أوباما انتصر.. لكن بأي ثمن؟

حقق ما عجز عنه أسلافه إلا أنه فشل في كسب التوافق وتجنب الحزبية

TT

بمصادقة مجلس النواب الأميركي على مشروع إصلاح نظام الرعاية الصحية، سجل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، نفسه في التاريخ ضمن مجموعة قليلة من الرؤساء الذين وجدوا طريقا مكنهم من إعادة صياغة منظومة الرعاية الاجتماعية داخل الولايات المتحدة. وبعد نقاشات تعد الأشد في نوعها، أثبت الرئيس أوباما أنه كان مستعدا للقتال من أجل شيء يؤمن به حتى النخاع. وكان المشككون قد بدأوا طرح تساؤلات، لكن أوباما برهن أنه عندما يقرر في النهاية وضع رصيده السياسي على الطاولة، فإنه يمكنه الفوز، حتى لو كان ذلك بهامش ضئيل للغاية.

وسواء كان ذلك إنجازا تاريخيا أو انتحارا سياسيا لحزبه، وربما الاثنين معا، فقد نجح أوباما فيما عجز عنه الرئيس الأسبق بيل كلينتون، حين سعى إلى إعادة صياغة الرعاية الصحية داخل الولايات المتحدة. وعجز أيضا الرئيس جورج دبليو بوش عن تمرير تعديل مهم في برنامج محلي، خلال سعيه إبان ولايته الثانية إلى إنشاء حسابات خاصة في نظام الضمان الاجتماعي.

وفي قلب استراتيجية أوباما رهان على أن الجمهوريين، خلال سعيهم إلى تصوير مشروع القانون بأنه تحول تجاه الاشتراكية، بالغوا في قوتهم. وبعد أن أثارت حماسهم حركة «حفل شاي» المناهضة للحكومة، خاطر الجمهوريون بالكثير عن طريق التصرف كما يصف الديمقراطيون كـ«حزب لا».

وفي الوقت الحالي، يعتقد البيت الأبيض والديمقراطيون أنهم حصلوا على نفوذ أكبر بعد التسلح بتشريع يقدم مساعدات ملموسة للملايين من الأميركيين، ويتعهد بضمان تأمين للكثيرين ممن يرونه شيئا صعب المنال، أو يتعذر تحمل تكلفته.

وقال ديفيد أكسلرود، أحد أقرب المستشارين السياسيين للرئيس، داخل البيت الأبيض بينما كان يتابع وصول الأصوات المؤيدة للصيغة النهائية من مشروع القانون إلى 219 صوتا: «لو فشل تمرير هذا القانون لعاد ذلك بالنفع على الحزب الجمهوري وحده. كانوا يريدون مواجهة صيغة مشوهة من مشروع القانون، وليس مشروع القانون الحقيقي. والآن دعهم يقولون لطفل تمنعه ظروفه من الحصول على التأمين: (لا نعتقد أنك يجب أن تكون تحت مظلة التأمين)».

ولكن لا شك في أنه خلال هذه النقاش، خسر أوباما أمرا، بل خسره إلى الأبد. لقد ضاع عليه التعهد الذي مضى به نحو الفوز قبل أقل من عام ونصف، وهو الوعد «بتجاوز الحزبية» داخل واشنطن، واستخدام الخطاب الهادئ والعقلانية، بدلا من الخلافات الحزبية. ولم يحدث في التاريخ المعاصر أن جرى تمرير تشريع مهم من دون صوت جمهوري واحد. حتى الرئيس ليندون جونسون، فقد حصل على عدد من أقل من نصف الجمهوريين داخل مجلس النواب خلال التصويت على برنامج الرعاية الصحية «ميدي كير» عام 1965، وهو التشريع الذي استخدمت في معارضته ألفاظ تستخدم خلال الحديث ضد التشريع الحالي. وربما يكون ذلك معيارا حقيقيا يظهر مقدار التغير الذي حدث داخل واشنطن خلال الأعوام الخمسة والأربعين التالية، وكيف تغيرت استراتيجية أوباما مع اكتشاف أن نهج الحكم الذي كان في مخيلته لن يؤتي ثماره.

ويقول بيتر بينارت، وهو كاتب ليبرالي: «دعونا نواجه الأمر صراحة، لقد فشل في سعيه ليكون رئيسا غير مستقطب، وليكون رئيسا يمكنه استخدام العقلانية والنقاش الهادئ لتجاوز الخلافات التقليدية»، وأضاف: «يتبين أنه ثالث أعلى رئيس استقطابي على التوالي، ولكن بالنسبة إلى قاعدته الليبرالية، فإن ذلك يؤكد لهم أنهم كانوا على حق في اختيار هذا الشاب، وكانت لديهم شكوكهم».

ومن أجل هذا الدرس في الحكم، دفع أوباما ثمنا باهظا، فقد خسر تقريبا نقاش الرعاية الصحية، وحقق انتصارا بعد أن أرجأ تقريبا الأولويات الأخرى كافة، وألقى خطابات بعاطفة لم يظهرها منذ حملته الانتخابية. وفي النهاية، كانت حجته التي حققت الفوز، أنه على الرغم من أن المحصلة السياسية يمكن أن تكون ضده، وضد الديمقراطيين الآخرين، فإن إعادة صياغة الرعاية الصحية كان ركيزة أساسية في عقيدة «التغيير الذي يمكن أن تؤمن به».

