سفير أميركا لدى الوكالة الدولية لـ «الشرق الأوسط»: طهران تربط ملفها النووي بأمانو أو البرادعي

اختتام أول الاجتماعات برئاسة مديرها الجديد.. ودبلوماسيون: ما زال يتلمس طريقه

TT

بعد أسبوع حافل، اختتم مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أولى جلساته، بمقر الوكالة بالعاصمة النمساوية فيينا، في عهد المدير الجديد للوكالة يوكيا أمانو بعد انتهاء فترة المدير السابق محمد البرادعي.

وكان الدبلوماسي الياباني يوكيا أمانو قد تولى منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي منصب مدير عام الوكالة بعد معركة انتخابية استمرت عاما كاملا.

الأسبوع المنصرم شهدت الوكالة اجتماعات مجلس المحافظين لدورته الـ53 التي سبقها - كما هو العرف - إرسال المدير العام لتقريرين مفصلين عن الملف النووي الإيراني والملف النووي السوري للدول أعضاء مجلس المحافظين للاطلاع على آخر تطوراتهما.

«الشرق الأوسط» تابعت آراء وتقييم بعض المشاركين من دبلوماسيين وصحافيين لأول اجتماع لمجلس المحافظين برئاسة أمانو، وكان لافتا أن التعليق الذي أشارت إليه الغالبية ركز على التقرير الذي رفعه أمانو عن الملف النووي الإيراني وعن أسلوب صياغته وطوله ومفرداته التي كانت أكثر حزما وحسما بصورة دفعت طهران منذ اللحظة الأولى إلى اتهام التقرير بالاعتماد على تفاصيل تقنية فنية لا داعي لها لا تتناسب والفهم العام، مما سيقود لصعوبة استيعاب التقرير وللخلط والتوهان، كما اتهمت أمانو نفسه بالانحياز إلى الدول الغربية التي تكيل الاتهامات ضد إيران وضد حقها في امتلاك تقنية نووية.

أما رئيس البعثة الأميركية لدى الوكالة السفير غلين ديفيز فقد قذف في حديثه مع «الشرق الأوسط» بكرة الاتهامات للملعب الإيراني مطالبا أن تغير طهران من نهجها القائم على مواصلة الهجوم والاتهامات وأن تعمل على تقديم الأجوبة والمعلومات والاستفسارات للأسئلة التي لا تزال عالقة التي تطرحها الوكالة، مواصلا: «إيران تسعى لتشخيص القضايا وربطها بأمانو أو البرادعي رغم أن كلا الرجلين قائد لركب من العلماء والخبراء والتقنيين الذين ظلوا لسنوات يسعون لجمع الحقائق فقط عن النشاط النووي الإيراني». متسائلا: «لماذا لا تعمد طهران إلى تقديم هذه المعلومات بدلا من الاتهامات التي لا تعكس في النهاية غير رغبة طهران ومحاولاتها لإخفاء أمور ترغب في إخفائها؟ وذلك لن يحل مشكلة بل سيضخم المشكلات ويزيد من الضغوط عليها من أي مدير من المديرين، عربيا أم يابانيا، مسلما أم غير مسلم».

وردا على سؤال لتقييمه حول المستجدات التي قد تشهدها الوكالة بعد البرادعي اكتفى ديفيز بالقول إن «الوكالة دون شك ستشهد تغييرا لاختلاف نهج الرجلين باختلاف خبرتهما وطريقة تفكيرهما»، غير أنه دعا إلى أن لا يصار إلى تشخيص هذه القضية وربطها بشخص باعتبار أن المدير العام للوكالة لا يعمل فردا بل ضمن مؤسسة لها قوانين وأجهزة وتاريخ.

