رسالة منسوبة لأحد كبار قادة القسام لمشعل: حماس بدأت تفقد سيطرتها على الوضع الداخلي في غزة

الناطق باسم الكتائب ينفي صحتها لـ«الشرق الأوسط».. ومصادر فلسطينية أخرى تؤكد وجود خلافات في الحركة

فتحي حماد و إسماعيل هنية (أ.ب)
TT

شهد قطاع غزة في الآونة الأخيرة سلسلة من التفجيرات وعمليات الاغتيال، لكن أحدا لم يعلن مسؤوليته عنها. لكن هناك جماعات ترجح أن تكون وراء هذه التفجيرات والاغتيالات التي طالت محيط منزل رئيس الوزراء المقال إسماعيل هنية وبعض عناصر كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، الجماعات السلفية الجهادية، لكنها تنفي ذلك نفيا قاطعا.. وتشير هي وغيرها من المصادر الفلسطينية بأصابع الاتهام إلى جماعات داخل كتائب القسام نفسها.

والرسالة التي نسبها موقع إلكتروني فلسطيني، إلى أحمد الجعبري، أحد أبرز قادة كتائب القسام في غزة، ترجح كفة الاحتمال الثاني، وهو أن الخلافات الداخلية هي التي تقف وراء هذه التفجيرات ومقتل عدد من عناصر القسام الذين كان آخرهم نبهان كمال أبو معيلق (22 عاما) الذي أعلن عن مقتله أمس في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، وأن نبهان كمال أبو معيلق (22 عاما) مقتل أثناء تأديته مهمة «جهادية»، دون أن توضح طبيعة المهمة.

وتقول هذه الرسالة الموجهة من الجعبري إلى خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس في دمشق، حسبما جاء في الموقع «إن الأوضاع في غزة تزداد سوءا، وإن حماس بدأت بفقدان السيطرة عليها، وإن القطاع يشهد حالة التفجيرات والفلتان الأمني وقتل عناصر من القسام». غير أن أبو عبيدة الجراح، الناطق باسم كتائب القسام، نفى ذلك نفيا قاطعا، وقال في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه الاتهامات عارية عن الصحة تماما، وهي مجرد ترف إعلامي من بعض وسائل الإعلام، ومحاولة من قبل بعض المواقع الإلكترونية إما لتشويه صورة حماس أو زعزعة الاستقرار في قطاع غزة أو خلق بلبلة إعلامية كعادة بعض المواقع الإلكترونية وغيرها من الصحف».

ونفى أبو عبيدة وجود أي رسالة من هذا النوع. وقال متسائلا «هل يعقل أن تصل رسالة داخلية بهذه الأهمية والخطورة إلى موقع بعينه.. هذا أمر غير منطقي، ونحن ندعو إلى التحري قبل نشر مثل هذه التشويهات خاصة من المواقع الصفراء».

وتقول الرسالة التي نشر موقع وكالة «فلسطين برس» للأنباء، الذي يعود إلى أحد أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح، صورة لها تحمل ترويسة وينسبها إلى (مصدر فلسطيني موثوق في كتائب القسام) «هذه هي الرسالة الثانية التي أدق فيها ناقوس الخطر بعد رسالتي الأولى التي وجهتها لكم في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وأود التأكد مرة أخرى من أن أوضاع غزة آخذة في التفاقم وتزداد سوءا.. وأننا بدأنا نفقد السيطرة على الوضع الداخلي.. وذلك بعد أن طلبتم منا تسليم الوضع للحكومة وعدم التدخل لإعطائها فرصة تسيير الأمور وإدارة شؤون غزة. وأنت تعرف أنه لولا مجاهدونا من الكتائب لانهارت السلطة في غزة أثناء معركة الفرقان المباركة (الحرب الإسرائيلية)، وبدلا من شكرنا على هذا الدور خرجت بعض الأوساط في الحكومة والدعوة تلومنا على عمليات التخلص من بعض عملاء (حركة) فتح التي كانت خطوة ضرورية لسلامة الجبهة الداخلية». ويعترف الجعبري في الرسالة المزعومة بارتكاب القسام لبعض الأخطاء والحماقات، مثل قتل عناصر من «الأجهزة البائدة (أجهزة أمن السلطة) ناجمة عن دوافع شخصية، لكن سلامة الحركة أهم ألف مرة من قتيل هنا أو قتيل هناك». وأضافت الرسالة أن هناك فريقا داخل الحكومة «يريد حصر مهمتنا بنواطير على الحدود، بينما يريد هذا الفريق الاستئثار بالمغانم». وتابعت الرسالة «وعليه رشح البعض الأخ فتحي حماد لوزارة الداخلية اعتقادا منهم أن له نفوذا على بعض أجنحة كتائبنا المظفرة، وبالتالي يمكن إدخالنا في خلافات تضعف دورنا وتدخلنا في صراعات مع بعضنا البعض، ليظل هذا الفريق هو القوي والمتنفذ.. وأقول بأسف إن هذا الفريق نجح في خلخلة وحدة الكتائب من خلال زرع الولاء الجغرافي المناطقي البغيض. ونجح رجلهم (فتحي حماد) في خلق ميليشيا من أفراد الكتائب بشمال غزة يدينون إليه بالولاء، الأمر الذي أزعج الأخ إسماعيل هنية الذي اشتكى من أن وزير الداخلية يدير الوزارة بشكل منفرد وكأنها منظومة مستقلة غير مرتبطة بالحكومة».

