العاهل المغربي يلتزم للأوروبيين بتسوية سلمية لنزاع الصحراء ومنح المنطقة حكما ذاتيا موسعا

الملك محمد السادس يأسف في خطاب وجهه إلى «قمة غرناطة» لعدم تطبيق الاتفاقية الزراعية بين الجانبين

خوسي لويس ثباتيرو رئيس الحكومة الاسبانية يتوسط رئيس الوزراء المغربي عباس الفاسي وخوسي مانويل باروسو رئيس المفوضية الاوروبية بعد انتهاء قمة المغرب والاتحاد الاوروبي في غرناطة أمس (ا.ب)
TT

جدد العاهل المغربي الملك محمد السادس التزام بلاده بإيجاد تسوية سلمية لنزاع الصحراء وبناء اتحاد المغرب العربي، وعبر في خطاب وجهه إلى القمة الأولى بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، التي اختتمت أمس أعمالها في غرناطة (جنوب إسبانيا)، عن عزمه مواصلة العمل من أجل تفعيل البناء المغاربي على أسس الجدية والمصداقية، مجددا حرصه القوي على تشييد مستقبل مشترك يعتمد «احترام مستلزمات السيادة والوحدة الترابية للدول ومراعاة متطلبات حسن الجوار».

ودعا ملك المغرب جميع الجهات إلى «التجاوب مع نداءات مجلس الأمن، والالتزام بإيجاد تسوية سياسية للخلاف المفتعل، على أساس المبادرة المغربية بتخويل الصحراء حكما ذاتيا موسعا، في نطاق سيادة المملكة ووحدتها الوطنية والترابية». كما جدد العاهل المغربي، في خطابه، الذي قرأه عباس الفاسي، رئيس الوزراء نيابة عنه، مساندة المغرب لمشروع «الاتحاد من أجل المتوسط». وقال إن هذه المبادرة بمجرد اكتمال وسائل تفعيلها «ستمكن من إبراز كل ما تزخر به المنطقة المتوسطية من مؤهلات».

وقال العاهل المغربي، إن قمة غرناطة تحمل رمزية قوية لكونها تنعقد في بلد جار تجمعه بالمملكة المغربية علاقات متميزة، وتكتسي أهمية خاصة بالنسبة للمغرب، اعتبارا للدينامية الجديدة، التي ستضفيها على شراكته مع الاتحاد الأوروبي.

وأضاف أن المغرب سيواصل التزامه بمواصلة بناء علاقات مع الاتحاد الأوروبي «أشد ما تكون متانة وقوة وأكثر ما تكون تقدما واتساعا». وزاد قائلا: «لا غرو أن تلتئم هذه القمة في الوقت الذي أخذت فيه هذه العلاقة منحى تصاعديا، بفضل الوضع المتقدم، وفي ظرف أصبح مسارها يتسم بالتوجه بخطى حثيثة، وبكل طموح، نحو مستقبل أفضل، وآفاق واعدة».

وعبر العاهل المغربي عن اعتقاد أن «الوضع المتقدم سيتيح للمغرب والاتحاد الأوروبي، أن يضعا معا، تصورا استباقيا لمعالم حكامة أورو - متوسطية متجددة أكثر طموحا وأوثق تضامنا». كما دعا إلى تعاون أوروبي - أفريقي، وقال في هذا السياق، إن الأجندة الأمنية والسياسية والاقتصادية والإنسانية، لكل من منطقة الساحل والصحراء والواجهة الأطلسية، تتطلب على وجه الخصوص، مقاربات تشاورية وتشاركية ومتضامنة».

وقال العاهل المغربي، إن بلاده تتطلع «إلى ما هو أرحب من مجرد إقامة منطقة للتبادل الحر، ويدعو إلى الرفع من حركية تدفق الاستثمارات وتعزيز أساليب التكامل والتجانس في المجالين الزراعي والصناعي، وإعادة انتشار الأنشطة الخدماتية، وتطبيق سياسات مشتركة في مجالات البحث من أجل التنمية واقتصاد المعرفة».

وزاد قائلا في هذا الصدد: «نظرا للأهمية التي تكتسيها الاتفاقية الزراعية الجديدة المبرمة مؤخرا، وللفرص التي تتيحها، فإن المغرب، إذ يؤكد حرصه على التعجيل بتطبيقها، وفاء بتعهداتنا المشتركة، فإنه يأسف على التأخير الحاصل في دخولها حيز التنفيذ».

وقال العاهل المغربي، إن مشروع الطاقة الشمسية، الذي أعلن عنه في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي يعكس «رؤية واضحة وطموحة، في مجال الطاقات المتجددة والتنمية المستدامة».

وأكد أن المغرب يأمل أن يستكشف مع الاتحاد الأوروبي، كافة الفرص التي ستتيحها المشاريع ذات الصبغة الجهوية، ودعا العاهل المغربي إلى التشاور «متى تعلق الأمر بالتعامل مع مسألة الحركية الإنسانية بين المغرب وأوروبا». وأضاف «أن المغرب ليعرب عن تقديره واهتمامه بهذا الوجه الجديد من المواطنة الذي بدأ يتشكل بين ضفتي المتوسط، ويدعو إلى مد يد العون للمهاجرين لتمكينهم من اكتساب توازن هوياتي، من شأنه أن يعزز الهوية الأصلية للمهاجر، دون حمله على التنكر لها، أو التخلي عن أصوله، أو الانسلاخ عن جذوره».

وقال العاهل المغربي، إن بلاده «تتطلع إلى تدشين عهد جديد مع هذا الاتحاد، من خلال هذا الإطار من العلاقات، الذي من شأنه بلورة وتفعيل أوفاقه التعاقدية، وإضفاء المزيد من الزخم والبعد الاستراتيجي، على المسار المستقبلي للعلاقة القائمة بيننا».

