ساركوزي يبحث عن مخرج بعد هزيمته في الانتخابات الإقليمية

الاشتراكيون يدخلون مرحلة الإعداد لانتخابات 2012 والرهان التوافق على مرشح

امرأة تدلي بصوتها في باريس أمس (إ.ب.أ)
TT

استبق أمين عام قصر الإليزيه كلود غيان، إعلان النتائج النهائية للانتخابات الإقليمية التي جرت دورتها الثانية أمس بتأكيد أن الرئيس نيكولا ساركوزي سيعمد إلى تعديل «تقني وطفيف» لحكومة فرنسوا فيون «مهما تكن النتائج». وتعكس أقوال غيان بكل تأكيد أجواء الرئيس ساركوزي، إذ إنه يعد معاونه الأول وكاتم أسراره و«رجل المهمات الصعبة»، سواء داخل فرنسا أو خارجها. وأشار غيان في حديثه لصحيفة «لاكروا» الكاثوليكية إلى أن هناك «مغزى سياسيا» لتعديل حكومي وإن وصف بالتقني، مما يعد دليلا على أن ساركوزي سيكون مدعوا لاستخلاص العبر من الهزيمة السياسية التي لحقت باليمين الحاكم والأكثرية النيابية في هذه الانتخابات التي وقعت في منتصف عهد ساركوزي وهي الأخيرة قبل استحقاقات ربيع عام 2012 الرئاسية والنيابية.

وكان الفرنسيون توجهوا مجددا أمس إلى صناديق الاقتراع وسط توقعات باكتساح لوائح اليسار والخضر المندمجة في المناطق الفرنسية كافة، ربما باستثناء واحدة منها هي منطقة الألزاس. وطيلة نهار أمس، انصبت أنظار المراقبين على متابعة نسبة المقترعين والمتغيبين باعتبارها أحد المفاتيح الأساسية التي ستقرر مدى وفداحة هزيمة اليمين وتقدم اليسار باعتبار أن نسبة المقاطعين الأحد الماضي وصلت إلى 53.6 في المائة، وهي الأعلى في تاريخ هذا النوع من الانتخابات. وأشارت أرقام وزارة الداخلية أمس إلى أن نسبة الاقتراع وصلت حتى الساعة الخامسة إلى 44 في المائة، مما يشكل ارتفاعا نسبته 4 في المائة قياسا بالأحد الماضي. وكانت الأكثرية بقيادة رئيس الحكومة فرنسوا فيون، قد أكثرت من الدعوات لناخبيها للتوجه إلى صناديق الاقتراع رغبة منها في تفادي هزيمة ساحقة تتمثل في خسارة المنطقتين الوحيدتين اللتين كانتا في عهدة اليمين، وهما جزيرة كورسيكا ومنطقة الألزاس (شرق فرنسا). وبينما بدت كورسيكا شبه ميؤوس منها، كان ميزان القوى متقاربا في الألزاس. وبدا الرئيس ساركوزي ومعه الأكثرية الحاكمة في حاجة إلى «نجاح ما» يخفف من وقع الهزيمة ويمكنه من ولوج المرحلة السياسية الجديدة التي بدأت اليوم من موقع مقبول.

وخلال الأيام القليلة الماضية، ركز المراقبون انتباههم على سؤالين متلازمين، الأول: ماذا سيفعل اليسار والخضر بهذا الانتصار السياسي؟ أما السؤال الثاني فهو: كيف سيتعامل ساركوزي مع هذه النكسة؟ أو بشكل آخر: كيف يستطيع أن يطوق ذيول الهزيمة ليجهز نفسه للاستحقاقات القادمة؟

المعني الرئيسي بالسؤال الأول هو الحزب الاشتراكي الذي عاش العامين الأخيرين في ظل انقسامات حادة وتمزقات داخلية. ومشكلة الاشتراكيين ومعهم اليسار والخضر، أنهم يربحون الانتخابات المحلية والإقليمية ويخسرون الانتخابات الرئاسية والنيابية الحاسمة. وأول وآخر رئيس اشتراكي انتخب في الجمهورية الخامسة هو فرنسوا ميتران، الذي فاز في رئاسيات عام 1988. وخلال الانتخابات الرئاسية الثلاثة التي جرت منذ ذلك الوقت خسر المرشح الاشتراكي التنافس. فقد مني ليونيل جوسبان بالهزيمة مرتين أمام الرئيس جاك شيراك، بينما هزمت سيغولين رويال أمام نيكولا ساركوزي. والسؤال المطروح اليوم يتناول قدرة الاشتراكيين على الاتفاق على مرشح قوي يعرف أن يجمع الحزب وجمهوره حوله ويبلور برنامجا معقولا وذا مصداقية لمواجهة ساركوزي (أو مرشح اليمين) في عام 2012. والحال أن المرشحين الاشتراكيين كثر (السكرتيرة العامة الحالية مارتين أوبري، والسكرتير السابق فرنسوا فيون، والنائب مانويل فالس، ورئيس الحكومة السابق لوران فابيوس، ومدير عام صندوق النقد الدولي دومينيك شتروس خان، وبالطبع المرشحة السابقة سيغولين رويال)، غير أن هذه التخمة لا تفيد، إذ الحاجة إلى شخص يتمتع بالثقل والخبرة الكافية لمواجهة الرئيس الحالي الذي لعب كثيرا على انقسامات اليسار واستمال بعض شخصياته كوزير الخارجية إلى الحكومة لتعميق انقساماته.

وحظ ساركوزي الأول كان بالضبط الحرب الداخلية بين الاشتراكيين. غير أن هزيمة الأمس تفرض عليه البحث عن أوراق أخرى، إذ إن الأصوات المنتقدة للاستراتيجية الانتخابية وسياسة الحكومة والرئيس تتصاعد من صفوف النواب اليمينيين، ومن الناخبين الموالين للأكثرية بفعل تأثير الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وعودة اليمين المتطرف إلى الواجهة بحصوله على ما يزيد على 11 في المائة الأحد الماضي. وكانت استراتيجية ساركوزي قامت على اجتذاب ناخبي اليمين المتطرف وتوحيد اليمين الكلاسيكي والأحزاب اليمينية الأخرى الهامشية تحت إدارته والنزول بقوة إلى ميدان التنافس. والحال أن الوضع اليوم تغير والناخبون خائفون من الوعود التي لم تنفذ ومن الوضع الحياتي الصعب. ولذا يبدو أن المخرج الوحيد الممكن لساركوزي يكمن في اتباع سياسة مختلفة عن التي رسمها حتى الآن. غير أن كلام كلود غيان لا يبشر بخير، ويرجح أن يبقى القديم على قدمه باعتبار أنه من الصعب على ساركوزي أن ينقلب على سياسة دافع عنها لثلاث سنوات تقريبا لينقلب عليها ويعترف أنه أخطأ. ولذا يتعين عليه أن يسير على حبل مشدود، بحيث يعطي الانطباع بأنه ما زال يسير وفق سياسة ستعطي أكلها، وأن يبعث، في الوقت ذاته، برسالة إلى ناخبيه، مفادها أنه فهم تحذيرهم الذي عبروا عنه في صناديق الاقتراع.