وتابعت الرسالة «كنا السند لهنية، لكن طلبكم منا الابتعاد وضعنا في موقف صعب لحساب مجموعة المنتفعين». وذكرت الرسالة بعض ما سمته بـ«مظاهر الضعف والتفكك ومدى الجريمة التي ارتكبوها بحق مجاهدينا من أعضاء الكتائب وإخواننا من أفراد الأجهزة الأمنية التي هزموا روحها المعنوية وعمقوا فيها روح الخلاف الذي وصل إلى حد التصفيات الجسدية، ونتجت عن ذلك حالة ضعف للسلطة وفلتان أمني شبه يومي.. وهذا لن نستطيع قبوله والسكوت عنه لأننا مهددون في قدرتنا على السيطرة على مجاهدينا».

وأرفق بالرسالة تقرير أمني حول عمليات التصفية والاغتيال التي تمت منذ أواخر نوفمبر الماضي وحتى العشرين من يناير (كانون الثاني) على ذمة الموقع.

غير أن أبو مجاهد نفى وجود عمليات الاغتيال قائلا «أما في ما يخص استشهاد بعض المجاهدين في الآونة الأخيرة، مثلما حصل اليوم في دير البلح، فإننا نقول في بياناتنا إنهم استشهدوا أثناء تأدية مهمات جهادية.. وإذا كانت هناك حالات استهداف سواء من جهة العدو الصهيوني أو من جهة داخلية أو عملاء أو مشبوهين، فإننا نذكر ذلك.. وهذا لم يحدث في الآونة الأخيرة.. وإنما نحن ننعى هؤلاء الذين استشهدوا في مهمات جهادية، قد تكون مهام إعداد وتدريب وتركيب عبوات أو ما شابه ذلك.. ولا علاقة لذلك بموضوع الأمن والاستقرار فهذا أمر مختلف تماما». وتابع القول «إذا وقعت تفجيرات هناك وهناك، فهذا ليس من اختصاص الكتائب ولا علاقة لها به، إنما هو من اختصاص وزارة الداخلية وجهاز الأمن الداخلي.. والحديث عن دور للقسام في هذه الأحداث يدخل أيضا في إطار الأكاذيب. والحمد لله أنه لم يحصل أي اقتتال داخلي في القسام.. هذا يحصل عند الآخرين الذين يحاولون إلقاء مشكلاتهم علينا وعلى غيرهم». ورفض ما يقال عن الخلاف بين حماس الداخل والخارج. وقال «نحن بحمد الله تعالى وفضله في كتائب القسام وحركة حماس، أكثر الحركات في العالم تماسكا تنظيميا وانضباطا وانسجاما، على الرغم من تقطيع أوصال الوطن والضفة الغربية وغزة، ووجود الكثير من القيادات في السجون، وجزء كبير في الخارج.. ورغم ذلك فإن الحركة وفي جميع قراراتها السياسية والعسكرية منسجمة».

لكن مصادر فلسطينية أخرى في غزة، تختلف معه في الرأي، قالت لـ«الشرق الأوسط، إن المتورطين في التفجيرات قرب منزل هنية، هم من عناصر أمنية في حماس نفسها، أرادوا نقل رسالة داخلية إلى هنية كما يبدو، ولم يكونوا ينوون أبدا إلحاق الأذى به أو بآخرين. ونفت المصادر أن تكون التفجيرات جزءا من مسلسل المواجهة بين حماس والجماعات السلفية الجهادية التي تتهم عادة بالوقوف وراء الانفجارات الداخلية، بعدما تبنت بعضها في أوقات سابقة، وكانت موجهة ضد محلات ومؤسسات.

ويعزز هذه المعلومات ما صرح به مسؤولون في حماس، إذ قال إيهاب الغصين، المتحدث باسم وزارة الداخلية المقالة، إن القنابل كانت بدائية الصنع، وإن قوات الأمن اعتقلت رجلا كان يصنعها لا تربطه صلات بأي جماعة.

أما رئيس لجنة الأمن والداخلية في المجلس التشريعي عن حماس، إسماعيل الأشقر، فكان أكثر وضوحا، وقال إن أغلب التفجيرات الأخيرة التي حصلت في قطاع غزة، فردية، وإنه سيتم التعرف من خلال التحقيقات على الدوافع الخفية وراءها. ونفى الأشقر أن تكون هناك خلايا منظمة تقف خلف تلك التفجيرات، وأضاف «هم أفراد خارجون عن القانون، لديهم بعض المشكلات الشخصية، إضافة إلى بعض المشكلات الداخلية لدى بعض التنظيمات». وأوضح أن «البعض يحاول أخذ القانون باليد، مثل وضع المتفجرات الصوتية أمام محال الإنترنت، وهؤلاء تم التعرف عليهم جميعا وهم الآن بحوزة وزارة الداخلية وسيحالون للقانون».

ولم يشر الأشقر إلى تنظيمات بعينها، لكن الجماعات السلفية اعتبرت تصريحاته دليلا قاطعا على تبرئتها، واتهامات ضمنية لحماس نفسها. وقال أبو البراء المصري، القيادي في الجماعات السلفية الجهادية بقطاع غزة، لـ«الشرق الأوسط»: «ليست للسلفيين أي علاقة بالتفجيرات التي وقعت قرب منزل هنية، ولا بمنفذيها»، نافيا معلومات حول تعاون بين عناصر من حماس والسلفيين. وأكد «يقف وراء هذه التفجيرات شخصان يعملان في كتائب القسام وفي أمن هنية الخاص، وقاموا بذلك كنتاج لمشكلات داخلية لديهم».

ونفى المصري علاقة جماعاته بتفجيرات أخرى وقعت الشهر الماضي في غزة.