من جانبها، ترددت دبلوماسية أفريقية نشطة ومتحركة في الحديث لـ«الشرق الأوسط» عن تقييمها لحظة دخلت للقاعة لأول مرة منذ سنوات لتجد القاعة تخلو من البرادعي، وذلك حتى شجعناها على الحديث دون إشارة إلى هويتها. وتقول الدبلوماسية التي تمسك بملف الوكالة في سفارة بلادها: «لقد بدا المكان مختلفا، فالبرادعي هو البرادعي، الرجل الذي نجح في إكساب الوكالة الكثير من هذه الأهمية التي تتمتع بها بالإضافة إلى أهمية الملفات المطروحة على الوكالة. ولن يختلف اثنان أن اجتماعات مجلس المحافظين اكتسبت رونقا خاصا بوجود البرادعي الذي كان أحيانا يبدو كأنه فرعون حديث وأحيانا كأنه حكيم أفريقي في لباس غربي. لقد كان مثالا تمنى كثيرون منا أن يصلوا يوما إلى المرتبة التي وصل إليها متدرجا ومتنقلا من منصب إلى منصب ومن بلد إلى آخر ممثلا للعالم النامي كمسلم وأفريقي وعربي بينما ظل كما هو محافظا هادئا لا يبدو عليه أي من مظاهر ما يستمتع به».

وبشأن التقرير الذي رفعه أمانو، أشارت الدبلوماسية إلى أن «التقرير جاء متضمنا أولى بوادر التغيير الذي قد يكون عاصفا». مضيفة أن «التقرير جاء مفاجئا للكثيرين ممن لم يتوقعوا أن يكون أمانو بهذه القوة رغم إحساسهم، خصوصا في أثناء الجلسات، أنه ما يزال يتلمس طريقه»، مستدركة وهي تمضي مسرعة للحاق بالجلسة التي رن جرسها: «لا أعني أن أمانو تائه، لكنه لا يزال يتلمس طريقة دون شك».

في سياق متصل، أشارت صحافية نمساوية إلى أن أمانو بدا جد مختلف في أثناء مؤتمره الصحافي الموسع الذي غطته ونقلته معظم وسائل الإعلام العالمية. وظهر فيه متطلعا شغوفا للإجابة عن مختلف الأسئلة. وكانت الفرصة قد أتيحت للبعض للسؤال أكثر من مرة، مضيفة أنه - وإن أجاب إجابات مقتصرة دون توسع وتفاصيل - لم يبدُ خجولا، كما كان واضحا أن اللغة الإنجليزية لن تعوقه وإن كان يحتاج إلى المزيد من التدريب في الإلقاء. مذكرة بأن البرادعي نفسه لم يكن يبدو مرتاحا وهو يواجه الكاميرات في بداياته ثم ظهر أكثر تمرسا بعد أن نجح فريقه الإعلامي في تدريبه، هذا بالطبع بالإضافة إلى الثقة التي اكتسبها بعد نجاحاته وكثرة ظهوره.

بدورها نبهت مصادر لفرص انطلاق عربي دبلوماسي أوسع من داخل اجتماعات مجلس الأمناء دون خشية التسبب في إحراج للمدير العام كما كان يحدث أحيانا في أثناء فترة البرادعي. مشيرين إلى التشدد الواضح واللهجة المستنكرة التي تضمنها بيان المندوب المصري السفير إيهاب فوزي، الذي سأل المدير العام الياباني يوكيا أمانو عن السبب الذي دفعه إلى تجاهل الحديث عن التجاوزات الإسرائيلية بينما يتشدد الجميع ضد سورية، مطالبا بأن تتضمن تقارير المدير العام المستقبلية تمييزا بين ما يجب على الدول الأعضاء تقديمه إلزاما بموجب اتفاقات الضمان وما تقدمه تطوعا. وذلك في إشارة واضحة وتذكير بأن سورية غير مُلزَمة بما يلزم به البروتوكول الإضافي الذي لم توقع عليه دمشق.

هذا وكانت المجموعة العربية قد سارعت بتقديم طلب أن تتضمن أجندة الاجتماع القادم بندا عن المقدرات الإسرائيلية. وفي حديث لدبلوماسي عربي أشار إلى أن الكتلة العربية وإن فقدت المدير العربي للوكالة فإنها أصبحت أكثر حرية للتضييق على إسرائيل عن طريق العمل المشترك ضمن مجموعات قوية وذات صوت عال كمجموعة الـ77 ومجموعة دول عدم الانحياز.

في الختام لم يفت موظفة بالوكالة أن تبدي فرحتها العارمة وهي ترى مديرها العام يحرص «حتى الآن» على تناول طعام غدائه بالكافيتريا كبقية الموظفين متسائلة: «هل تُرى سيستمر في هذا السلوك الشعبي أم سيتوارى شيئا فشيئا لدرجة أن يعمل الحرس على حجز مصعد له في أثناء صعوده وهبوطه من مكتبه بالطابق الـ28؟».