتمر لندن الأخير أرجعوا أسباب التطرف والإرهاب إلى قضايا تنموية اقتصادية يعانيها الفرد اليمني بدرجة أساسية حتى بعض الاضطرابات التي تحدث، منها أحداث صعدة وبعض الاضطرابات في بعض المحافظات الجنوبية أساسها اقتصادي. المانحون يتفقون معنا تماما حول هذا الأمر».

وأعرب عن أن الجمهورية اليمنية «على قناعة تامة بأن اندماج اليمن في إطار مجلس التعاون الخليجي وتوطيد علاقات الشراكة التنموية مع مجتمع المانحين، يمثل أحد أهم السبل لمواجهة تلك التحديات (القاعدة، التمرد، الانفصاليين)، والتعاطي معها بما يكفل تحقيق أهداف التنمية وتمكين اليمن من الإسهام في توطيد أمن واستقرار المنطقة والعالم».

ورد على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول ما إذا كان اليمن يحمل بشكل ولو غير مباشر، مسؤولية ما يحدث من اضطرابات أمنية لتأخر الدول المانحة في الوفاء بتعهداتها، «بعض الاضطرابات تؤثر على تنفيذ بعض المشروعات، ولكن بشكل عام اليمن واسع وكبير، والتدخلات في كل مكان في اليمن على الإطلاق».

وأضاف بقوله: «ثلثا الشعب اليمني تحت سن الـ24، شعبنا فتي، هناك توافق دولي على أن هؤلاء يحتاجون إلى تعليم وصحة وفرص عمل، حينما لا يجدون هذه الفرص أمامهم يكونون فريسة لبعض الاتجاهات السياسية والآيديولوجية تأخذهم أبعد من هذا إلى مجال التطرف والعنف».

وأكد الأرحبي أهمية الاستقرار لبلد مثل اليمن. وقال: «الاستقرار أساس كل شيء، وهو شرط أساسي للتقدم في أي بلد، وعدم الاستقرار يؤثر على جهود التنمية وجهود الدولة في تقديم خدماتها للمواطن على موارد الدولة وعلى كل شيء. الاستقرار خط أحمر يجب أن يكون الجميع واعيا له، في الدولة والمعارضة والمجتمع المدني والأفراد».

وأوضح أن هناك اتفاقا بأن «التحديات التي تواجه اليمن تفوق بكثير إمكانيات اليمن المحدودة، وهناك اتفاق بأنه حتى تتمكن اليمن بالتغلب على التحديات التي تواجهها فلا بد من اندماج اليمن في إطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وبخاصة استهداف سوق العمل في الدول الخليجية».

وشدد على أحقية مواطني بلاده بالالتحاق بالأسواق الخليجية، كونها أسواقا تحتاج إلى «العمالة الماهرة، ونصف الماهرة، وغير الماهرة». ويشير إلى أنه «حين استعراض بيانات العمالة الأجنبية في دول المجلس، تجد أن 80 في المائة من العمالة دون الثانوية العامة، وهناك قرابة 1.5 مليون عامل آسيوي هم أميون».

ودعا نائب رئيس الوزراء اليمني إلى أهمية تطبيق مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، ودعوته إلى استيعاب العمالة اليمنية في أسواق العمل في دول مجلس التعاون.

إلى ذلك، وكانت الرياض قد شهدت، أمس، في مقر الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، اجتماعا لفريق العمل المكلف متابعة تنفيذ المشاريع التي سبق التعهد بتمويلها من قبل الجهات المانحة، لخطة التنمية الثالثة في اليمن (2006 - 2010)، وكذلك تحديد الاحتياجات التنموية للجمهورية اليمنية لخطة التنمية الرابعة (2011 - 2015).

وتم تشكيل هذا الفريق من قبل اللجنة الفنية المشتركة التي تم تكليفها في مارس (آذار) 2006 من قبل وزراء خارجية دول مجلس التعاون والجمهورية اليمنية، بدراسة الاحتياجات التنموية لليمن للفترة من 2006 - 2015.

