تعزيز عسكري أميركي في غوام يثير غضب السكان

جزيرة استوائية تضم 180 ألف نسمة تخلت عنها إسبانيا لأميركا عام 1898

TT

في هذه الجزيرة النائية في المحيط الهندي يقطن مواطنون أميركيون مخلصون في ولائهم للجيش الأميركي، وهو ما تؤكده سجلات قتالهم في الحروب الأميركية الأخيرة. بيد أن هؤلاء السكان عبروا عن غضبهم بشأن التعزيزات العسكرية هناك، التي تقول حكومة غوام والكثير من السكان المحليين إنها لم تلقَ تمويلا كافيا. ويخشى السكان من أن تستهلك القاعدة الجديدة مصادر المياه الشحيحة وتزيد العبء على أنظمة الصرف الصحي في الجزيرة، ناهيك عن الميناء وشبكة الكهرباء والمستشفى والطرق السريعة والخدمات الاجتماعية.

ويقول مايكل كروز قائد القاعدة العسكرية في غوام والعقيد في الحرس الوطني، الذي عاد مؤخرا من الخدمة في أفغانستان حيث عمل هناك على مدار 4 أشهر كجراح: «أمتنا تعرف كيف تجدنا عندما يتعلق الأمر بالحرب والقتال فيها. لكن عندما يتطرق الأمر إلى الإعداد للحرب، التي تعد التعزيزات فيها أمرا جوهريا، يغض الجميع الطرف عن غوام».

وقد قدمت الحكومة الفيدرالية أسبابا قوية للقلق بشأن سكان الجزيرة الاستوائية الذين يبلغ عددهم 180 ألفا. وتأتي أهمية الجزيرة الاستراتيجية من كونها أقرب أرض أميركية إلى الصين وكوريا الشمالية. وقالت وكالة حماية البيئة الأميركية الشهر الماضي، إن التعزيزات العسكرية، كما وصفتها وثائق الكونغرس في غوام، يمكن أن تؤدي إلى نقص في إمدادات المياه، ما سينعكس بدوره على السكان المحليين الذين يعانون من انخفاض الدخل وتدني مستوى الرعاية الصحية. وقالت أيضا إن التعزيزات ستضيف المزيد من الأعباء على أنظمة معالجة الصرف الصحي بصورة قد تنتج عنها تأثيرات عكسية على الصحة العامة للمواطنين. وتوصل التقرير الذي أصدره مكتب المحاسبة الحكومية العام الماضي إلى نتائج مشابهة قائلا: إن التعزيزات العسكرية ستضيف عبئا ثقيلا على البنية التحتية لغوام.

وتأكيدا على أهمية الجزيرة أشار مسؤولون في البيت الأبيض إلى أن الرئيس أوباما كان قد خطط لزيارة غوام يوم الاثنين في أول توقف له خلال زيارته لآسيا، لكنه أجل الزيارة بسبب التصويت على مشروع قانون الرعاية الصحية أول من أمس، مضيفين أن أوباما يدرك القضية التي تعانيها ويخطط لتقديم بعض الدعم الفيدرالي لها.

وقالت نانسي سوتلي، رئيسة مجلس البيئة التابع للبيت الأبيض، التي ستقود وفدا إلى الجزيرة: «نحن نحاول تحديد وفهم الأوضاع الحالية في غوام والتأثير المتوقع لإعادة التوطين. وما من شك في أن الأوضاع البيئية في غوام ليست مثالية».

إلى جانب قاعدة المارينز الجديدة والمطار، ستتضمن الإنشاءات الجديدة في الجزيرة توسعة الميناء ليسع حاملة طائرات تعمل بالطاقة النووية، وهو ما وصفته وكالة حماية البيئة بأنه «غير مقبول» وسيؤثر على 71 ياردة مربعة من الشعاب المرجانية. ويرغب الجيش الذي يملك 27% من الجزيرة بناء ميدان رماية على الأرض التي تضم واحدا من آخر الغابات الشاطئية البكر التي لم تمتد إليها يد العمران في غوام.

في ذروة البناء ستزيد التعزيزات العسكرية في غوام من عدد سكان الجزيرة بنحو 79 ألفا أي ما يعادل 45% من عدد السكان. وتقول وكالة حماية البيئة إن خطط الجيش حتى الآن لدفع مقابل الخدمات المدنية إلى نحو 23 ألفا من الوافدين الجدد، تذهب في الغالب إلى المارينز وعائلاتهم الذين سينقلون من جزيرة أوكيناوا اليابانية.

كانت إسبانيا قد تخلت عن جزيرة غوام للولايات المتحدة عام 1898 وتعتبر الآن أرضا أميركية، وسكانها الآن مواطنون أميركيون لكنهم لا يتمتعون بأحقية التصويت في الانتخابات الرئاسية وليس لهم نواب في الكونغرس. وتشعر قيادة المارينز بنوع من التذمر في غوام، التي يبلغ حجمها 3 أضعاف مقاطعة كولومبيا، والتي تقع على بعد أكثر من 6 آلاف كيلومتر غرب لوس أنجليس.

وقال الجنرال كيث ستادلر قائد قوات المارينز في المحيط الهادئ ومقرها هاواي في مقابلة هاتفية: «أرى قلقا متناميا في الجزيرة حول الطريقة التي سندير بها هذا الأمر. أعتقد أنه يتضح لنا في كل يوم أننا بحاجة إلى مساعدة خارجية».

من جهته، قال البيت الأبيض إن الرئيس أوباما ضم في ميزانيته 750 مليون دولار للتعامل مع التأثير المدني لإعادة التوطين، وطلب من الكونغرس مليار دولار العام القادم، لكن مسؤولي غوام يقولون إنهم لم يتلقوا ضمانات من الحكومة الفيدرالية بأن الأموال في طريقها إليهم.

لم تستشر حكومة غوام بشأن قرار نقل 8 آلاف جندي من مشاة البحرية (نصف الموجودين في قاعدة أوكيناوا) إلى الجزيرة، الذي سيتكلف 13 مليار دولار تم التفاوض عليها عام 2006 بين إدارة الرئيس السابق جورج بوش والحكومة اليابانية السابقة، ستدفع بموجبها اليابان 6 مليارات دولار من التكلفة غير المدنية، كسبيل لخفض الوجود العسكري الأميركي في أوكيناوا.

وتعتبر غوام الأرض الأميركية الوحيدة ذات العدد الكبير من السكان التي تحتلها قوة أجنبية. فقد احتلت القوات اليابانية في الجزيرة خلال الحرب العالمية الثانية عامين ونصف العام اتسما بالوحشية في التعامل مع السكان من بناء معسكرات الاعتقال وإجبار الأهالي على الخدمة والترفيه للجنود. وكان قطع الرؤوس أمرا شائعا.

وقد قامت القوات الأميركية بقيادة المارينز بتحرير الجزيرة عام 1944، ويقول السكان هنا إنهم لا يزالون يشعرون بالدين للولايات المتحدة. ولكي يردوا الجميل يطلقون على جزيرة «رأس الحربة» لاستضافتهم القوة الأميركية في الشرق الأدنى. توجد في الجزيرة بالفعل قواعد للقوات الجوية والبحرية قادرة على التعامل مع الكثير من الأسلحة المتطورة في الترسانة الحربية الأميركية، حيث توجد على الجزيرة، التي سيتم حمايتها خلال الفترة القادمة بأنظمة دفاع صاروخية، غواصات هجومية نووية ومقاتلات «إف 22» وقاذفات «بي 2».

* شارك في إعداد هذا التقرير مايكل دي شير من واشنطن

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»