الحراك السياسي الجديد في مصر يربك حسابات «الإخوان»

بعضهم انضم إلى جمعية البرادعي وآخرون طرقوا أبواب أحزاب معارضة

TT

حراك سياسي جديد في مصر بدأ يربك حسابات جماعة الإخوان المسلمين التي تعتبر أكبر قوة معارضة في البلاد.. وتسببت في هذا الحراك عدة تداعيات منها عودة الدكتور محمد البرادعي، المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى البلاد معلنا رغبته في الترشح للرئاسة، وكذلك اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المهيئة لانتخابات الرئاسة. وفي حين انضم بعض الإخوان لجمعية سياسية أسسها البرادعي، بدأ آخرون في طرق أبواب أحزاب معارضة، بما فيها حزب التجمع اليساري، الخصم اللدود لـ«الإخوان».

ووسط حالة التمترس التي تهيمن على المشهد السياسي في مصر خلال الأسابيع الماضية، تقف جماعة الإخوان المسلمين على مسافة واحدة من الجميع دون تورط كامل مع أي من الأطراف بمن فيهم الدكتور البرادعي. وتصطف أحزاب المعارضة الرسمية الأربعة (الوفد والتجمع والناصري والجبهة الديمقراطية) في جبهة واحدة اجتمعت تحت شعار التغيير، لكن هذا لم يكن سببا كافيا لتحرك مشترك مع الحركات الاحتجاجية والأحزاب غير الرسمية (تحت التأسيس)، رغم أن هذه الأخيرة ترفع نفس الشعار (التغيير).

الجمعية الوطنية للتغيير، التي أسسها الدكتور البرادعي فور عودته إلى البلاد الشهر الماضي، أكدت على لسان منسقها العام الدكتور حسن نافعة أن موقف جماعة الإخوان المسلمين المتحفظ تجاه الجمعية والدكتور البرادعي، لن يستمر طويلا. وقال نافعة لـ«الشرق الأوسط» إن «اللقاء الأخير الذي جمع الدكتور سعد الكتاتني، عضو مكتب الإرشاد، والبرادعي كان مبشرا جدا، خصوصا أن الجماعة قالت في هذا اللقاء إنها جاهزة لتكون حزبا مدنيا».

ويترقب الكثير من السياسيين المصريين مواقف الجماعة، والمسافة التي تصر على وضعها بينها وبين الجمعيات السياسية الرسمية وغير الرسمية. وحين تحركوا على استحياء تجاه البرادعي، ومن بعده طرقوا أبواب عدة أحزاب وحركات، كان تحركهم لافتا للانتباه.. يقول نافعة إن الجمعية التي أسسها البرادعي ترحب بالاتصالات التي تجريها الجماعة.. «نحن نرحب بالاتصالات التي يجريها (الإخوان) مع الأحزاب الرسمية، وبخاصة حزب التجمع (اليساري). نحن كنا ضد الخلاف بين رئيس التجمع الدكتور رفعت السعيد (الشهير بكتاباته ضد الجماعة) و(الإخوان)، ونقرأ هذا التقارب باعتباره خطوة إلى الأمام».

الأحزاب التي كانت ترفض التحاور مع «الإخوان» أو التنسيق معهم، بدأت تشهد ضغوطا من داخلها لفتح الأبواب للنقاش من أجل الإصلاح الدستوري والقانوني. ويشير نافعة إلى الضغوط التي يمارسها أعضاء الأحزاب الرسمية على قياداتها من أجل دعم البرادعي أيضا، ويقول: «نأمل أن يكون اللقاء بين الجماعة وحزب التجمع أول خطوة على طريق وحدة صف المعارضة المصرية».

ولـ«الإخوان» اتصالات بأحزاب رسمية وغير رسمية أخرى، بالإضافة إلى البرادعي، لكنهم لم ينخرطوا في حركة موحدة ذات مطالب محددة.. ويرى البعض أنه حتى لو توحد صوت المعارضة، فإنه من الصعوبة اللجوء إلى تعديل الدستور قبل انتخابات الرئاسة المقبلة المقرر لها عام 2011، حيث يستبعد الحزب الوطني الديمقراطي (الحاكم) ذلك. ليزيد عدد المتمترسين وراء مواقفهم المسبقة.

موقف المعارضة الرسمية وغير الرسمية تجاه البرادعي وإمكانية دعمه لمنافسة مرشح الحزب الحاكم، ما زال غامضا، سواء كان المرشح المحتمل للحزب هو الرئيس حسني مبارك، أو نجله جمال، القيادي في الحزب، أو غيرهما من الشخصيات.. وبينما تقف جماعة الإخوان المسلمين لتراقب الجميع، بمن في ذلك الحزب الحاكم، تتقاذف المعارضة الرسمية والمعارضة غير الرسمية الاتهامات بين حين وآخر، مع تزايد اجتماعاتهم، على خلفية الحراك السياسي الذي تسبب تقاعد البرادعي من عمله الدولي وعودته إلى مصر.

«حالة الارتباك تسود الجميع.. وربما أكثر القوى السياسية نضجا في التعامل مع هذه المرحلة الحساسة هي جماعة (الإخوان)». يعلق ضياء رشوان، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية قائلا إن «الجماعة تشترك في كل التشكيلات المعارضة في محاولة لتوسيع دائرة تحالفاتها.. ولم يصدر عن الجماعة تصريح واحد، على خلاف قوى المعارضة الأخرى، ضد فصيل أو ائتلاف أو حركة».

ويعتقد البعض أن «الإخوان» تريد أن تقف على مسافة واحدة من الجميع لكي تقدم نفسها باعتبارها جسر التواصل بين التيارات المختلفة، وصولا إلى خلق جبهة في مواجهة الحزب الحاكم في الانتخابات القادمة، كما يقول رشوان.

وتشهد مصر انتخابات برلمانية خلال هذا العام، منها انتخابات مجلس الشورى، بعد شهرين، وانتخابات مجلس الشعب، بعد نحو ستة أشهر. ويلعب عدد الأعضاء المنتخبين في المجلسين دورا مهما في تهيئة المرشحين لانتخابات الرئاسة فيما بعد.

وتعتبر «الإخوان» مسألة تأييد البرادعي في الانتخابات الرئاسية أمر سابق لأوانه، وقالت إن «الجماعة تدرس الأفكار المطروحة وتستمع لوجهات النظر كافة، وإنها سوف تعلن موقفها في الوقت المناسب وبعد الدراسة المتأنية»، نافين عن أنفسهم وصف التمترس بعيدا عن القوى الأخرى.. «إذا كان هناك من يتمترس فإنه الحزب الحاكم»، كما يعلق الدكتور محمد مرسي، المتحدث الرسمي باسم الجماعة، قائلا: «كل ما نسعى لتحقيقه هو خلق وعاء كبير يجمع كل التيارات المعارضة.. نبحث عن التوافق والتوفيق وإذا أمكاننا جسر المسافة بين الأحزاب والحركات الاحتجاجية ففي ذلك مصلحة الوطن».

محمد حبيب النائب السابق للمرشد يوضح لـ«الشرق الأوسط» بقوله: «الجماعة تعمل على خلق فضاءات يمكن من خلالها إحداث التغيير»، مشيرا إلى أن القوى الوطنية المتمترسة في موقعها اليوم تملك قواسم مشتركة لا يوجد من يختلف عليها، أهمها إلغاء حالة الطوارئ، وإطلاق الحريات العامة، وإشراف قضائي كامل وحقيقي، على أي انتخابات مقبلة.