مسؤولون يكشفون ما حدث من انقسامات في كواليس البيت الأبيض والخارجية حول مؤتمر ديربان

باول درس بدائل عدة للحضور فجاء تصريح بوش المتشدد لاغيا لكل الخيارات

TT

سمع وزير الخارجية الاميركي كولن باول لاول مرة عن مؤتمر الامم المتحدة الخاص بمكافحة العنصرية عندما كان يطلع على أحوال الوزارة في يناير (كانون الثاني) الماضي، وحثه حينها مسؤول كبير بادارة الرئيس السابق بيل كلينتون على تدوين تاريخ عقد المؤتمر في مفكرته والذهاب الى ديربان بجنوب افريقيا لسرد قصته الرائعة في كيفية تقدم الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، فكان رد فعل باول ان ابدى اهتماما مباشرا بالموضوع.

وفي الاشهر التي اعقبت ذلك، وحتى آخر لحظة، عندما قال الرئيس الاميركي جورج بوش ان الولايات المتحدة لن تشارك في المؤتمر اذا جرت «مضايقة اسرائيل»، كان باول قد اطلع بعض المسؤولين، وبينهم الامين العام للامم المتحدة كوفي أنان، على شعوره بان من واجبه كأول وزير خارجية اميركي اسود ان يحضر المؤتمر.

وبينما كان باول يشعر بواجب التضامن ضد العنصرية، كانت كوندوليزا رايس، مستشارة الامن القومي والمسؤولة السوداء الاخرى في الادارة الاميركية، تنظر بعين الحذر في اجندة المؤتمر المقترحة. وعندما اتصل بها مايكل بوزنر المدير التنفيذي للجنة محامي حقوق الانسان في مارس (اذار) لتشجيعها على مشاركة الادارة الاميركية في المؤتمر، وجدها شديدة النبرة في انتقاد المقترح الذي يدعو الولايات المتحدة لدفع تعويضات عن الرق، حسبما افاد بوزنر في مقابلة اجريت معه امس في ديربان.

ويعكس الاضطراب الواضح في موقف الادارة الاميركية تجاه المؤتمر، بارسالها وفدا متوسط المستوى ثم انسحابها من المؤتمر الاثنين الماضي، الضغوط المتنافسة والآراء المتضاربة على اعلى المستويات خلال الاشهر الماضية. وتجلت ظلال من الاختلافات داخل البيت الابيض نفسه، فبينما رأى بعض المسؤولين الذين يتصدون للقضايا المحلية، مثل جوش بولتون نائب مدير موظفي البيت الابيض، ان المؤتمر فرصة لاستعراض تقدم الولايات المتحدة فيما يخص القضايا المتعلقة بالمساواة بين الاثنيات والاعراق المختلفة فيها، كان القلق ينتاب آخرين، وتحديدا كوندوليزا رايس ومسؤولين آخرين في الامن القومي، ازاء اللغة التي تضمنتها المسودات المقترحة حول اسرائيل.

وكانت نتيجة ذلك، ان انقسمت الاشارات الصادرة عن الادارة حول مؤتمر ديربان. ويشير بوزنر الى حضوره الربيع الماضي في البيت الابيض اجتماعا ضم العديد من ممثلي جماعات الحقوق المدنية واتسمت اجواؤه «بعدم الارتياح والتضارب في الآراء». وبعد اللقاء، كتب المدير التنفيذي لـ«مؤتمر القيادة للحقوق المدنية»، وهي مظلة تجمع اكثر من 150 منظمة بارزة في مجال الحقوق المدنية، الى باول يطلب منه عقد مناقشة حول قضايا المؤتمر. وجاء الرد على الرسالة مؤدبا، ولم يزد عن ابداء الشكر ازاء الاهتمام بالموضوع، بحسب مسؤول من المجموعة. وعلى نحو مشابه، بعثت مجموعات ناشطة في مجال حقوق الانسان برسالة الى باول تطلب منه عقد اجتماع معها لمناقشة مشاركة الادارة الاميركية في مؤتمر ديربان، لكن الوزير رد بان اجندة مواعيده مكتظة ولا وقت لديه لعقد مثل هذا الاجتماع.