ومضى يقول: «إن من شأن العهد الجديد، والأفق المفتوح، في علاقة المغرب بالاتحاد الأوروبي، أن يتيح لهما العمل، بكل عزم وطموح، وبرؤية واضحة، للاستفادة من الفرص والإمكانات الجديدة، التي تفتحها أمام شراكتهما معاهدة لشبونة، وذلك لبلورة وإرساء منظومة شراكة جديدة، تكفل للمغرب تعزيز قربه من الاتحاد الأوروبي. وبقدر ما سيفرزه هذا الأفق من نتائج إيجابية، على مستقبل العلاقة القائمة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، فستكون له نفس النتائج على الصعيد الإقليمي، من خلال الآفاق الواعدة، التي سيفتحها، باعتباره نموذجا رائدا للتقارب بين الاتحاد الأوروبي والشركاء المتوسطيين.

وختم العاهل المغربي خطابه قائلا: «إننا نتطلع إلى أن تتقدم أوروبا بدورها نحو المغرب، لتكون خير شريك له، من حيث دعمها الملموس، وإسهامها القوي، في عمل مشترك وجاد، من أجل بلورة المشروع الاستراتيجي للشراكة المتميزة، وذلك وفاء لإشراقات تاريخ مشترك من تحالف حضاراتنا، والتزاما بمتطلبات عصر التكتلات، ورفعا لتحديات العولمة، وتحقيقا لآمال الأجيال الصاعدة، في العيش ضمن فضاء آمن ومزدهر، فضاء مشترك يسوده ما نتقاسمه من التشبث بالمثل السامية للسلم والإخاء والديمقراطية، والتضامن والتقدم، والتصدي لنزوعات الانغلاق والإقصاء والإرهاب، ونصرة القيم المثلى لاحترام كرامة الإنسان، وصون حرمة الأوطان، والتنمية المندمجة للبلدان، في نطاق من الطمأنينة والأمان».

إلى ذلك، دعا رئيس المجلس الأوروبي هرمان فان رامبوي، أمس، المغرب إلى «تحقيق المزيد من التقدم في احترام القيم الأساسية وحقوق الإنسان»، وفق ما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية.

ولدى تعرضه إلى نزاع الصحراء، أعلن فان رامبوي، الذي ترأس لأول مرة قمة أوروبية مع بلد آخر منذ توليه مهامه في يناير (كانون الثاني) الماضي، أن الاتحاد الأوروبي يدعم مساعي الأمم المتحدة «من أجل حل عادل ودائم ومقبول من الطرفين».

وأعرب المسؤول الأوروبي عن «الأمل أيضا في تحسين وضع حقوق الإنسان والمدافعين عنها».

وشدد فان رامبوي، أثناء المؤتمر الصحافي النهائي، على أنه وجه رسالة «واضحة لا لبس فيها»، في هذا الصدد لقمة الاتحاد الأوروبي والمغرب، مشيرا إلى الناشطة الصحراوية أمينتو حيدر.

ورد رئيس الوزراء المغربي، عباس الفاسي، بأنه «لا يمكن المس بسيادة المغرب انطلاقا من حالة أو حالتين»، مؤكدا أن «85% من سكان الصحراء متمسكون بالجنسية المغربية».

وانتقد الفاسي بشدة الجزائر في ملف الصحراء، لا سيما في مجال حقوق الإنسان، طالبا من شركائه الأوروبيين عدم الكيل بمكيالين.

واتهم الفاسي الأمن العسكري الجزائري «بانتهاك حقوق الإنسان باستمرار في مخيمات اللاجئين الصحراويين في تندوف» (أقصى جنوب غربي الجزائر)، حيث قال إنه «ليست هناك لا حرية تعبير ولا حرية تنقل».

وقال الفاسي «اقترحنا خطة تسوية تتمثل في الحكم الذاتي، لكن الأطراف الأخرى لم تقترح شيئا، والجزائر مرتاحة لوضع (لا حرب ولا سلم) ربما لأسباب داخلية».

يذكر أن أنصار جبهة البوليساريو اغتنموا هذه القمة لتنظيم قمة مضادة في غرناطة بمظاهرة حضرتها الناشطة حيدر، احتجاجا على منح الاتحاد الأوروبي المغرب «الوضع المتميز».

يذكر أن مراسلا موريتانيا لتلفزيون «الحرة» الأميركي قد تعرض للضرب من طرف أنصار البوليساريو أثناء تصويره لمظاهرتهم، اعتقادا منهم أنه مغربي.

وقال محمد الأمين ولد خطاري، مراسل قناة «الحرة» في مدريد، لـ«الشرق الأوسط»، إنه بعد حضوره المؤتمر الصحافي المشترك بين فان رامبوي والفاسي، سمع بوجود مظاهرة احتجاج على القمة من تنظيم أنصار جبهة البوليساريو، فقام بالذهاب إلى مكان تنظيمها لتغطيتها، مشيرا أنه كان يحمل بطاقة صحافة إسبانية عليها علم المغرب وعلم الاتحاد الأوروبي.

وقال ولد خطاري إنه بمجرد أن رأى المتظاهرون علم المغرب على البطاقة الصحافية، بدأت الشتائم، ثم تحول الأمر إلى الضرب.

وأضاف ولد خطاري أنه لولا تدخل الشرطة الإسبانية لتعرض لما لا تحمد عقباه، مشيرا إلى أنه لم يتوجه إلى المستشفى رغم إصابته ببعض الكدمات.