وأقر أوباما بالمخاوف السياسية التي تلوح أمامه، على الرغم من أنه أكد بنبرة مألوفة أنه وضع نقطة فارقة قبل منتصف الليل بوقت قصير داخل البيت الأبيض، وقال: «ستكون هناك تنبؤات بخصوص معنى ذلك بالنسبة إلى الديمقراطيين والجمهوريين وإدارتي». ولكنه أصر على أنه بعد الإدلاء بالأصوات، ظهر النظام من وسط نقاش استمر على مدى عام سوف يبرهن على أنه «انتصار للتفكير السليم». وأكد على أنه «هذا ليس إصلاحا راديكاليا، لكنه إصلاح مهم».

ودخل الجمهوريون هذه المعركة مقتنعين بأنهم يعرفون ما سيحدث: نهاية لتفويض أوباما، وخسارة أكبر من المعتاد للحزب الحالي خلال انتخابات التجديد النصفي. وعلى ضوء العجز الكبير، الذي بدأ إبان رئاسة بوش، وتفاقم في ذروة الأزمة المالية، والقول بأن أوباما كان يسيطر على مساحات واسعة من الاقتصاد، يعتقد الحزب الجمهوري المحافظ أن تعديل الرعاية الصحية يلخص فكرة أن الرئيس يترأس حكومة كبيرة تعوزها الكفاءة، تتدخل في حياة المواطنين.

ويقول بيتر وينر، الذي كان مستشارا سياسيا لبوش: «على المدى القصير، سيحصل أوباما على دفعة بسبب القول بأنه بدأ من الصفر، وتمكن من القيام بما عجز أي رئيس عن القيام به على مدار 70 عاما. ولكن، فور أن يكتشف المواطنون أن ضرائب الرعاية الصحية ترتفع، وأن هناك خصومات أكبر في ميزات برنامج (ميدي كير)، وأن هناك طعنا داخل المحاكم ضد الكثير من النصوص، وأن طريقة تمرير صنعت صورة من الفساد، فلن يكون الحال جيدا».

ربما يكون الحال كذلك، ولكن رأي أوباما المضاد هو أن ثلاثة أرباع القرن من التاريخ الأميركي في جانبه. ففي عام 1966، وخلال الاحتفال بعمل أول سجلات لبرنامج «ميدي كير»، التي شملت 20 مليون أميركي، استدعى الرئيس جونسون الشكاوى قبل 3 عقود من أن الضمان الاجتماعي «سوف يدمر هذه البلاد»، وأشار إلى أنه «لا يوجد واحد في المائة سيفكرون في إلغاءه»، وربما كان على حق في ذلك الوقت، ولكن منذ ذلك الحين كان الكثيرون يعتقدون أنه يجب تغيير النظام أو إلغاؤه، وهي المعركة التي قاتل فيها بوش، وخسرها عام 2005.

وفي الوقت الحالي، قد يقوم الكثيرون بإجراء تعديلات بسيطة على برنامج «ميدي كير»، وكان هناك كثير من الآراء خلال الأشهر الثلاثة الماضية حول إعادة صياغته، ولكن لم يجرأ أحد في الكونغرس على الحديث عن إلغائه. ويراهن أوباما على أن ما أثمر بالنسبة إلى الرئيس جونسون والرئيس فرانكلين روزفلت سيحقق نتيجة طيبة له في نهاية المطاف. ويراهن على أنه فور أن يكتشف الأميركيون أنه لم يعد يمكن منعهم من الحصول على تأمين بسبب ظروفهم الخاصة، أو أنه يمكنه وضع أطفالهم على خطط التأمين الصحي الخاصة بهم لفترة أطول، فسوف يزداد تقديرهم لأثر هذه التغييرات على حياتهم اليومية.

يحاول أوباما الترويج لرقابة الحكومة على الأطباء وشركات التأمين بالطريقة نفسها التي يحاول من خلالها الترويج للرقابة المالية. ولكن، كما أظهرت المعركة حول الرعاية الصحية، فإن المناخ السياسية لعام 2010 لا يشبه المناخ السياسي عام 1965، ولا عام 1933. فكلما زاد نقاش المواطنين حول أثر هذه التغيرات على العقد الاجتماعي، زاد انقسامهم. وكلما تحدث أوباما، زاد من اعتقاد معارضيه داخل الحزب الجمهوري أن أفضل استراتيجية لهم هي الدفاع عن الوضع الراهن. وإذا زاد العجز، وتبين أن تقييمات مكتب الموازنة بالكونغرس وهمية، فسوف يكونون قادرين على القول بأن أوباما أجهد الحكومة في وقت لا تستطيع فيه البلاد تحمل مخصصات أخرى.

ولكن، سنحتاج إلى أعوام لمعرفة مدى واقعية تنبؤات الجمهوريين، أو تصور أوباما لرعاية شبه شاملة، يمكن تحمل تكلفتها. وفي هذه الأثناء، يمكن أن يقول أوباما إنه للمرة الأولى خلال رئاسته برهن على استعداده للمخاطر بكل شيء من أجل تحويل معتقداته إلى تشريع.

* خدمة «نيويورك تايمز»