واوفدت الادارة فريقا من الدبلوماسيين الى اجتماع تحضيري نهائي عقد في جنيف لتحاول التأثير في الصياغة اللغوية المقترحة لوثائق المؤتمر، وشطب اي فقرات تطالب بدفع تعويضات عن الرق او تتضمن اشارات ضد اسرائيل. وفي نفس الوقت، صرحت الادارة بان الولايات المتحدة لن تحضر المؤتمر الا بعد تعديل اجندة المؤتمر وفق ما ترغب. وحمل هذا التصريح معارضي الولايات المتحدة، الى تشديد مواقفهم. ومع احتدام التوتر الحالي بين الفلسطينيين والاسرائيليين، تقلصت فرص تنازل الدول العربية عن موقفها من اجندة المؤتمر.

ومع نهاية لقاء جنيف جرى التوصل الى تنازلات كافية بشأن قضية دفع تعويضات عن الرق، لكن الاشارات الشديدة تجاه اسرائيل لم تشطب. وفي 24 اغسطس (آب) الماضي، صرح الرئيس بوش بان الولايات المتحدة لن تشارك في المؤتمر ان لم تشطب الاشارات المنتقدة لاسرائيل. لكن قبل 3 ايام فقط من هذا التصريح، كان ديفيد هاريس، المدير التنفيذي للجنة اليهودية الاميركية، قد صرح بان مسؤولي الخارجية الاميركية تركوا لديه الانطباع بان الادارة الاميركية ستحضر المؤتمر، واوضح قائلا «كان السؤال هو على اي مستوى؟». وحسب هاريس، فان باول في ذلك الوقت كان يقلب النظر في مجموعة خيارات، بين الذهاب بنفسه الى ديربان وتغيير اجندة المؤتمر، او الذهاب ثم المغادرة بعد القاء كلمته، او ارسال لورن كارنر مساعد وزير حقوق الانسان مع احتفاظ هذا الاخير بخيار الانسحاب اذا اضطر لذلك.

وقبل يوم من تصريح الرئيس بوش، كان هاريس من بين اكثر من 10 اشخاص تلقوا دعوة لحضور المؤتمر كأعضاء في الوفد الاميركي. وافاد هاريس ان مسؤول البيت الابيض المكلف بمتابعة الوفد اشار الى ان باول او كارنر سيترأسه. وعند سؤال البيت الابيض من جانب مسؤولين عن الحقوق المدنية وجماعات حقوق الانسان ان كان باول سيحضر المؤتمر، رد البيت الابيض بان مشاركة باول في المؤتمر مرتبطة «بقراره الشخصي».

وربما بدأ باول تقليب الموضوع من حيث احتمالات حضوره شخصيا، لكن تصريح بوش سد عليه الطريق كليا. وبعد 6 ساعات من تصريح بوش، عاد باول من قضاء عطلة نهاية الاسبوع مرتديا قبعة بيسبول مما يدل انه كان في مزاج مسترخ. وفي اجتماع موسع عقد لاتخاذ القرار النهائي استهله باول بالتساؤل «اين هي الصياغة اللغوية لوثائق المؤتمر»؟ حينها قيل له ان المقاطع المسيئة لاسرائيل لم تحذف، مما دفع بالوزير الى الاستخلاص بانه لن يحضر مؤتمر ديربان. ولم يتمخض الاجتماع حتى عن قرار ارسال وفد اميركي، الا ان المجتمعين ابدوا تشديدهم على عدم تناقض توصياتهم حيال مستوى الوفد مع تعليمات الرئيس بوش. ووقع الاختيار على مسؤول اقل رتبة من كارنر، وهو مايكل ساثوك نائب مساعد وزير المنظمات الدولية.

وبالنسبة لبوزنر فان قرار ارسال هذا الوفد كان «خاطئا»، ولو كانت «الولايات المتحدة ممثلة على اعلى مستوى بحضور وزير خارجيتها لكانت الجهات المختلفة قد حاولت التصالح مع ما يريده» كولن باول. ويضيف بوزنر انه «كان يتعين على باول الحضور وخوض غمار هذه المواجهة». اما بالنسبة للجنة العلاقات العامة الاسرائيلية ـ الاميركية فان ذلك القرار كان «صائبا». ففي رسالة ارسلها اول من امس الى الرئيس بوش ووزير الخارجية باول، اعرب المدير التنفيذي للجنة هاوارد كوهر عن «تقديرنا العميق لموقفكم الحازم في معارضة الجهود الرامية الى احياء الادانة التي تهاوت في السابق من مساواة الصهيونية بالعنصرية».

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»