وكان للجنة وفرق العمل دور مهم في الإعداد لمؤتمر المانحين الذي عقد في لندن في نوفمبر (تشرين الثاني) 2006 برعاية دول مجلس التعاون، ونتج عنه حشد لتعهدات تنموية لليمن بلغت نحو 5.7 مليار دولار للإسهام في تمويل مشاريع وبرامج تنموية تغطي الفترة من 2007 - 2010)، منها نحو 3.7 مليار دولار من دول المجلس والصناديق الإقليمية (الصندوق العربي والبنك الإسلامي وصندوق «أوبك»).

وقد تم حتى الآن تخصيص نحو 3.2 مليار دولار من تعهدات دول المجلس والصناديق الإقليمية، أي ما يعادل 90 في المائة من إجمالي تعهداتها، موزعة على أكثر من 60 مشروعا وبرنامجا تنمويا في مختلف مناطق الجمهورية اليمنية. وطبقا لبيان وزعته أمانة مجلس التعاون، وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، أمس، فتم خلال عامي 2008 و2009 التوقيع على اتفاقيات لتمويل مشاريع بقيمة 1.5 مليار دولار، وطرح عدد منها في مناقصات عامة، وبدأ التنفيذ الفعلي في بعضها.

وقامت اللجنة الفنية وفرق العمل على مدى السنوات الماضية بتقييم سير العمل في المشاريع المشار إليها، ومناقشة أي صعوبات أو عقبات تواجه التنفيذ، وتقديم مقترحات بتذليل تلك العقبات، وبناء على ذلك فقد تم بالتنسيق بين الأمانة العامة لمجلس التعاون ووزارة التخطيط والتعاون الدولي في الجمهورية اليمنية دعوة فريق العمل إلى اجتماع بدأ أعماله في الرياض، أمس.

وتهدف اجتماعات المانحين المنعقدة في السعودية لـ«استعراض التقدم المحرز في تخصيص التعهدات وتنفيذ المشاريع، وتحديد العقبات والصعوبات التي تعترض التنفيذ، وطرح مقترحات لتسريع تنفيذ المشاريع وفقا لبرامجها الزمنية، واستعراض سير العمل في منظومة الإصلاحات الوطنية، وتحديد الاحتياجات التنموية لليمن خلال الفترة من 2011 - 2015، وتعزيز آليات التنسيق بين اليمن والجهات المانحة، وكذلك التنسيق بين الجهات المانحة».

وكان مؤتمر لندن الدولي الذي عقد في 27 يناير (كانون الثاني) الماضي بمشاركة نحو 40 دولة ومنظمة دولية، قد أبدى التزاما قويا لدعم الجمهورية اليمنية في حربها ضد الإرهاب وتعزيز قدراتها في مكافحة الفقر وحفظ أمنها وحدودها وسواحلها ومنشآتها، كما قرر مجلس التعاون لدول الخليج العربية تنظيم مؤتمر الدول المانحة لليمن واستضافته في الرياض، أمس، السبت، لبحث المساعدات المحتملة التي ستقدم له.

وتأتي استضافة السعودية للمؤتمر بصفتها أكبر المانحين لليمن، من منطلق الحرص على كل ما يعزز أمن ورخاء واستقرار اليمن والإسهام في كل ما يخدم مصلحة الشعب اليمني ويحفظ له سبل العيش الكريم.

وتناول المؤتمر الذي تحضره وفود رفيعة المستوى من الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والبنك الدولي، عددا من المحاور أبرزها الرؤى حول المساعدات الفعالة التي ستقدم لليمن لمعالجة أبرز مشكلاته الداخلية ومنها الإرهاب والبطالة والفقر، وكذلك تقديم وفد الحكومة اليمنية جملة من التوصيات حول تنوع آليات التنفيذ والاستيعاب المختلفة للمساعدات وعرض الحلول والمعالجات لتحديد الطاقة الاستيعابية لها.

وكانت دول مجلس التعاون قد تعهدت خلال مؤتمر المانحين في لندن بنحو 50 في المائة من إجمالي حجم التعهدات التي قدمتها الدول المانحة لدعم التنمية في اليمن.