حيرة بعد نقل إيران وقودها النووي من مفاعل سري إلى آخر فوق الأرض

هل تريد طهران استفزاز إسرائيل.. أم تريد تحسين شروط التفاوض؟

TT

عندما ضبطت إيران في سبتمبر (أيلول) الماضي تبني مفاعل تخصيب نوويا سريا تحت الأرض بقاعدة عسكرية بالقرب من مدينة قم، أصر القادة الإيرانيون على أنهم لا خيار آخر أمامهم. وقالوا إنه على ضوء التهديد المستمر بالهجوم على المنشآت النووية الإيرانية، فإن من يتركها في العراء أحمق.

وعليه، يمكن تخيل المفاجأة التي كانت من نصيب المفتشين الدوليين في وكالة الطاقة الذرية قبل أسبوعين تقريبا، عندما كانوا يشاهدون إيران تنقل مخزونها تقريبا من الوقود النووي الضعيف التخصيب إلى مفاعل فوق الأرض. وقال أحد المسؤولين «إن الأمر بدا وكأنه تم رسم دائرة حوله»، في إشارة إلى كم هي واضحة للعيان.

ويطرح ذلك سؤالا مهما: ما الذي دفع الإيرانيين إلى هذه المخاطرة الكبرى؟

لا يزال ذلك محل نقاش مستعر بين الكثيرين الذين يحاولون فهم النوايا الإيرانية. وطرحت افتراضات شاذة غريبة وأخرى واقعية. ويقول أحدها إن إيران تحاول استفزاز الإسرائيليين كي يقوموا بالهجوم عليها. وتقول فرضية أخرى إنها ببساطة تزيد من وتيرة المواجهة مع الغرب من أجل الحصول على المزيد من التنازلات خلال المفاوضات. أما التفسير الأبسط، والذي تميل إليه إدارة أوباما، فهو أن إيران لديها نقص في حاويات التخزين المناسبة للوقود المشع ولذا اضطرت لنقل كل شيء.

ويعكس هذا الخلاف شدة الحيرة بخصوص نوايا القيادة الإيرانية المنقسمة بدرجة كبيرة. ومنذ أكتوبر (تشرين الأول)، عندما وافقت إيران مبدئيا على شحن مقدار كبير من مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب خارج البلاد لتحويله إلى وقود يصلح استخدامه للأغراض الطبية، حدثت سلسلة من التحركات غير المبررة. وبدلا من قيام الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بالثناء على الصفقة، تراجع عنها. وأعلنت إيران أنها سوف تبني 10 مفاعلات جديدة لتخصيب الوقود، على الرغم من أنها ليست لديها قدرة للقيام بذلك. وأعلنت أنها ردت على جميع التساؤلات التي طرحها مفتشون بخصوص العمل المحتمل الخاصة بأسلحة، فيما قال المفتشون إنهم لم يحصلوا على إجابات منذ منتصف عام 2008.

ومن ثم، فإنه في الوقت الذي تنشغل فيه واشنطن وحلفاؤها في تقييم المقدرات الفنية الإيرانية، فإنهم يحاولون أيضا التنبؤ بنواياها السياسية. وعلى الرغم من توافر أدلة كثيرة على أن الولايات المتحدة وإسرائيل تمكنتا من تحقيق اختراق جزئي للبرنامج الإيراني، مثل الحصول على صور لداخل منشآت حساسة، والتجسس على بيانات كومبيوترية من البرنامج النووي، فإن الدولتين غير متأكدتين مما إذا كانت إيران تسعى من أجل الحصول على قنبلة نووية أو ما إذا كانت لديها القدرة على إنتاج قنبلة واحدة فقط، أم أنها تريد التظاهر وحسب بأن لديها القدرة على القيام بذلك.

واستثارت هذه التخمينات جملة واحدة وردت في أحد التقارير المعتادة التي تصدرها الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقال التقرير إنه في 14 فبراير (شباط)، وفي حضور المفتشين، قام الإيرانيون بنقل نحو 4300 رطل من اليورانيوم الضعيف التخصيب من مخزن تحت الأرض إلى مفاعل صغير قالوا إنهم سيستخدمونه لإعادة تخصيب اليورانيوم ليصل إلى نسبة 20 في المائة من النقاء (ويجب الوصول إلى نسبة نقاء مقدارها 80 - 90 في المائة لتصنيع سلاح نووي، وتعد قفزة تقنية صغيرة نسبيا من نسبة 20 في المائة).

وظاهريا، لا تدلل هذه الخطوة على أي شيء. ولا تحتاج إيران إلى هذا المقدار الكبير من الوقود من أجل هدفها المزعوم وهو توفير الوقود لمفاعل قديم داخل طهران يستخدم في عمل نظائر طبية. وعلاوة على ذلك، فإن الوقود مكشوف في الوقت الحالي، ويمكن تدميره من خلال أي هجوم جوي أو حادث يتم إعداده بحذر.

ولم يدل مسؤولون أميركيون وأوروبيون بالكثير عن التقرير، لأن التخمينات تتطرق إلى ثلاثة مواضيع ذات حساسية كبيرة في هذا النزاع: قضية توجيه إسرائيل ضربة للمنشآت الإيرانية والمخاطرة باستثارة حرب أوسع داخل منطقة الشرق الأوسط، وهل لا يزال هناك وقت لوقف البرنامج الإيراني من خلال العقوبات أو التحركات الدبلوماسية، ومَن يحكم إيران في الحقيقة ويتحكم في برنامجها النووي. وقال مسؤول بارز في الإدارة الأميركية يدرس الاستراتيجية الإيرانية، بعد تقرير للبيت الأبيض الأسبوع الماضي عقب ما كشفته الوكالة الدولية للطاقة الذرية «لا يوجد تفسير فني، ولذا يجب أن تكون هناك دوافع أخرى».

ومن أغرب هذه التخمينات، ولكنها الفرضية التي دارت حولها أكثر الحوارات، أن الحرس الثوري الإيراني يستثير هجوما بغية توحيد البلاد بعد مظاهرات استمرت على مدار ثمانية أشهر في الشوارع الإيرانية حولت الملايين من الإيرانيين ضد الحكومة الإيرانية. وكما قال دبلوماسي أوروبي بارز، يوم الخميس، فإنه ربما تكون الضربة العسكرية الإسرائيلية «أفضل شيء» يقدم للقيادة الإيرانية، لأنها ستوحد الإيرانيين ضد عدو قومي. كما أنها سوف تعطي مسوغا لبعض الإيرانيين الذين ربما يريدون طرد المفتشين والخروج من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. وبهذا تكون إيران في الموقف الذي تقف فيه كوريا الشمالية: حرة في تصنيع وقود أو قنابل نووية بعيدا عن مفتشين يكشفون ما يحدث.

ويقول آخرون، ومن بينهم بعض المسؤولين في البيت الأبيض، إنهم لا يريدون قبول هذه الفرضية، ويقولون إن إيران عملت بجد ولا يمكنها ترك ما لديها يتعرض للتدمير. ويقول كينيث بولاك، الأكاديمي في «بروكينغز إنستيتيوشن» الذي أجرى محاكاة على مدى يوم لما يمكن أن يحدث بعد هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية «في الواقع، أشك في أنهم يستثيرون الإسرائيليين ليدفعوهم إلى توجيه ضربة لهم. سيكون ذلك شيئا مهينا للنظام الإيراني». وقدر أنه سيكون على إيران الرد، و«المواجهة الناجمة سوف تسير في اتجاهات لا يمكن التنبؤ بها».